الرئيسية / مقالات رأي / أزمة لبنان “العالميّة “الكبرى

أزمة لبنان “العالميّة “الكبرى

بقلم: راغب جابر – النهار العربي 

الشرق اليوم – يبدو تأليف الحكومة اللبنانية أكثر تعقيداً من أزمتي النووي في كوريا الشمالية وإيران معاً، بل لربما كان أعقد من العلاقات الأميركية الصينية وتشابكاتها الدولية. بلد “مركزي” كلبنان يستحق أن يشغل تأليف حكومته العالم فتتدخل فرنسا وأميركا ومصر وروسيا علناً، وغيرها من وراء الستار، وأن يموت شعبه جوعاً ومرضاً وقهراً وذلاً وقتلاً على الطرق وفي غرف النوم بالرصاص الطائش وغير الطائش، لأن فلاناً وفليتاناً وعلاناً من كبار “المؤتمنين” على البلد لم يتفقوا على طائفة “العبقري” الذي سيتولى هذه الحقيبة الوزارية أو تلك، وعلى اسمه.

جملة واحدة قالها الرئيس المكلف تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي أمس كافية لتعبّر عن استمرار مأزق تأليف الحكومة. قال إنه كان يتمنى أن تكون وتيرة التأليف أسرع. هذا الكلام الدبلوماسي يعني أن التأليف متعثر، خصوصاً أن الموعد المقبل للقائه رئيس الجمهورية ميشال عون لاستكمال البحث في التشكيلة العتيدة سيكون الخميس (مصادفة يتندّر بها اللبنانيون أن تكون لقاءاتهما إما الاثنين أو الخميس الموعدين الأسبوعيين لسحب أرقام اللوتو، فإذا ما أصابت الإثنين تصيب الخميس، كما تقول الدعاية التلفزيونية).

سيصعد نجيب ميقاتي الى قصر بعبدا الخميس، بعد أن يكون قد راجع معطياته وأجرى اتصالاته وتواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتقى رؤساء الحكومات السابقين، وأرسل من أرسل إلى “حزب الله” ووليد جنبلاط والبطريرك الماروني ومفتي الجمهورية وغيرهم، من السفراء والقناصل، وعقد جلسات معمقة من مستشاريه ومع من يثق بآرائهم من أهل الخبرة والمعرفة. سيعود إلى قصر بعبدا ليلاقي رئيساً عسكرياً يريد أن يحكم كقائد جيش يأمر فتنفذ أوامره. وسيكون مضطراً بدوره لأن يمارس العناد نفسه، متمسكاً بما لا يمكنه التخلي عنه كي لا يعتبر مفرّطاً بحقوق طائفته. ستتكرر اللقاءات ولن تتشكل الحكومة، إلا إذا حصلت معجزة أو تطور غير متوقع في موقف طرف ما. لن يصبر ميقاتي كما صبر سعد الحريري، سيرمي ورقة التأليف وينصرف الى إدارة ماله وأعماله، وستكلّف شخصية سنّية من الصف الثاني أو الثالث أو العاشر تأليف حكومة يؤلفها جبران باسيل، بتغطية من حلفائه الذين سيتقاسمون الكعكة كاملة، وستختفي كلمة ميثاقية من التداول الى أن يحين موعد تعيين دفعة جديدة من الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية. 

هذا سيناريو محتمل، لكنه ليس الأهم في المعضلة اللبنانية التي “كيّعت” العالم بشرقه وغربه. سواء صح أم لم يصح، ستبقى المشكلة قائمة. مشكلة تشكيل الحكومات وتعيين الموظفين الكبار والصغار وتوزيع المساعدات… وحتى توزيع الحرائق بالعدل على الطوائف فلا تحترق مناطق ذات لون طائفي واحد لئلا تثير حفيظة النائب ماريو عون. والحمد لله أن حرائق الشمال الأسبوع الماضي طالت مناطق مسيحية وسنية وشيعية، وإلا كان البلد قد وقع في أزمة ميثاقية.

ماذا يضير لبنان إذا كان وزير الداخلية المختلف عليه إنجيلياً كفوءاً ونظيفاً؟ ولماذا لا يكون وزير العدل درزياً عادلاً؟ وماذا لو كان وزير المالية أرثوذكسياً عارفاً ووزير الطاقة أرمنياً خبيراً؟ ووزير الدفاع كاثوليكياً ووزير الخارجية سريانياً؟ من أين بدعة توزيع الوزارات السيادية على الطوائف الكبرى وقد كانت تعطى سابقاً لكل الطوائف؟ 

لن تتشكل الحكومة قبل حل الأزمات العالمية الكبرى، لأنها أزمة كبرى. أزمة نمط مدمّر في التفكير وفي عدم الثقة بين المكوّنات الطائفية لهذا الكيان الذي تلعب به رياح الشرق والغرب فتهزه هزاً عنيفاً، لتتعلق كل طائفة بـ”كرعوبها” اعتقاداً منها أنها تحمي نفسها من الوقوع، فيما هي في الحقيقة تعجّل بوقوع الوطن كله وهي أوله.

المناصب الوزارية لا ينظر اليها في لبنان باعتبارها مناصب للخدمة العامة. وإلا أين المشكلة ولماذا تكون هناك مشكلة؟ الوزارة منصب للزعيم وفي أحسن الأحوال للطائفة. الدولة تصبح في خدمة الطائفة والطائفة تريد الجميل بالحماية ورسم الخطوط الحمر أمام المحاسبة في حال التقصير والفساد.

“لبنان الكبير”، صدّق اللبنانيون يوماً أنه “كبير” وكبروا به ومعه. تنعّموا ببعض رخائه ثم انغمسوا في حروب انهياره وانحدروا به ومعه إلى أسفل سافلين. وها هم اليوم يبكون على وطن لم يحافظوا عليه كما تحافظ الناس على أوطانها.

شاهد أيضاً

مرحى… اتفاق تاريخي بين العراق وتركيا حول المياه لكن أين هو؟

 قلم: باسل سواري – النهار العربي الشرق اليوم- مع إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع …