الرئيسية / مقالات رأي / سقوط التسوية الأممية في الصحراء الغربية؟

سقوط التسوية الأممية في الصحراء الغربية؟

بقلم: عبد الرحيم التوراني – الحرة

الشرق اليوم- شكّل تاريخ 13 نوفمبر 2020 بإعادة فتح معبر “الكگركرات” وبناء القوات المغربية لطوق أمني لتأمين تدفق السلع والأفراد، تحولا استراتيجيا كبيرا، وصفحة جديدة في ملف النزاع حول الصحراء الغربية المستمر منذ 1975.

لقد سارعت البوليساريو إلى التصريح بتحللها من قرار الأمم المتحدة عام 1991 بوقف إطلاق النار، مؤكدة عودتها إلى حمل السلاح.

من جانبه أكد المغرب تشبثه بوقف إطلاق النار، وعزمه الرد “في إطار الدفاع الشرعي، على أي تهديد لأمنه وطمأنينة مواطنيه”. 

ولأول مرة تتخلى الجزائر عن “حياد” ادعته منذ 45 سنة، وكفت عن ترديد أنها “تدعم مبدئيا حركة تحرير، وأن المشكلة بين البوليساريو والمغرب”، لتنخرط في خطاب جديد مضمونه أن “الأمن الاستراتيجي للجزائر يتعدى حدودها الجغرافية”، وأن ما حدث في معبر “الكركرات” هو “خرق مغربي لوقف إطلاق النار يمثل تحديا أمنيا وقوميا للجزائر”. 

هل فشل المشروع الأممي في الصحراء؟

هي علامات ومؤشرات للتصعيد قد تنذر بانفجار مرتقب في المنطقة، لكنها تمثل انقلابا معلنا على مقررات الأمم المتحدة. فمنذ فترة والبوليساريو لا تَنفك عن التشكيك في مصداقية البعثة الأممية. كما عبرت جهات مغربية عن استغرابها لالتزام قوات “المينورسو” موقف المتفرج أمام تكرار البوليساريو لعرقلة العبور وحرية التنقل من معبر “الكگركرات”.

يحدث هذا في كنف جمود وعجز من الأمم المتحدة، منذ توقف المفاوضات المباشرة بين المغرب والبوليساريو (2019). فعقب أحداث معبر “الكركرات” صرح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة من مدينة الداخلة في الصحراء الغربية، بأن “المغرب لن يتفاوض مع العصابات وقطاع الطرق”، في إشارة واضحة إلى جبهة البوليساريو.

أما المؤرخ والكاتب المغربي حسن أوريد (الناطق باسم القصر الملكي سابقا) فرأى أن “المينورسو أبانت عن قصورها في حماية الأمن والمواطنين”، وبأنه “لم يعد هناك مسوغ لوجود بعثة الأمم المتحدة بالأقاليم الجنوبية”. وأشار أوريد إلى أن الواقع يبين “أن المينورسو أصبحت جزءا من المشكلة وليس من الحل”. وأن مخطط التسوية “برز في سياق دولي وجهوي معين، وأصبح الآن متجاوزا”. 

هو الموقف ذاته الذي عبر عنه بصيغة صارمة عمر هلال مندوب المغرب في الأمم المتحدة، خلال مقابلة خاصة مع شبكة CNN حول أزمة “الگكركرات”، عندما قال: “إن هناك وقتا للدبلوماسية وهناك وقت للعمل”.

أما سيدي محمد عمار ممثل جبهة البوليساريو لدى الأمم المتحدة، فقد صرح لنفس القناة الأميركية بـ”أن القيادة الصحراوية تعتبر كل ما يمر عبر الثغرة غير القانونية التي فتحها المغرب عبر الجدار غير الشرعي بمنطقة “الكگركرات” خرقا متواصلا لمخطط التسوية للنزاع في الصحراء الغربية”.

في هذا الصدد طرح الأستاذ محمد الشرقاوي (أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن في واشنطن، وعضو لحنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا)، السؤال حول مشروع الاستفتاء: “هل توفي وتمّ دفنه؟”. ليستطرد بأن كِلا موقفي عمر هلال وسيدي محمد عمار، يلتقيان عند نقاط “الواقعية السياسية ومنطق القوة وتحدي اتفاق وقف إطلاق النار”، وفي الوقت ذاته، تفرّقهما مرامي كل طرف”.

وتساءل الشرقاوي هل هناك “تدبير استراتيجي بارد ومتنور باعتبارات المرحلة، أم أنه مجرد تنفيس عن حالة القنط النفسي، وضرب من ضروب الانفعال إزاء الإحباط من موقف الأمم المتحدة والاكتفاء برمي كرة المفاوضات إلى ملعب الأطراف ذاتها”. 

غوتيريس وتجاوز ما سبق

منذ انطلاق النزاع قبل خمسة وأربعين عاما “تحركت المياه تحت جسور عشرات الأزمات والصراعات الدولية المفتوحة من أزمة البوسنة ورواندا ونهاية بالأزمات السورية واليمنية والليبية. ولم يعد من الحكمة سواء للمغرب أو البوليساريو، وأيضا الجزائر وموريتانيا، فهم مجريات الأمور من نفس المدخل الزمني لعام 1978 أو 1991″، يخلص الشرقاوي، مؤكدا على ما أسماه بـ”الوقتية أو temporality في التعامل مع أي صراع عبر مداخل زمنية مختلفة”.
 
الكلام حول رمي الأمم المتحدة بالفشل في مقاربتها لحل للنزاع في الصحراء الغربية، ليس طارئا، لكنه زاد منذ ولاية الأمين العام السابق  بان كي مون. ما يفسره المحلل السياسي المغربي الموساوي العجلاوي بكونه “نابع من تجاهل الأمم المتحدة لبقية أطراف النزاع واعتبار المشكل محصورا بشكل فعلي بين المغرب والبوليساريو، وليس قضية إقليمية تتطلب إرادة سياسية للجزائر وموريتانيا”. 

في الفترة الأخيرة أكدت الأمم المتحدة على الدعوة إلى “استئناف المشاورات” بين المبعوث الشخصي المقبل للأمين العام للأمم المتحدة وأطراف النزاع، بمن فيها دول الجوار، من أجل “التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم”.

واتضح أن الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس يسعى إلى تدارك العثرات السابقة للمنظمة الأممية، بإقحام الجزائر وموريتانيا ضمن الأطراف الرئيسية في المشاورات”. وهو ما رأى فيه البعض”توجها من الأمم المتحدة للتخلي على مبدأ تقرير المصير والتوافق حول الحل السياسي”.

في نهاية أكتوبر 2020 وبناء على اقتراح أميركي، قرر مجلس الأمن الدولي تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة “المينورسو” في الصحراء الغربية إلى غاية 31 أكتوبر 2021. وقد عبر الوفد الأميركي أثناء الموافقة على مقترحه عن “الإحباط من عدم إحراز تقدم على الجبهة السياسية في الصحراء الغربية”. ولم يفت الأميركيون حث الأمين العام “على ملء منصب المبعوث الشخصي الأممي في أقرب وقت”. مع العمل على “تهدئة التوترات والحفاظ على الهدوء العام، وإجراء عمليات إزالة الألغام الخطيرة، ودعم العمليات الإنسانية ومنع انتشار كوفيد-19”.

لكن جبهة “البوليساريو” سجلت رفضها للقرار الأممي بالتمديد لبعثة “المينورسو”، ورأت فيه تهاونا من الأمم المتحدة عن “ضمان تنفيذ الاستفتاء في الصحراء الغربية”، وأردفت بالتهديد ب”تصعيد الكفاح التحريري الوطني أمام تقاعس الأمم المتحدة عن ضمان تنفيذ ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”.  

في الوقت الذي رحب المغرب بقرار التمديد مع تمسكه بموقفه القائم منذ سنوات على مبدأ “الانضواء تحت السيادة المغربية مع حكم ذاتي”، متخليا عن استفتاء تقرير المصير، المتجاوز في نظره.

ورطة مبعوثي الأمين العام 

تاريخيا، تعاقب عدة ممثلين شخصيين للأمين العام للأمم المتحدة على رئاسة بعثة المنظمة في الصحراء الغربية (المينورسو)، بهدف مواصلة السعي لإنجاح الجهود الأممية الرامية إلى حل سياسي للنزاع وللتوصل إلى صيغة توافقية نهائية بشأن وضعية الحكم في المنطقة. 

كانت البداية مع الدبلوماسي السويسري جوهانس مانس، المعين من قبل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كوييار ما بين أبريل 1990 وديسمبر 1991. والدبلوماسي الباكستاني صاحب زاده يعقوب خان، وعينه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة بطرس غالي ما بين مارس 1992 و أغسطس 1994.

وإيريك جينسن، وعينه بطرس غالي ممثلا خاصا بالنيابة من 1994 إلى 1997. والأمريكي جيمس بيكر الذي عينه الأمين العام كوفي أنان عام 1997 إلى استقالته سنة 2004. وتلاه الدبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم، وعينه كوفي أنان ممثلا له من يناير 2005 إلى أبريل 2008 . والدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، وعينه الأمين العام بان كي مون، من 1 يوليوز 2009 إلى 8 مارس 2017. وهي أطول فترة قضاها مبعوث أممي في الصحراء الغربية.

إلا أن جل هؤلاء المبعوثين الخاصين للأمين العام للأمم المتحدة تورطوا بهذا القدر أو غيره في مهمتهم الدبلوماسية، واتهموا من هذا الطرف أو ذاك بالانحياز، وجلهم انتهوا إلى الاستقالة، ولم يستطع أي منهم النجاح في مهمته.

بعد نهاية مهمته في الصحراء الغربية أصدر إيريك جينسن كتابا بعنوان: “الصحراء الغربية: تشريح المأزق”، أوضح فيه أن “مبادرة المغرب تقدم بديلا مشرفا عن الحرب وأفقا أفضل لتحقيق سلم عادل ودائم”.

أما جيمس بيكر فبعد سبع سنوات من عمله في الصحراء، صرح عند استقالته من مهمته، بـ”استحالة حل هذا النزاع”. وتحدث عن ضرورة البحث عن حل آخر مكمل أو بديل. ما سماه المغرب ب”وصول التسوية إلى الطريق المسدود”. ووصفت الرباط المبعوث الأممي جيمس بيكر ب”الوسيط غير النزيه” الذي لا يأخذ بأفكاره اعتبارات التاريخ والجغرافيا واستقرار المنطقة.

وفي نهاية مهمته قال فالسوم في أبريل 2008 إن خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو “خيار غير واقعي”، وإن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طـُرح سابقا “أمر تجاوزه الزمن”. لكن مجلس الأمن الدولي قال إن تصريح الممثل الخاص “يعبر عن رأيه الشخصي”.

وظل كريستوفر روس محل انتقادات من المغرب أثناء مهمته في الصحراء الغربية، قبل أن تقرر الحكومة المغربية سحب الثقة منه في 17 ماي 2017، معتبرة أن روس “يسلك أسلوبا غير متوازن ومنحازا”. وهو ما علقت عليه جبهة بوليساريو بأنه “تعسفي وغير مؤسس”.

بعد نحو نصف سنة على استقالة كريستوفر روس من منصبه كمبعوث خاص للصحراء الغربية، تم تعيين الرئيس الألماني الأسبق والمدير الأسبق لصندوق النقد الدولي هورست كولر من قبل أنطونيو غوتيريس (16 أغسطس 2017).

وبعد أولى الجولات التي قام بها المبعوث الجديد ولقاءاته بالأطراف في الصحراء الغربية، صرح كوهلر خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، أنه “يتعين علينا استخدام الدينامية الجديدة من أجل استئناف العملية برمتها للتوصل إلى حل”. وهو ما مكن من استئناف اللقاءات بين المغرب والبوليساريو، وجمعهما مع الجزائر وموريتانيا في طاولات مستديرة.

لكن عمل الرئيس الألماني السابق لم يستمر، حيث أعلنت الامم المتحدة استقالته لدواع صحية (22 ماي 2019).  

وبالرغم من إعراب غوتيريس عقب استقالة كوهلر عن أمله في الحفاظ على “الزخم” السياسي الذي تحقق، فإنه وبعد مرور سنة ونصف، لم يتم لحد اليوم تعيين خلف لكوهلر.

في انتظار تعيين مبعوث جديد للأمين العام إلى الصحراء لاستئناف الجهود السلمية التي قام بها من سبقوه، ربما على العالم انتظار إيقاف مراهنة أطراف النزاع على الدوران في نفس الدائرة واللعب على الوقت.

حيث طالت مراهنة الجزائر والبوليساريو على دعم دولي أكبر ل”تقرير المصير”، وتمني عزلة دبلوماسية قاتلة للمغرب، أو تغيير جذري في النظام ومعجزة (!). 

فيما المغرب يراهن على رصد استراتيجية كبيرة تميل لصالح موقفه، وعلى تحولات سياسية وأمنية لها ارتباط بما يتفاعل في النظام الدولي. بالموازاة على الرهان على تعب الجزائر وإرهاق كاهلها بتحمل تمويل الانفصاليين، وترقب تآكل داخلي بانهيار وتفتت تنظيم جبهة البوليساريو. 

والواضح أنه عند كل منعطف تتضاعف آمال طرف بقرب تحقق آماله، وتضعف لدى الطرف الآخر، خصوصا وأن منظمة الأمم المتحدة كأنها تشكو من أعراض”متلازمة الإجهاد” بشأن إيجاد حل واقعي لهذا للنزاع المزمن، أمام مرواحة التنافس بين “الصحراء المغربية” و”الجمهورية الصحراوية”. احتدام شرس صادف ما يسميه الدكتور محمد الشرقاوي معاناة الأمم المتحدة من “إرهاق دبلوماسي حاد”؟.

شاهد أيضاً

التحرك المطلوب من واشنطن بشأن غزة

بقلم: عبد العزيز حمد العويشق- الشرق الأوسطالشرق اليوم– أظهرت اجتماعات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن …