الرئيسية / مقالات رأي / Foreign Policy: الخلافة في جنوب السودان.. أعظم إنجازات أميركا بأفريقيا تحول إلى أكبر إخفاقاتها

Foreign Policy: الخلافة في جنوب السودان.. أعظم إنجازات أميركا بأفريقيا تحول إلى أكبر إخفاقاتها

By: Colum Lynch


الشرق اليوم – إن أعظم قصة نجاح حققتها الولايات المتحدة في القارة الأفريقية استحالت إلى أكبر فشل. فسلفا كير، الرئيس المؤسس أخفق إلى حد كبير في إقامة دولة لها مقومات البقاء بعد 10 سنوات من انفصالها عن جمهورية السودان، ناهيك عن إرساء ديمقراطية ناشئة على نمط النظام الديمقراطي الأميركي.
وبدلا من ذلك، قاد كير البلاد إلى حرب عرقية أهلية مدمرة للذات، وماطل مرارا في تنفيذ التزاماته بإجراء انتخابات، وبدد الثروة النفطية الكبيرة في بناء جهاز أمن كرّسه لضمان بقائه السياسي.
لقد أهدى أندرو ناتسيوس، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش إلى السودان، سلفا كير -في اليوم الأول لانفصال جنوب السودان الذي صادف التاسع من يوليو/تموز 2011- كتابا عن سيرة حياة جورج واشنطن الأب المؤسس للولايات المتحدة ليكون مرشدا له إلى الحكم الديمقراطي، وللتأكيد على الروابط بين أقدم ديمقراطية في العالم والدولة الوليدة التي ساهمت واشنطن في مولدها.
كما دأب رئيس جنوب السودان على قراءة الكتاب ليستمد منه الإلهام وليتدبر أهمية أن يخدم المصلحة العامة من أجل خير الجميع.
وأعرب ناتسيوس عن اعتقاده أن سلفا كير أظهر نية حسنة إذ اضطلع بدور حاسم في تفادي استئناف الحرب مع شمال السودان في السنوات التي سبقت انفصال بلاده، وسعى إلى كبح الفساد بعد توليه السلطة. لكنه تحول إلى “طاغية مزعج للغاية وشرس، وينكل بالناس، ويعدمهم”، مضيفا أن بعض الأشخاص اختفوا ومنهم أصدقاء لناتسيوس شخصيا.
إن انفصال جنوب السودان لم يكن ليتأتى لولا الدعم القوي من نخبة من المساندين الأميركيين، بمن فيهم بوش نفسه، الذين كانوا وراء إبرام اتفاقية السلام بين حكومة الخرطوم ومتمردي جنوب السودان عام 2005 التي مهدت الطريق نحو الانفصال.
كذلك إن أي أمل لمستقبل أفضل في دولة جنوب السودان يتوقف على تنحي سلفا كير، الذي ينتمي إلى قبيلة الدينكا التي يشكل أفرادها أكثر من ثلث سكان البلاد. كما أن ذلك يقتضي مغادرة نائبه وخصمه اللدود -رياك مشار- منصبه، وهو المنحدر من قبيلة النوير ثاني أكبر مجموعة قبلية في جنوب السودان.
وطوال الـ7 سنوات والنصف الماضية، اشتبك الزعيمان في حرب أهلية ضروس خلّفت وراءها زهاء 400 ألف قتيل وأجبرت الملايين على النزوح من ديارهم.
وتتأهب دولة جنوب السودان يوم غد التاسع من يوليو/تموز للاحتفال بالذكرى العاشرة لاستقلاها، وهي مناسبة “ليست مدعاة للاحتفال بقدر ما هي للتأمل في الوضع المزري للبلاد”.
ويقدر تعداد الدولة الحديثة هذه بنحو 12 مليون نسمة ينتمون لأكثر من 60 مجموعة قبلية أو عرقية يختلفون في ثقافاتهم ودياناتهم ولهجاتهم عن جيرانهم في الشمال.
واليوم، فإن جنوب السودان دولة فقيرة تعتمد على المساعدات الخارجية أكثر من أي وقت مضى. ورغم مليارات الدولارات التي قدمتها الولايات المتحدة في شكل معونات خلال العقد الماضي، منها قرابة 500 مليون دولار في العام المالي 2021، فإن حاجة شعبها للمساعدات الإنسانية زادت بصورة كبيرة.
كما أن أعداد المحتاجين إلى دعم إنساني ارتفع إلى زهاء 8.5 مليون شخص في 2021، أي ثلثي سكان البلاد تقريبا، طبقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وتواجه عدة مقاطعات في جنوب السودان منذ مارس/آذار الماضي أوضاعا تشبه المجاعة، بحسب تقرير صدر في 15 أبريل/نيسان الماضي عن لجنة خبراء من الأمم المتحدة.
إضافة إلى أن عددا من كبار المسؤولين في جنوب السودان أعربوا عن قلقهم من أن سلفا كير ورياك مشار أصبحا عقبة في طريق إرساء الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والبشرية في البلاد.
وأوصت اللجنة الأممية في تقريرها إلى ضرورة تنحي الرئيس ونائبه “للسماح للدولة بالبحث عن بدائل سياسية أخرى، والحيلولة دون نشوب صراع جديد”.
سلفا كير، أخفق في بناء مؤسسات للدولة تقودها خلال أول فترة انتقالية لها منذ حصولها على الاستقلال. وهناك شكوك في أن جنوب السودان لن تكون قادرة على تنظيم الانتخابات العامة المقررة لعام 2023.

وبحسب ألان بوسويل –وهو مراسل سابق غطى حملة انفصال جنوب السودان وكبير المحللين حاليا في مجموعة الأزمات الدولية- “لقد كانت رئاسة سلفا كير كارثة، ومعظم مواطني جنوب السودان توصلوا إلى هذا الاستنتاج”. مضيفا، لكن “لا يوجد مسار واضح حتى الآن بعد رئاسة سلفا كير”.
من جانبه، يقول كاميرون هدسون -الباحث بمركز أفريقيا التابع للمجلس الأطلسي ورئيس طاقم موظفي المبعوث الأميركي الخاص السابق للسودان- إن جنوب السودان دولة تفتقر إلى المؤسسات، وأن المؤسسة الوحيدة الموجودة هي الجيش “وهو مؤسسة مفترِسة إلى حد كبير”. ويضيف هدسون، الذي عمل مديرا للشؤون الأفريقية بمجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس جورج بوش الابن، أنه “ليس هناك شخصية في مقام جورج واشنطن داخل البلاد أو خارجها قادرة على توحيد البلاد بمختلف قبائلها”.
وقبل 10 سنوات كان يوم انفصال جنوب السودان يمثل أحد “أعظم إنجازات الدبلوماسية الأميركية في أفريقيا، حيث مثّل نموذجا نادرا للتعاون” بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وكان بين من حضروا الاحتفالات آنذاك في جوبا عاصمة جنوب السودان سوزان رايس، مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما، ووزير الدفاع كولن باول في إدارة الرئيس جورج بوش الابن.
وقد أصبحت دولة جنوب السودان اليوم رمزا للغطرسة والإخفاق الأميركي، “في حين يتابع صناع السياسة والمناصرون الأميركيون واحدا من أعظم منجزات سياستهم في أفريقيا تنهار أمام الفساد المستشري والعنف والشلل الإداري”.
إن الرئيس سلفا كير، “الذي باتت حالته الصحية مثار شائعات ينفيها مسؤولون حكوميون”، يواجه ضغوطا متزايدة لحمله على التنحي من منصبه.
الجدير بالذكر أن توقعات أثيرت مؤخرا بأن مدير عام الأمن الداخلي بجهاز الأمن الوطني، الفريق أكول كور كوج، ربما يضمر طموحا لخلافة سلفا كير في رئاسة البلاد. كوج برز ربما باعتباره أقوى الرجال في جنوب السودان بعد سلفا كير، فخلال العقد الماضي أنشأ كوج جهاز أمن داخلي بميزانية تشغيلية سنوية تبلغ 100 مليون دولار أميركي، وبقوة عاملة يناهز تعدادها عشرات الآلاف من الموظفين، غالبيتهم العظمى من قبيلة الدينكا، كما يزعم دينق دينق مو المسؤول السابق بجهاز الأمن الوطني.
ويعرب دينق مو، عن اعتقاده بأن سلفا كير يمهد الطريق لكوج لخلافته، وهو ادعاء ظل ينفيه مسؤولون كبار في جنوب السودان بشدة.

ترجمة: الجزيرة

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …