الرئيسية / مقالات رأي / لماذا الضّجيج الطارئ حول فلسطين؟

لماذا الضّجيج الطارئ حول فلسطين؟

بقلم: محمد قواص – النهار العربي

الشرق اليوم- على نحو لافت تسارعت مجموعة من التطورات داخل ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وليس كشفاً أن ديناميات هذه الهمّة تنهل حيثياتها من تبدل طرأ على المزاج الدولي العام منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. أنهى الحدث في واشنطن العمل بمفاعيل “صفقة القرن” وأعاد تعديل التوازنات على النحو الذي يدفع كل أطراف هذا الملف، الفلسطينيين والإسرائيليين، كما الدول الخارجية المعنية، الى الإدلاء، كل بدلو جديد يعيد إنعاش مسألة وأدتها خطة دونالد ترامب وخرائط، مستشاره وصهره، جاريد كوشنر.

فجأة تقرر حركة “حماس” رفع أي تحفظات سابقة والقبول بإجراء انتخابات تشريعية لا تكون متزامنة مع انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني، وتقبل بالسياق الذي يقرره الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وفيما تسمع جلبة في رام الله عن مراسيم قد يصدرها أبو مازن في هذا الصدد، تتكثف التفسيرات للإضاءة على التحول داخل “حماس” ومدى ارتباطه بالمصالحة الخليجية وبالتحول الانفتاحي الذي أظهره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان داخل مجموعة من الملفات الإشكالية في المنطقة والعالم.

ولئن يتقاطع الولاء لإيران وتركيا داخل أروقة القرار في حركة “حماس”، فإن مقاربة قيادة الحركة في الرسالة التسووية التي وجهتها للرئيس الفلسطيني يبتعد عن السلوك الراديكالي لطهران في موسم التصعيد الذي تمارسه في صراعها مع واشنطن. ينطوي موقف “حماس” على قراءة جديدة للمشهدين الإقليمي والدولي قد تكون أقرب الى ما تستنتجه الدوحة وأنقرة بعد سقوط ترامب وهزيمة الحزب الجمهوري في الكونغرس.

وفق القراءات نفسها، يمكن رصد استمرار فرنسا وألمانيا ومصر والأردن (مجموعة ميونيخ) في التسويق لتوازن دولي آخر يكون مُكمّلاً، وحتى بديلاً، من حصرية إشراف الولايات المتحدة على ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يأتي اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في القاهرة بعد ذلك في أيلول (سبتمبر) الماضي في عمّان، بما يوحي ربما بدوريته وروتينته. بيد أن نجاح القاهرة، باسم بقية الرباعية، بالدفع للتخطيط للقاء يجمع وزيري الخارجية، الإسرائيلي غابي أشكينازي، والفلسطيني رياض المالكي، يعكس، على الأقل، “امتثالاً” إسرائيلياً، نظرياً، نادراً، لضغوط غير أميركية لتحريك ملف شلّته سياسات حكومات بنيامين نتنياهو، وفاقم شلله تدخل إدارة ترامب والفريق المختص بقيادة كوشنر.

والظاهر أن الحراك الدبلوماسي لا يأتي من فراغ، بل إنه قد يكون قد حظي بتشجيع من أوساط بايدن نفسه، سواء في ما صدر عن الرئيس ونائبته كامالا هاريس من رغبة في طي صفحة الترامبية داخل هذا الملف والوصل مع الطرف الفلسطيني، أم في ما تذهب تلك الأوساط إليه من تبشير بعالم متعدد يبرر تعاوناً دولياً تكون الولايات المتحدة شريكاً فيه وليس بالضرورة زعيمة له.

وفق ذلك يعاد الاعتبار للرباعية الدولية (روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، على أن تنضم اليها دول أساسية أخرى كمصر والأردن وغيرها، على نحو يقترب من دعوة الرئيس الفلسطيني، أمام قمة الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك، الى عقد مؤتمر دولي يسحب من الولايات المتحدة حصرية العقد والحل ويعيد تعويم أقطاب إقليميين ودوليين جرى تغييبهم. وبانتظار اكتمال المشهد الأميركي والتقاط إدارة بايدن أنفاسها بعد 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، فإن الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، معنيان باستكشاف سبل الممكن والمستحيل داخل مسار المفاوضات، لا سيما أنهما، كل وفق إيقاعه، يفترض أن يخوضا انتخابات تشريعية قد تغير، ولو نسبياً، مشهد الحكم لدى الجانبين.

واللافت أن المسألة الفلسطينية عادت لتكون متقدمة بعدما تراجعت داخل الاهتمامات العربية والدولية منذ اندلاع ما سُمّي “الربيع العربي”. وما يجدر التنويه به هو أنه، على عكس ما تم الترويج له، حتى في الخطاب الفلسطيني نفسه (في رام الله وغزة)، فإن عودة تسليط الضوء على هذه المسألة تأتي بعد، وربما بسبب، اتفاقات التطبيع التي أبرمتها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل، وهو ما يعني أن ديناميات تنشيط “عملية السلام” تنهل من الحدث وتبني عليه وتضع الفلسطينيين والإسرائيليين والعالم أمام أمر واقع وجب العمل وفق ثوابته وقوانينه.

وإذا ما استطاع الطرف الفلسطيني تنفيذ ما اتفق عليه في مداولات المصالحة بين “فتح” و”حماس” من تجديد للشرعيات من خلال الانتخابات، فإن ذلك يعني التخفيف من وطأة الأجندات الخارجية (التركية الإيرانية خصوصاً) على مسارات البيت الفلسطيني الداخلي، وتخليص عقدة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية العتيدة من تداعيات الصراع الإقليمي الدولي مع تركيا وإيران.

والحال أنه من السذاجة الاعتقاد أن “حماس” والفصائل المتحالفة معها قادرة على امتلاك القوة للانفصال عن السياسة الإيرانية، لا سيما وفق ما تباهى به القيادي محمود الزهار من تمويل تتلقاه الحركة من إيران منذ سنوات وما رفعته “حماس” من صور لقاسم سليماني في شوارع غزة. ومع ذلك فإن انهيار الأوضاع المعيشية والسياسية والصحية في القطاع كما تصدّع موقع إيران وتحوّل البوصلة في تركيا تدفع إلى استنتاج تحولات حقيقية لدى “حماس” لإنهاء القطيعة مع السلطة الفلسطينية.

والمفارقة أن تحرك الملف الفلسطيني، ولو في الشكل، قد يحظى بدعم خارجي عام لا تحظى به، حتى الآن، ملفات سوريا وليبيا واليمن وإيران. كما أن إطلالة إدارة بايدن على هذا الملف قد تحظى بتشجيع عربي تركي أوروبي روسي صيني ليس متوافراً داخل ملفات توتر أخرى في العالم. كما أن تجربة التعاون الدولي والتسويات المتعددة الأطراف قد تجد داخل هذا الملف ميداناً لتجربة جديدة في العمل الجماعي المشترك، خصوصاً إذا ما خرجت الانتخابات التشريعية الإسرائيلية في آذار (مارس) المقبل بمشهد سياسي يكون أكثر قبولاً لخيار السلم والتعاون الدولي المتعدد.

يبقى أن إسرائيل لن تفصح عن تحولات جديرة بالذكر تعيد تعويم خيار الدولتين، قبل أن يصبح بايدن والبادينية أمراً واقعاً مقنعاً يدفن الترامبية وآثارها في المنطقة والعالم.

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …