الرئيسية / مقالات رأي / “خراب” لبنان قابل للإصلاح

“خراب” لبنان قابل للإصلاح

بقلم: جوني منير – صحيفة “الجمهورية” اللبنانية

الشرق اليوم – منذ أن أعلن القصر الجمهوري عن الدعوة الأميركية لتحقيق مشروع نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، والتساؤلات تتوالى حول الخلفية السياسية وراء ذلك.

يومها، طلبت السفيرة الأميركية في بيروت من الرئاسة اللبنانية أن تعلن هي عن مضمون الموقف الأميركي، من خلال بيان لبناني رسمي. الموقف الأميركي جاء يومها بعد ساعات على ما كان قد أعلنه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول انطلاق باخرة مازوت من إيران مخصصة للبنان، ولذلك ربط البعض بين الحدثين ووضع القرار الأميركي في إطار «القوطبة» على سعي إيران لفتح الأبواب اللبنانية أمامها بشكل أوسع من باب أزمة الكهرباء. وقد جاء القرار الأميركي أيضاً في لحظة إعادة ترتيب خارطة النفوذ السياسي في الشرق الأوسط.

صحيح أنّ الملف السوري لم يُفتح بعد أمام التسويات السياسية، لكن ثمة تحضيرات كثيرة جارية على قدم وساق، منها ما هو عسكري مثل ما يحصل في درعا وأيضاً في إدلب. ومنها ما هو سياسي وهو ما تمهد له روسيا بشكل خاص، بالتنسيق مع الأميركيين، ومنها ما هو اقتصادي وهو ما جرى وضع الخطوة اللبنانية في إطاره وعلى أساس التمهيد لإزالة «قانون قيصر» في وقت لاحق، أي إعطاء إشارة مبكرة في هذا الاتجاه. 

أضف إلى ذلك، أنّ هذا المشروع سيسمح باستفادة الخزينة السورية من خلال إدخال رسوم مالية هي بأمس الحاجة إليها. وقد يكون لهذين التفسيرين جانب من الصحة، لكن ثمة أولوية مطلقة حتّمت على واشنطن تعديل موقفها من مسألة العلاقات اللبنانية – السورية. وهذه الأولوية الملحة هي بمنح لبنان بعضاً من الأوكسيجين، لا سيما أن الأسابيع الماضية شهدت ما يشبه الاحتضار للبنان وكادت الدولة أن تتوقف عن التنفس في ظل فقدان الكهرباء بالكامل وتوقف كهرباء المولدات بشكل كبير، ورغم خطورة الوضع لم يتحرك المسؤولون في لبنان لتقديم تنازلات وفتح الطريق أمام ولادة الحكومة. 

الموافقة الأميركية على زيارة أول وفد رسمي لبناني رفيع المستوى منذ أكثر من عشر سنوات إلى سوريا للبحث في موضوع استقدام الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، وهو ما يعني وضع أول استثناء لتطبيق «قانون قيصر»، هذه الموافقة جاءت واضحة عندما طلب أحد الوزراء الثلاثة سماع الموافقة الأميركية مباشرة وشخصياً من السفيرة الأميركية. وكان جواب شيا لأحد الوزراء المشاركين بالوفد أن بلادها موافقة تماماً على حصول هذه الزيارة.

قبل ذلك بأسابيع معدودة، سعى أحد المصرفيين والذي كان اسمه مطروحاً ليكون ضمن التشكيلة الحكومية للرئيس نجيب ميقاتي، إلى سؤال السفيرة الأميركية رأيها حول الموضوع.

وكان جوابها أن القرار يعود له وحده. لكن عندما توسّع المصرفي في خلفيات سؤاله خصوصاً لناحية أن وزراء حكومة ميقاتي قد يكونون ملزمين بزيارة دمشق، أجابت السفيرة الأميركية أن هذه الخطوة ستخضع حتماً لموجبات «قانون قيصر». وفهم المصرفي أن هذا الأمر سيطال مصالحه الخاصة، ما دفعه لإبلاغ الرئيس ميقاتي عدم رغبته بطرح اسمه في التشكيلة الحكومية الجاري تحضيرها.

إذاً، ثمة تبدل واضح في الموقف الأميركي وخلال فترة أسابيع. والوفد الذي تولى تشكيله بشكل مباشر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بمساعدة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لم يقتصر فقط على الجانب التقني البحت، وإلا لكان اقتصر فقط على وزير الطاقة ريمون غجر وإلى حدٍ ما وزير المال غازي وزني رغم أن الأمور المالية لم يحن وقتها بعد.

فتضمين الوفد نائب رئيس الحكومة زينة عكر بصفتها وزيرة للخارجية، إنما فيه جانب سياسي واضح. ربما كان الهدف لإعطاء وزن سياسي للوفد، رغم أنّ النقاشات التي حصلت لم تخرج لحظة عن الإطار التقني ولم تقارب الجوانب السياسية لا من قريب ولا من بعيد. لكن لا شك في أن القراءات المختلفة للزيارة جاءت إيجابية لكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا المشروع سيكون بحاجة للتمويل من البنك الدولي من أجل إصلاح الأضرار الكثيرة الموجودة أن في سوريا أو في لبنان. وطبعاً للبنك الدولي شروطه والتي تستند في نهاية الأمر إلى المناخ السياسي لواشنطن.

وقبل الزيارة الوزارية اللبنانية الرسمية إلى دمشق بساعات، كان وفد من الكونغرس الأميركي يزور لبنان حيث اعتبر السيناتور الديموقراطي ريتشارد بلومنتال أن لبنان في وضع «السقوط الحر»، معرباً عن أمله بأن لا تصبح قصته «قصة مرعبة»، وعن أمله في تشكيل حكومة بشكل سريع. وبلومنتال هو يهودي وأكثر أعضاء مجلس الشيوخ ثراءً.

وعلى رغم الصورة السوداوية، إلا أن أعضاء الوفد عادوا من لبنان وهم يحملون انطباعاً بأن هذا «الخراب» الموجود قابل للإصلاح شرط أن يلتزم المسؤولون اللبنانيون بالإصلاحات المطلوبة ما سيدفع واشنطن لحزم أمرها للبدء بمساعدة لبنان.

في العادة، إن زيارات أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين تصب في إطار زيارات الاستكشاف أكثر منها في إطار التنفيذ العملي. قبل وصول هذا الوفد كانت زيارة همة لرئيس المخابرات المركزية الأميركية السفير وليم بيرنز إلى لبنان حيث تطرق إلى مسائل التنسيق الأمني الأميركي – اللبناني وملف الجنوب. لكنه شدد ايضاً على وجوب ولادة حكومة تتولى اتخاذ قرارات الإصلاح كمدخل إلزامي.

وقال بيرنز: وضعكم صعب جداً وخطير وأنا أضمن لكم أنكم ستنالون مساعدات عاجلة حتى من دول الخليج شرط أن تشكّلوا حكومة تحظى بالمواصفات الإصلاحية اللازمة. وألَحّ بيرنز على ضرورة ولادة الحكومة سريعاً، وتجاوز هذه الخلافات غير المفهومة.

بدورهم، شدّد أعضاء وفد رجال الكونغرس الأميركي، على موضوع ولادة الحكومة سريعاً وأبدوا تفاؤلهم بعد التزام رئيس الجمهورية بولادة الحكومة خلال يومين أو ثلاثة. وتعمدوا إبلاغ الجميع بما سمعوه بوضوح، ربما لإلزام الرئيس عون بموقفه، لكن الحكومة تعثرت لأسباب غير مفهومة.

لكن اللافت، والذي لم ينتبه إليه أحد رغم أهميته، هو وجود محامٍ متخصص بالقانون الضريبي والعقوبات الأميركية من ضمن أعضاء الوفد وهو يدعى جوشوا ألتمان. ربما كان الوفد قد تحضر لاحتمال أن يتطرق أحد المسؤولين اللبنانيين إلى ملف العقوبات الأميركية على أشخاص ومسؤولين لبنانيين. لذلك جرى اصطحاب هذا المحامي الأميركي المتخصص في هذا المجال لكن أحداً لم يتطرق لهذا الملف، ما يعني ربما أنه في حال جرى طرح هذا الموضوع فإن الجواب لن يكون سياسياً بل تقني، وبما معناه أن الملف ما يزال حتى الساعة خارج إطار البازار السياسي، وأن معالجته محصورة في جانبه التقني والقضائي. 

هي إشارة لم يلاحظها أحد، رغم أنها معبرة جداً.

شاهد أيضاً

إسرائيل لا تملك وسائل تحقيق طموحات نتنياهو ومن هم على يمينه!

بقلم: فارس خشان – النهار العربي الشرق اليوم- يعاني الجيش الإسرائيلي في غزة من الدوران …