الرئيسية / مقالات رأي / Project Syndicate: سويسرا تخرج من الاتحاد الأوروبي

Project Syndicate: سويسرا تخرج من الاتحاد الأوروبي

الشرق اليوم- إن سويسرا ليست دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، لكنها تكاد تكون كذلك في العديد من المجالات. فبموجب حوالي 120 اتفاقية ثنائية، تعد سويسرا عضوًا في منطقة شنغن الخالية من الحدود، وهي مندمجة على نحو وثيق مع الاتحاد الأوروبي في مجالات مثل النقل، والبحث، وبرنامج تبادل الطلاب (إيراسموس)، وتتمتع بإمكانية الوصول الكامل إلى السوق الموحدة في قطاعات عدة بما في ذلك، التمويل وصناعة الأدوية.

وعليه، ربما تستفيد سويسرا من السوق الموحدة أكثر من أي دولة أوروبية أخرى، وتكاد لا تدفع شيئا بالمقابل. إذ خلصت دراسة (برتلسمان ستيفتنغ) لعام 2019، أن السوق الموحدة تعزز الدخل السنوي للفرد السويسري بمقدار 2900 يورو (3515 دولارًا أمريكيًا) سنويًا- أعلى بكثير من متوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 1000 يورو- ومقابل ذلك، تكلف المساهمة المالية السويسرية (عند دفعها) السويسريين أقل من 14 يورو للفرد في السنة.

إن استفادة سويسرا المجانية ليست اقتصادية فقط. والمشكلة الرئيسية مع “الطريقة الثنائية” التي يعتز بها السويسريون منذ أن صوتوا بـ”لا” للمنطقة الاقتصادية الأوروبية في استفتاء عام 1992، هي الافتقار إلى التحديث المستمر لقانون السوق الموحدة في سويسرا. ولطالما اعتبر الرأي العام السويسري أن “القضاة الأجانب” لا ينبغي أن يكون لهم دور في تفسير قوانين البلاد. ومع ذلك، يتعارض هذا مع متطلبات السوق الموحدة للتطبيق الموحد للقواعد التي تتجاوز الحدود الوطنية.

وكانت اتفاقية الإطار المؤسسي التي توصل إليها الاتحاد الأوروبي وسويسرا في عام 2018، بعد خمس سنوات من المفاوضات، محاولة متأخرة لوضع العلاقات الثنائية على أساس مستدام، وتمهيد الطريق لمزيد من فرص دخول سويسرا إلى سوق الاتحاد الأوروبي. ومن أجل ضمان ذلك، قدم الاتحاد الأوروبي مرة أخرى تنازلات مهمة أمام مخاوف السيادة السويسرية.

وبدلاً من طلب التضمين التلقائي لقانون السوق الواحدة، سمح الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات سويسرية داخلية على مدى ثلاث سنوات لاعتماده (بما في ذلك الاستفتاءات المحتملة). وبدلاً من الإصرار على الاختصاص الوحيد لمحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وافق الاتحاد الأوروبي على آلية تسوية المنازعات القائمة على التحكيم، والتي من شأنها أن تسعى إلى تدخل محكمة العدل التابعة للاتحاد الاوروبي لتفسير مفاهيم قانون الاتحاد الأوروبي فقط.

وأقر الاتحاد الأوروبي أيضًا وبصورة ملحوظة بأن اتفاقية الإطار المؤسسي ستغطي فقط خمس اتفاقيات للدخول إلى السوق، بما في ذلك النقل وحرية تنقل الأشخاص. ولم يتطرق الطرفان إلى اتفاقية التجارة الحرة الثنائية لعام 1972 جانبا، واقتصرا على إصدار بيان يلتزمان فيه سياسيا بتحديثها في المستقبل.

ولكن على الرغم من هذه التنازلات- التي من شأنها أن تعرض تكافؤ فرص الدخول للسوق الموحدة للخطر- لم توقع الحكومة السويسرية على اتفاقية الإطار المؤسسي، بل لم تدافع عنها. وعلى العكس من ذلك، دائما ما كانت سويسرا تعتمد استراتيجية العودة للحصول على المزيد- إلى أن ابتعدت.

وكانت المحادثات صعبة بسبب الخلافات بشأن القواعد المتعلقة بمعونة الدولة. فبموجب اتفاقية الإطار المؤسسي، قدم الاتحاد الأوروبي ترتيبًا من ركيزتين حيث سيتم تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي في سويسرا، ولكن ستنفذ من خلال آلية مراقبة سويسرية مستقلة ذات صلاحيات تعادل صلاحيات المفوضية الأوروبية. ولكن عندما تفاوض الاتحاد الأوروبي مع المملكة المتحدة بشأن علاقتهما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، اعتقد البعض في سويسرا أن المملكة المتحدة قد تلقت صفقة “أفضل”. فيما يتعلق بمعونة الدولة

إن “حسد بريطانيا على خروجها من الاتحاد الأوروبي” غير مبرر على الإطلاق. إذ في حين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تضمن خروج المملكة المتحدة الكامل من السوق الموحدة، كان الغرض من اتفاقية الإطار المؤسسي هو بقاء سويسرا داخلها.

والعائق الأكبر الذي ما انفك يزعج الاتحاد الأوروبي هي احتجاجات سويسرا ضد حقوق مواطني الاتحاد في حرية التنقل، التي تخول لهم الاستفادة من مزايا الضمان الاجتماعي السويسري، ومخاوفها بشأن ضغوط تؤدي إلى انخفاض مستويات الأجور المحلية. وفي هذه الحالة، فسويسرا لم تقدم حَججاً مقنعة.

وفي أعقاب الاستفتاء السويسري لعام 2014 “ضد الهجرة الجماعية”، أقر الاتحاد الأوروبي بأن القانون السويسري قد يطالب أرباب العمل السويسريين بإعطاء الأولوية للباحثين عن عمل على المستوى المحلي. إذ تمنح اتفاقية الإطار المؤسسي استثناءات- شريطة أن تكون غير تمييزية وأن تكون متكافئة- لحماية مستويات الأجور السويسرية. وقد أدركت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي أن حرية التنقل ليست مطلقة، وأن مواطني الاتحاد الأوروبي غير النشطين اقتصاديًا قد يُقصون من المزايا الاجتماعية التي تتمتع بها الدول الأعضاء الأخرى.

ولم يستطع الاتحاد الأوروبي القيام بالمزيد من التنازلات .وبالضبط لأن هذه القضايا الصعبة لا تقتصر على سويسرا، لا يمكن للاتحاد الأوروبي منح سويسرا تصريحًا مجانيًا. إن معاملة جميع البلدان على حد سواء لا تعني فقط نزاهة السوق الموحدة، بل تعكس أيضًا جدوى إجراءات الاتحاد الأوروبي من الناحية  السياسية. وإذا كان الاتحاد الأوروبي سيعطي غير الأعضاء امتيازات لا يتمتع بها حتى الأعضاء، فمن المحتمل أن ينسحب المزيد من الدول من الاتحاد الأوروبي. لذا يجب على الاتحاد الأوروبي وسويسرا إيجاد حلول ضمن إطار مشترك من القواعد، وليس خارجها.

ولا يعترف الكثيرون في سويسرا بامتيازاتهم الباهظة في علاقة بلدهم مع الاتحاد الأوروبي، وأن ذلك لا يمكن أن يستمر بعد البريكسيت. وعموما، بالكاد أبدت الحكومة السويسرية اهتمامها بتسوية عادلة لسوق واحدة مع الاتحاد الأوروبي، وبعد أن انسحبت من المحادثات، تواجه الآن بعض العواقب الاقتصادية المباشرة

أولا، مسألة الدخول إلى السوق الموحدة في المستقبل في مجال الكهرباء والصحة غير مطروحة على الطاولة. وفي 26 مايو/أيار، فقدت سويسرا فرصة الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي للأجهزة الطبية الجديدة، لأن اتفاقية الاعتراف المتبادل بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا لم يتم تحديثها. وسيأتي دور سوق الآلات والمواد الكيميائية لاحقا. وشيئًا فشيئًا، سينفصل الاقتصادان في هذه القطاعات، وسيكلف ذلك سويسرا ما يقدر ب1.2 مليار يورو سنويًا.

ويتعين على الاتحاد الأوروبي قريبًا اتخاذ خيارات صعبة أخرى، خاصة فيما يتعلق بمشاركة سويسرا في برنامج أبحاث Horizon Europe التابع للاتحاد الأوروبي. ويبدو واضحا أن التعاون البحثي مفيد للطرفين. ولكن مع وقف السويسريين لمساهماتهم المالية ورفض بذل جهود لإيجاد حلول مؤسسية ناجعة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه خيار سوى التراجع.

ويحدث الانقسام بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا في الوقت الذي تواجه فيه حكومة المملكة المتحدة الاتحاد بوقاحة من خلال الابتعاد عن الأحكام الرئيسية لبروتوكول أيرلندا الشمالية، ومطالبة الاتحاد الأوروبي بالتكيف. ومع تزايد عدم استقرار الدعم النرويجي للمنطقة الاقتصادية الأوروبية، فإن العديد من الشراكات الاقتصادية الأوسع للاتحاد الأوروبي معرضة للخطر.

ولكن السويسريين هم من يواجهون أصعب الخيارات. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أن أكثر من 60٪ من السويسريين يؤيدون اتفاقية الإطار المؤسسي، ولكن هناك أغلبية مماثلة تدعم نموذج المنطقة الاقتصادية الأوروبية، أو حتى نموذج اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع المملكة المتحدة ومع كندا.

وذكّرت المفوضية الحكومة السويسرية بعد أن انسحبت هذه الأخيرة من المحادثات، أن العلاقات الثنائية بحاجة ماسة إلى التحديث. أما الآن، فمصيرها مجهول

شاهد أيضاً

التحرك المطلوب من واشنطن بشأن غزة

بقلم: عبد العزيز حمد العويشق- الشرق الأوسطالشرق اليوم– أظهرت اجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن …