الرئيسية / مقالات رأي / لا حرب جديدة في ليبيا وإن تأجلت الانتخابات

لا حرب جديدة في ليبيا وإن تأجلت الانتخابات

بقلم: الحبيب الأسود – العرب اللندنية

الشرق اليوم- هناك شعور عام لدى أغلب الليبيين أن المهندس عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية بات يتمدد بقوة، وينفذ برنامجه الخاص به لا البرنامج المتفق عليه في ملتقى الحوار السياسي أو المطروح على البرلمان لنيل ثقته في مارس الماضي، وهو يمتلك الأدوات لتحقيق أهدافه، لديه حلفاء على الأرض وجناح مؤثر في ملتقى الحوار، ودعم كامل من تركيا الحاضرة بقواتها وسلاحها في غرب البلاد، وشبكة فاعلين أساسيين في مراكز القرار وصلت إلى حدّ اختراق المجلس الرئاسي والسيطرة على توجهاته، ومستشارون يسعون بقوة لتوجيه بوصلة السنوات القادمة لفائدته، حتى أغاني التمجيد لشخصه بدأت في الظهور سواء من إنتاج وزارة الثقافة والتنمية المعرفية أو إنتاج القنوات التلفزيونية المرتبطة بمنظومتي الأسرة واللوبيات.

يسعى الدبيبة لإقناع قوى إقليمية ودولية بضرورة التمديد لحكومته، وقد طرح ذلك في لقاءات رسمية مع العديد من الشخصيات من بينها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتبدو لندن أكثر العواصم يقينا بأن الانتخابات في ليبيا ستتأخر عن موعدها المقرر. كذلك بات الإيطاليون شبه متأكدين من الأمر. أما الأميركيون فيتجهون إلى الدفع نحو الاكتفاء بتنظيم انتخابات برلمانية في الرابع والعشرين من ديسمبر وتأجيل الرئاسيات إلى وقت أخر قد يكون سبتمبر 2022، وبعض التسريبات تقول إنهم أبلغوا حلفاءهم الأوروبيين بذلك.

المشكلة الحقيقية في ليبيا أن هناك ثروة تثير الأطماع داخليا وخارجيا، وهناك مال سائب يعلّم السرقة حتى لمن يدّعون أنهم عنوان النزاهة ونظافة اليد

الدبيبة وفريقه يعملون على الاستمرار في الحكم لسنوات قادمة، وهذا الأمر لم يعد خافيا، فهناك مساع فعلية للتحكم في مسارات الأحداث وآلياتها كالدبلوماسية والإعلام والأموال الطائلة المرصودة، لا أحد يستطيع أن يتنكر لهذا الواقع، والكثير من الأطراف الليبية تراهن على استمرار الوضع على ما هو عليه، وتعتبره أفضل بكثير من أيّ مغامرة لتنظيم انتخابات قد تعيد تقسيم البلاد بشكل يمكن أن يكون عنيفا أكثر مما سبق.

الإخوان والدائرون في فلكهم يعتبرون أنّ لا نجاح للانتخابات من دون دستور، ولا قبول بنتائج لا تكون في صالحهم، ولا موافقة على أن يترشح من يضعونهم في خانة الأعداء للاستحقاق، وهم يمتلكون الآليات لإعادة البلاد إلى مربع العنف: ميليشيات وجماعات مسلحة وجحافل مرتزقة وتحالف ميداني معلن مع تركيا. إلى جانب تأثير واضح في الشأن السياسي من خلال التغلغل في مفاصل الدولة وامتلاكهم إمكانيات إعلامية مؤثرة في الداخل والخارج، وقدرة على المناورة والخداع والتلاعب بالمفردات وفبركة المعطيات. بإمكان الإخوان إشعال الحرب ثم التظاهر بأنهم ضحايا، ولديهم المال الوافر الذي يخصصونه للتعاقد مع شركات العلاقات العامة لكسب الرأي العام الغربي ولا سيما الأميركي. في العام 2014 انقلبوا على نتائج الانتخابات التي لم تكن في صالحهم ودفعوا نحو حرب أهلية مدمرة استفادوا منها عندما تمت إعادة تدويرهم في مؤتمر الصخيرات ليعودوا إلى صدارة الحكم من بوابة مجلس الدولة الذي لا يزال إلى اليوم عقبة في وجه الحل السياسي بالبلاد.

الجيش والبرلمان ومناصروهما، يعتبرون أن لا نجاح لانتخابات تنتظم في ظل فوضى الميليشيات في غرب البلاد، وتحت راية من يطلقون عليه اسم المحتل التركي، وهم يعتقدون أن قوة السلاح ستؤثر على نوايا الترشح أولا، ولاسيما في مدن يهيمن عليها الرأي الواحد، ثم على إرادة الناخبين، وقد تفرض تزويرا على نتائج الصندوق، وليس من المستبعد أن تدفع إلى الحرب من جديد تماهيا مع منظومة “فجر ليبيا” في صيف 2014 والتي كان هدفها الأول الانقلاب على نتائج الانتخابات.

لكن بالمقابل، الإخوان وحلفاؤهم، يناورون علنا من أجل تأجيل الانتخابات، ويعلنون ذلك أمام بعثة الأمم المتحدة، ويرفضون التوصل إلى القاعدة الدستورية المرتجاة، ومنهم من هدد بالحرب وبتقسيم البلاد في حال فاز المحسوبون على الجيش أو على النظام السابق، وهم يطرحون تأجيل الرئاسيات على الأقل إلى حين فرض دستور يعتقدون أنه سيضمن لهم موقعا في سدة الحكم، ويمنع أيّ رئيس قادم من التحكم في مصيرهم حتى لو كان خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي شخصيا.

وعلى طرف النقيض، يصرّ البرلمان وقيادة الجيش والقوى الوطنية وأنصار النظام السابق على تنظيم الانتخابات في موعدها، رغم أنهم يدركون أن الأمر بات في غاية الصعوبة. هم يهدفون بذلك إلى توريط الأمم المتحدة والمتداخلين الإقليميين والدوليين، ويحاولون إثبات حقيقة طالما عملوا على إقناع العالم بها، وهي أن لا الإسلام السياسي بمختلف تفرعاته ولا الميليشيات ولا أصحاب النفوذ الإقليمي في طرابلس يرغبون في تحقيق أهداف خارطة الطريق ومنها تنظيم الاستحقاق الانتخابي. وقد التحق بهم طرف آخر هو في الأصل خليط من كل هؤلاء يتصدّره رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الطامح إلى الاستمرار في منصبه لسنوات أخرى.

المشكلة الحقيقية في ليبيا أن هناك ثروة تثير الأطماع داخليا وخارجيا، وهناك مال سائب يعلّم السرقة حتى لمن يدّعون أنهم عنوان النزاهة ونظافة اليد، وهناك مظاهر بذخ وترف غير مسبوقة ولاسيما في غرب البلاد تأتي نتيجة لاتساع ظاهرة الفساد ونهب المال العام وسيطرة السلاح على دوائر القرار المالي والاقتصادي، وهناك طبقة واسعة من المتنفذين مرتبطة بالفاعلين الأصليين في طرفي النزاع تهيمن على الأسواق وتجارة العملة والاعتمادات المصرفية، وهناك توافقات ضمنية على تقاسم الثروة والسلطة خلال المرحلة القادمة على أن يبقى كل طرف في موقعه. لا أحد يريد الديمقراطية في ليبيا، وحتى المجتمع الدولي بات يراجع مواقفه بعد واقعة الخامس عشر من أغسطس في أفغانستان.

يدرك الدبيبة أن وجود القوات التركية ومرتزقتها في غرب البلاد يمنع الجيش المسيطر على الشرق والجنوب من دخول مغامرة جديدة نحو طرابلس، ويدرك حفتر أن سيطرة قواته على منابع الثروة تمنحه ورقة الاستمرار كرقم صعب في المعادلة العسكرية والسياسية، ويتفق الروس والأتراك على ذلك، ويلعب كلّ منهما أوراقه لإبقاء الوضع على ما هو عليه. لا مشكلة في تنظيم انتخابات برلمانية سواء في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021 أو الرابع والعشرين من يناير 2022 ، ولكن من الأفضل أن تبقى التوازنات على ما هي عليه إلى حين حدوث شيء ما.

يسعى الدبيبة لإقناع قوى إقليمية ودولية بضرورة التمديد لحكومته، وقد طرح ذلك في لقاءات رسمية مع العديد من الشخصيات

لا عودة إلى الحرب بين شرق ليبيا وغربها، ولكن الحرب قد تكون في غرب ليبيا بين الميليشيات المتنافسة، وقد يتم الدفع إليها لتأجيل الانتخابات فعليا بدعوى غياب الاستقرار الأمني، ولأمر آخر هو أن يحسم المجتمع الدولي موقفه من الجماعات المسلحة ويتدخل للجمها نهائيا وجمع السلاح المنفلت. بعض المؤشرات تقول إن هناك رهانا على توحيد المؤسسة العسكرية في ربيع 2022، وإن حفتر لا يمانع في دمج ميليشيات رئيسية في الجيش والمؤسسات الأمنية. أمراء الحرب المسيّسون وآخرهم صلاح بادي باتوا يهيئون المجال لذلك.

لن يسحب مجلس النواب ثقته من حكومة الدبيبة، والمؤتمر الدولي القادم سيجمع كل الأطراف على طاولة واحدة. سيتم الاتفاق على استمرار المرحلة الانتقالية بعض الوقت، وستتكرس الزعامات الحالية ولاسيما الدبيبة في الغرب وحفتر في الشرق، وهما قد دشنا بالفعل حملة علاقات عامة في الأوساط الاجتماعية والثقافية وحتى الرياضية. وعندما تأتي اللحظة المناسبة سيسعيان إلى تقاسم الحكم وفق المحاصصة الإقليمية سواء من خلال الانتخابات أو من خارجها. أما الشعب فعليه أن يتحمل وينتظر.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …