الرئيسية / مقالات رأي / Foreign policy: فشل توزيع لقاح كورونا عالميًا يُعرِّض الجميع للخطر

Foreign policy: فشل توزيع لقاح كورونا عالميًا يُعرِّض الجميع للخطر

BY: Jonathan Tepperman

الشرق اليوم – فشلت عملية توزيع لقاح فيروس كورونا المستجد على المستوى العالمي، حيث باتت العديد من الدول الغربية تكافح الآن مع وجود نقص خطير في اللقاحات، مما أثار معارك قبيحة فيما بين هذه الدول حول الوصول للإمدادات، كما أن الصورة تبدو أكثر قتامة في البلدان النامية، والتي لم يتلق معظمها جرعاته الأولى بعد، وتشير العديد من الدراسات الحديثة إلى أن التأخيرات هناك قد تستمر لسنوات، مما يؤدى إلى زيادة معدل الفقر في الدول التي تعاني بالفعل من الركود العالمي فضلًا عن إطلاق العنان للاضطرابات والعنف الذي يمكن أن ينتشر بسهولة، مثل الفيروس.

وصحيح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تشعر بأنها يكفيها مواجهة جميع المشاكل الموجودة داخل الولايات المتحدة، وهو أمر مفهوم، ولكن ما لم تبذل واشنطن وحلفاؤها المزيد من الجهد، بشكل سريع، لمعالجة ما يحدث في أفقر الأماكن على كوكب الأرض، فإن قريبًا سيواجه الجميع في كل مكان المزيد من الألم.

وسأبدأ بالحديث عن الوضع في الغرب، فقد ظلت الولايات المتحدة لأسابيع حتى الآن تكافح من أجل عمليتي الإمدادات والتوزيع، حيث لا تستطيع العديد من الولايات الحصول على ما يكفي من اللقاحات، مما يجبرها على إلغاء عشرات الآلاف من الجرعات المخطط لها، حتى أن بعض تلك الولايات التي لديها الكثير من اللقاحات قد فشلت في التوزيع أيضًا، وأدت كلتا المشكلتين إلى زيادة عدد القتلى المحتمل، وقد أعلن بايدن، الثلاثاء الماضي، عن جهوده لتأمين 100 مليون جرعة إضافية لكل من لقاح فايزر ومودرن، وحتى لو نجح في ذلك فإن تقديرات الحكومة حول متى ستحقق الدولة مناعة القطيع، وبالتالي العودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية، قد تم تأجيلها لأشهر، حتى نهاية العام.

وعبر المحيط الأطلسي، حيث تعد معدلات التطعيم أقل من ذلك، فقد ساءت الأمور للغاية لدرجة أنه بعد إعلان شركة أسترازينيكا أنها ستقدم لقاحات أقل بنسبة 60% إلى الاتحاد الأوروبي مما كانت قد وعدت بتسليمه في الربع الأول من العام، انفجر مسؤولو الاتحاد الأوروبي، مهددين بفرض ضوابط على الصادرات، مما يعني ضمنيًا أن الشركة قد قطعت عمليات التسليم عن عمد حتى تتمكن من بيع جرعاتها مقابل المزيد من المال في مكان آخر.

وكل هذه النكسات خطيرة ومخيبة للآمال، لكن الأمور لاتزال تسير بشكل جيد نسبيًا في العالم الغني، ويمكن قياس التأخيرات التي تواجهه بالأشهر، حيث تقدر دراسة جديدة أجرتها وحدة المعلومات الاقتصادية أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي ستتمكن من تحقيق عملية تطعيم واسعة النطاق بحلول نهاية عام 2021.

ولكن البلدان النامية لن تكون محظوظة للغاية، حيث إنه وفقًا للتقرير نفسه لن تحصل 84 دولة من أفقر دول العالم على لقاحات كافية لتحقيق مناعة القطيع حتى عام 2024، وهو ظلم وصفه مؤخرًا رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم جيبريسوس، بأنه فشل أخلاقي كارثي.

وتعد أسباب التأخير معروفة للغاية، حيث إن خوفهم على حماية مواطنيهم يجعل الدول الغنية تقوم بتخزين الإمدادات، وقد أظهر تحليل أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرًا أن الاتحاد الأوروبي قد وقّع بالفعل ما يكفي من عقود الشراء المستقبلية لتطعيم جميع مواطنيه مرتين، كما حجزت الولايات المتحدة 4 أضعاف الجرعات التي تحتاجها، وكندا 6 أضعاف، وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية، بالشراكة مع العديد من المنظمات غير الربحية، قد أطلقت حملة باسم “كوفاكس” تهدف لتأمين المزيد من الجرعات للبلدان الفقيرة، إلا أن المشروع يعاني من نقص شديد في الموارد، وحتى إذا حقق أهدافه في نهاية المطاف فإنه لن يقوم إلا بتلقيح حوالي 20% من سكان البلدان المعنية، وهو عدد صغير جدًا بحيث لا يوفر أي نوع من المناعة الجماعية.

وستؤدي هذه التأخيرات، إضافة إلى الوباء بشكل عام، إلى تدمير العديد من البلدان الفقيرة ومواطنيها، حيث يتوقع البنك الدولي أن الركود بسبب فيروس كورونا المستجد قد يدفع ما يصل إلى 150 مليون شخص إلى الفقر المدقع على مدى عامي 2020-2021 وفي عام 2019 بلغت مدفوعات التحويلات النقدية التي يرسلها المهاجرون العاملون في الدول الغنية إلى أوطانهم في الدول الفقيرة 554 مليار دولار، ولكن في عام 2020 كان من المتوقع أن ينخفض هذا الرقم بمقدار الخُمس، وهو أكبر انخفاض في التاريخ، ومع استمرار انتشار الوباء ستتقلص مصادر الدخل الرئيسية الأخرى التي يعتمد عليها العديد من البلدان الفقيرة، خاصة السياحة والسلع، مثل النفط أو النحاس، أكثر مما كانت عليه بالفعل.

وقد كان يجب أن تدفع كل هذه المشاكل البلدان الأكثر ثراءً للتدخل، ولكن لدى الولايات المتحدة وبقية دول الغرب أسباب تجعلها تهتم بنفسها على حساب مساعدة الدول الفقيرة الآن، وكلما طالت مدة انتشار الفيروس في العالم النامي زاد احتمال حدوث ذلك، والفيروس سيستمر في التحور، وستظهر سلالات جديدة أكثر خطورة، وستجد طريقها حتمًا إلى بقية العالم، فكما قال رئيس قسم اللقاحات في مؤسسة ويلكام الصحية البريطانية، تشارلي ويل: لا يمكننا ترك أجزاء من العالم دون وصول اللقاحات إليها، وذلك لأن الفيروس سيعود إلينا.

وحذرت دراسة نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية من أن التوزيع غير المتكافئ للقاحات حول العالم قد يكلف الاقتصاد العالمي 9 تريليونات دولار هذا العام وحده، ويرجع ذلك في الغالب إلى انخفاض الطلب الاستهلاكي والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، ورغم حقيقة أن الوباء سيتسبب في أضرار اقتصادية هائلة ليست جديدة، لأننا نعيشها بالفعل، فإن أحدث التوقعات تتجاوز التوقعات السابقة بكثير، ويتضمن التقرير تنبؤًا يجب أن يكون أكثر إثارة للقلق للغرب، وهو أن ما يقرب من نصف الخسائر البالغة 9 تريليونات دولار ستتكبدها الدول الغنية، وذلك حتى لو تمكنت من تلقيح معظم سكانها، وبعبارة أخرى، فإن الركود في الأماكن الفقيرة التي لن تحصل على اللقاح سيؤذي الجميع.

لكن التهديدات لا تنتهي عند هذا الحد، حيث قال كبير الاقتصاديين في مجموعة الأزمات الدولية، طارق غني، إن الوباء يمكن أن يقوض الأمن العالمي أيضًا، حيث سيؤدي لزعزعة استقرار الدول النامية بطرق يمكن أن تنتشر بسهولة خارج حدودها وذلك عن طريق زيادة معدل البطالة، والقضاء على الطبقات الوسطى الهشة، وإرهاق موارد الحكومات الضعيفة، وإثارة المجاعات في أماكن مثل بوركينا فاسو ونيجيريا، وتعقيد التحولات السياسية الحساسة في السودان وأماكن أخرى.

إذن ما الذي يمكن أن يفعله بايدن وقادة العالم الغني، الذين كلهم مشتتو الذهن ومرهقون بالفعل، للمساعدة في حماية الدول النامية، وبالتالى حماية دولهم؟ إن مجرد طلب المزيد من اللقاحات لن ينجح، حيث تم الحديث بالفعل عن الإمدادات الحالية والمستقبلية، وبالنظر إلى الحاجة إلى تخزينها في درجة حرارة منخفضة، فإنه سيكون من الصعب توزيعها في البلدان الفقيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة، وليس من الواقعي توقع أن تقوم دول الغرب بمشاركة جرعاتها التي تعاقدت عليها مع الدول الفقيرة، وذلك على الرغم من أن عامل الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية في زيمبابوي يستحق لقاحًا أكثر من شخص يتمتع بصحة جيدة يبلغ من العمر 50 عامًا وليس عاملاً أساسيًا في نيوجيرسي.

ولحُسن الحظ، فإنه لدى واشنطن خيارات أخرى، حيث يمكنها أن تدعم اقتراحًا من جنوب إفريقيا والهند بالتنازل مؤقتًا عن حقوق الملكية الفكرية للمنتجات الطبية المرتبطة بفيروس كورونا، مما سيسمح للدول الفقيرة بالبدء على الفور في إنتاج نسخها الخاصة من اللقاحات المعتمدة بالفعل، وأساس هذا الأمر هو أن تقوم الحكومات الغربية بتعويض المنتجين بسخاء عن تكاليف الإنتاج والأرباح التي سيخسرونها في هذه العملية، وصحيح أنه اقتراح باهظ الثمن ولكنه رخيص مقارنة بالمخاطر الاقتصادية لعدم القيام بأي شيء.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الخطوة ستواجه معارضة شرسة من اللوبي الصيدلي القوي، وهي معركة قد لا ترغب إدارة بايدن في خوضها الآن، خاصة أن لديها بعض البدائل الأقل إثارة للجدل، ولكن يجب على واشنطن وحلفائها التركيز على إعفاء الدول الفقيرة من الديون وتقديم المزيد من المساعدات المالية لها، وفي ظل كون معدلات الاقتراض عند أدنى مستوياتها التاريخية، فإنه يمكن القيام بذلك بتكلفة منخفضة نسبيًا عن طريق توسيع الإقراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ويمكن أن تساعد الأموال الإضافية في دعم البلدان المهتزة بالفعل مثل العراق أو لبنان أو غيرهما.

ولن يكون من السهل اتخاذ أي من هذه الخطوات التي اقترحتها، ولكن هذا ليس الهدف، فالنقطة المهمة هي أن مخاطر عدم العمل لمساعدة العالم النامي على التعامل مع الوباء ستكون أكبر بكثير مما يفترضه معظم صانعي السياسة الغربيين، ففي حين أن التركيز الحصري على شعبك أثناء أزمة ما هو أمر مغرٍ، إلا أن قادة الدول الغنية بحاجة إلى إدراك أنه حتى من خلال تلك النظرة الضيقة فإن الدول الفقيرة بحاجة لاهتمامهم ومساعدتهم، لأنه بدون ذلك حتمًا سيعاني المواطنون الغربيون أيضًا.

ترجمة: المصري اليوم

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …