الرئيسية / مقالات رأي / الدرس الأمريكي من كابل إلى بيروت

الدرس الأمريكي من كابل إلى بيروت

بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز

الشرق اليوم– يحلم الممانعون في لبنان بمشهدية مستنسخة عن مطار كابل. يتصورون خصومهم وهم يتدلون من طائرات أميركية تجلي رعاياها بعد إنسحاب مفاجئ يكشف عورات “العملاء” الذين يستحقون بئس المصير. فتستتب الأمور لمصلحتهم ويتخلصون من أدوات الإستعمار في الداخل.

لا يهم عدم جواز المقارنة. المهم متعة الإحتفال. لذا هم في نشوة هذه الأيام. يرددون لازمة: “طالبان هزمت الولايات المتحدة” وكأنهم ساهموا بهذه الهزيمة وانتصروا. يسارعون إلى الإعلان عن استجرار النفط الإيراني إلى الشواطئ اللبنانية، يبيعون بيئتهم الحاضنة أحلام القوة والرفاهية ويمننون باقي الشعوب اللبنانية بالفرج والعز بعد الفاقة وكسر الحصار الأميركي المذل. يبشرون بقدرتهم على التنقيب عن نفط لبنان على طريقة “القرعاء التي تتباهى بشعر إبنة خالتها”.. ويتصرفون وكأنهم عالجوا كل الأزمات المعيشية القاتلة وانهار سعر صرف الدولار لمصلحة الليرة اللبنانية. في حين لا يزال النفط سمكا في بحر وعودهم.

يعلقون تشكيل الحكومة إلى أجل غير مسمى. يرمون باللائمة على الرئيس المكلف الذي ورطوه بوعودهم التسهيلية. يمسحون هذه الوعود لأن الفرصة مؤاتية حتى يديروا البلد على طريقتهم بالترقيع واستنزاف ما تبقى من أموال اللبنانيين المنهوبة وصولا إلى استكمال مشروع المحور الإيراني وتغيير الهوية اللبنانية من أساسها.

ولم الاستعجال؟؟ اللحظة الإقليمية تصب في مصلحتهم. محورهم هو الأقوى. ليس لأنهم انتصروا في معركتهم ضد الشطان الأكبر والعدو الصهيوني الغاشم الذي ما فتئ يقصفهم ويصطاد منهم من يريد وكيفما يريد، ولكن لأن الحدث الأفغاني جاء خشبة خلاص لما كانوا منه يتوترون لجهة الأزمات الخانقة وتفلُّت بعض خيوط السيطرة التي تكسر الهيبة، وتستدرج تفلُّتا أكبر إذا لم يتم التدارك. والفرصة جاءت إليهم على طبق من ذهب، فلمْ يضيعوها وتداركوا نكستهم باستثمار الخروج الأميركي من أفغانستان.

وعلى مهلها المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة لتستوي طبختها.

المهم أن الأوراق الذابلة التي كادت تتساقط عادت إليها عصارة الحياة بمجرد حصول الإنسحاب الأميركي من أفغانستان وبمجرد اجتياح طالبان السريع للمدن الأفغانية وصولا إلى مطار كابل، حيث المشهدية التي يحلم بمثيلاتها المحور وأذرعه، وتحديدا في لبنان.

لكن مهلا.. فالغبار الإعلامي المرافق لهذا الحدث سينقشع لتعود الحقائق. وأولها قول الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتّحدة فعلت كلّ ما بوسعها لدعم الحكومة الأفغانية، لكنها انهارت بشكل أسرع من المتوقّع، مضيفا: “أعطيناهم كلّ فرصة لتقرير مستقبلهم. لا يمكننا إعطاؤهم الإرادة للقتال من أجل مستقبلهم”.

كلام  بايدن يدل على أن الشعوب هي التي يجب أن تصنع مصيرها. لا تحدده دول طارئة عليها، حتى عندما تساهم هذه الدول في  تحريرها من الأنظمة الشمولية القمعية.

أيضا، ما يضرب بلدا ليس الاحتلال فقط،  لكن جهوزية هذا البلد ليشكل مستنقعا غارقا في الفساد، ما يجر الاحتلال وغيره اليه بأدوات من الداخل.

وقبل أفغانستان، لنا في العراق آية من آيات هذا المستنقع الذي سمح للأميركيين وللإيرانيين بتقاسم المصالح والقضاء على المؤسسات الكفيلة بإنهاض الاقتصاد، ومن ثم الصراع، أيضا على حساب العراقيين، وذلك بفضل منظومة حاكمة منخورة بالفساد والمفسدين والقتلة، وصولا إلى ما هو عليه الوضع العراقي الراهن الذي يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الخروج منه.

ربما حان الوقت لتفهم الشعوب المنكوبة أن الخارج لا ينفذ إلا أجندة مشاريعه، وهو لا يصدِّر الديمقراطية وحقوق الإنسان. هو يتاجر بها ليصل إلى أهدافه. لذا عليها أن تتحمل مسؤوليتها وتبحث عن وسائل لخلاصها، إن عبر صناديق الإقتراع لإنتخاب قادتها وحكامها، حيث الأمر متاح، ومن ثم عبر مساءلة هؤلاء الحكام وليس الاستزلام لهم من اجل مكاسب آنية، أو عبر ثورة فعلية بكل تكاليفها المادية والمعنوية والتضحيات اللازمة لصناعة وطن ومواطن .. عدا ذلك سوف تتكرر مشهدية مطار كابل.

وما ينطبق على الشعوب، ينطبق أيضا على الحكام. وما حصل في العقد الأخير فيه عبرة لكل حاكم يستمد استمراريته من خارج ما ليستقوي على شعبه وينكل به كرمى لإستمرار نفوذه.

فلا إيران ولا روسيا ولا الولايات المتحدة يمكنها منح الشعوب الأمان والاستقرار. وحدها صناعة مواطن وصناعة وطن هي الحل.

أما من يراهن على الخارج ليتحكم بالداخل سيصل في نهاية الأمر الى التعلق بجناح طائرة. سواء كان هذا الخارج الولايات المتحدة او روسيا او إيران او غيرها.. وسواء كان هذا الداخل مجموعة دينية أو عرقية أو إيديولوجية أو مرتزقة تنقل البندقية لصالح من يدفع.

وكما حصل في مشهدية كابل. قد يحصل في بيروت، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الساعون إلى الهرب هم أدوات الولايات المتحدة. لا شيء يمنع من أن يكونوا أذرع المحور الإيراني.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …