الرئيسية / مقالات رأي / خيارات ترامب

خيارات ترامب

بقلم: جمعة بوكليب – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- المتابعة القريبة لتطورات الأحداث في واشنطن، منذ بدء الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سواء عبر وسائل الإعلام الأمريكية أو الدولية، تشير إلى حقيقة أن التنبؤات والتكهنات والتوقعات السياسية فشلت جميعها في التنبؤ بما حدث يوم الأربعاء 6 يناير (كانون الثاني) 2021، من اقتحام أنصار الرئيس ترامب لمبنى الكونغرس، وما أدى إليه من فوضى وتحطيم لمحتويات المبنى، ومقتل خمسة أشخاص من بينهم شرطي.

التكهنات في جملتها، قبل الاقتحام، ركزت على احتمال تحول قاعات المحاكم، والشوارع في مختلف الولايات الأمريكية، إلى ميادين لمعارك قانونية وشوارعية قادمة، ناجمة عن رفض الرئيس ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات الرئاسية. ما حدث، واقعياً، كان خارج مدار شبكات رادارات المحللين. وشكَّل سابقة خطيرة هددت وجود الديمقراطية الأمريكية. ورغم أن تلك الفوضى، والهرج والمرج، لم تستغرق سوى ساعات قليلة، بعد تمكن الأجهزة الأمنية من التغلب عليها، وإعادة سيطرتها على الأمور، وتمكين أعضاء الكونغرس من عقد جلسة أخرى، والمصادقة على قرار انتخاب الرئيس الجديد جوزيف بايدن، وتلاها ملاحقة واعتقال عديد ممن شاركوا في الاقتحام، واضطرار الرئيس ترامب إلى توجيه خطاب يعبر فيه عن استيائه مما حدث، ويهدد بمعاقبة مرتكبي الفوضى، فإن الواقعة أبانت بما لا يقبل شكاً، أن الانقسام الأمريكي على مستوى أكبر مما هو متوقع، وأن الصدع الذي أحدثه الرئيس ترامب، خلال السنوات الأربع الماضية، ليس سهل الجبر، أو التجاهل، وأنه سيكون شديد الإرباك للإدارة الجديدة تحت الرئيس بايدن، والتي ستجد أن عليها ضرورة العمل على إزالة ما علق بمصداقيتها من شكوك وشوائب، ألصقها بها الرئيس ترامب، والسعي إلى البدء في تبني سياسات داخلية تساعد على التقليل مما أحدثه الانقسام من توترات على مستوى القواعد الشعبية. وهذا الأخير، قد يستغرق تحقيقه كل السنوات الأربع القادمة، وما بعدها.

الجدير بالذكر أن الانقسام المجتمعي طالت تداعياته، أيضاً، الحزبين الرئيسيين. الحزب الجمهوري كان المتضرر الأكبر. ولم يعد خافياً انقسامه الحاد، بين داعين إلى العودة إلى الجذور ممثلين في القيادات التقليدية المعروفة، ويطالبون بالتخلص من ترامب والترامبية، وخصومهم ممثلين في الشعبويين اليمينيين، ويصرون على مواصلة السير في الطريق الذي مهده وعبده الرئيس دونالد ترامب. الحزب، خلال السنتين الأخيرتين، خسر مقاليد البيت الأبيض، وفقد أغلبيته في غرفتي الكونغرس.

الأسئلة في الحقيقة تتمحور أكثر حول مستقبل الرئيس ترامب سياسياً، وما لديه من خيارات. ذلك أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، رغم خسارته، أبانت انتشار شعبيته في أوساط فئات اجتماعية كثيرة لم تكن في الماضي تصنف تحت خانة أنصار الحزب الجمهوري، وخصوصاً ما بين الأقليات. 75 مليون ناخب صوتوا للرئيس ترامب، ونسبة كبيرة منهم ما زالوا حريصين على إبداء دعمهم له ومناصرة سياساته. لكن الرئيس ترامب مؤخراً، وتحديداً بعد ما حدث يوم 6 يناير الجاري، تعرضت شعبيته إلى هزة كبيرة، وبدا وكأن الأرض تحترق تحت قدميه، عقب نجاح الديمقراطيين في مجلس النواب في الحصول على أغلبية أصوات، في العملية الداعية لاتهامه مرة ثانية. وبذلك، عُد أول رئيس أمريكي يتهم مرتين خلال فترة رئاسية واحدة. لا أحد يعرف، على وجه التأكيد، المصير الذي ستؤول إليه العملية، وما إن كانت ستحظى بدعم عدد كافٍ من الجمهوريين في الغرفة العليا للكونغرس، وتنجح في إدانة الرئيس ترامب، وبالتالي سد كل الطرق والأبواب أمامه للعودة مستقبلاً للمسرح السياسي. أضف إلى ذلك، أن عديداً من القيادات السياسية من الحزبين تطالب بتقديم الرئيس ترامب للعدالة بتهمة التحريض على الانتفاضة والتمرد، وتهديد النظام الدستوري الأمريكي. الرئيس ترامب من جانبه أدان عملية اتهامه في الكونغرس، ونفى ما وُجه إليه من اتهام جنائي بخصوص اقتحام مبنى الكونغرس. السؤال حول إمكانية نجاته من الوقوع في شراك الفخين المنصوبين له، جوابه متروك لما ستسفر عنه الأيام القادمة. لكن عدداً من المعلقين السياسيين المعروفين في واشنطن يلمحون إلى إمكانية إفلاته من العقاب، وبالتالي، سرعة عودته إلى المسرح السياسي، من دون أن يحددوا بوابة العودة. وفي الواقع، فإن الرئيس ترامب، في حالة نجاته وبراءته من التهم الموجهة له، سيجد أن العودة تلزمه باختيار واحدة من بوابتين؛ واحدة تعيده إلى أروقة الحزب الجمهوري، ما يعني استعداده للدخول في صراع سياسي، على مستوى كسر العظم، بينه وبين خصومه من القيادة التقليدية الكبيرة، بغرض الاستحواذ والسيطرة على الحزب تحت قيادته، وإعداده للدخول في معمعة حرب الانتخابات الرئاسية القادمة لعام 2024. البوابة الثانية مختلفة؛ لأن طريقها شُق قصداً لتتفادى أروقة الحزب الجمهوري، وتقود مباشرة إلى فكرة تأسيس حزب ثالث، شعبوي التوجه، ويحمل سمات ومواصفات وطابع الرئيس ترامب، ويدين أتباعه له شخصياً. هناك خيار ثالث، يقوم على ترك الساحة السياسية كلية طوعاً. لكن من خلال متابعتنا لسيرة الرئيس ترامب في السنوات الأربع الماضية، وشغفه بالتمدد تحت الأضواء، فإن احتمالات هذا الخيار في التحقق ضعيفة؛ لكنها تبقى ضمن الحسابات الأخرى.

شاهد أيضاً

مرحى… اتفاق تاريخي بين العراق وتركيا حول المياه لكن أين هو؟

 قلم: باسل سواري – النهار العربي الشرق اليوم- مع إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع …