الرئيسية / مقالات رأي / الصين ترسل رسالة مع حملتها على أستراليا

الصين ترسل رسالة مع حملتها على أستراليا

BY: Richard McGregor – Financial Times

يقدم الضغط الذي تمارسه بكين لمحة عن خارطة الطريق لنظام يتسم بالمزيد من انعدام الليبرالية

الشرق اليوم- تُعدّ أستراليا نقطة انطلاق جيدة لإلقاء نظرة على المستقبل في عالمٍ تهيمن عليه الصين. حيث قدمت سفارة بكين في كانبيرا لوسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي وثيقة موجزة توضح بالتفصيل 14 شكوى تقول الصين إنها سبب تدهور علاقاتها مع أستراليا.

وتضمنت الوثيقة العديد من الشكاوى المألوفة: تقول بكين إن كانبيرا تتدخل في شؤونها السيادية من خلال تصريحاتها الانتقادية بشأن تايوان وهونغ كونغ وبحر الصين الجنوبي وإقليم شينجيانغ، وأنها استبعدت الشركات الصينية مثل هواوي من شبكة اتصالات لجيل الخامس الأسترالية بصورة غير مُنصفة.

لكن التفاصيل المُنيرة بالفعل تكمن في الشكاوى العديدة الأخرى المتعلقة بالتغطية الإعلامية المحلية العدائية، والقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي، والتقارير الناقدة الصادرة عن مراكز الفكر، وانتقادات النواب الصريحة للصين بشأن قضايا حقوق الإنسان.

وكما يلاحظ الباحث في معهد بروكينغز في واشنطن، راش دوشي، فإن هذه القائمة تكشف نفاق الصين. إذ إن بكين توجه الهجمات إلى منتقديها بانتظام من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة، وتراقب مُخرجات مؤسسات الفكر والرأي المحلية، وتفحص مقترحات الاستثمار الأجنبي، وتنظم خطاب المسؤولين الصينيين.

وقد تبِع إصدار الوثيقة قيام أبرز الباحثين الصينيين حول أوقيانوسيا بوصف السياسة الخارجية الأسترالية بأنها “غريبة”، و”غير ناضجة”، و”عنيدة”، و”عدوانية”، و”طائشة”، و”صبيانية” وغيرها من الصفات التحقيرية، وكل ذلك في مقالة واحدة فقط. 

وتتضمن القائمة أيضاً الشكوى من أن أستراليا أجبرت حكومة ولاية فيكتوريا على التخلي عن مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق، ذلك لأنها تتعارض مع رفض كانبيرا التوقيع على برنامج البنية التحتية الرئيسي في بكين.

وغني عن القول أنه إذا وقع الأمين الإقليمي للحزب في الصين اتفاقية مع أستراليا لم توافق عليها بكين، فإنه سوف يتعرض للإقالة على الفور.

ولا عجب في أن تصبح أستراليا نذيراً لقيام نظام عالمي صيني غير ليبرالي، فهي حليف وثيق للولايات المتحدة، وعضو أساسي في الشراكة الاستخباراتية المسماة “العيون الخمس” في العالم الناطق باللغة الإنكليزية.

وقد كانت العلاقات بين أستراليا والصين تتدهور منذ بضع سنوات، لكن هذا التدهور تسارع خلال الشهور الأخيرة. حيث برزت نقطتان فاصلتان هذا العام: دعوة أستراليا لإجراء تحقيق مستقل في تفشي فيروس كورونا، وحملات الشرطة على الصينيين الأستراليين ووسائل الإعلام الصينية في أستراليا بسبب اتهامات بتدخلها في السياسة الداخلية.

وكان رد الصين شرساً، حيث فرضت قيوداً تجارية على العديد من الصادرات الأسترالية، مثل النبيذ ولحم البقر والأخشاب والشعير والفحم.

وحملت القيود التجارية في البداية مظهراً شرعياً لأنها كانت تستند ظاهرياً إلى المطالبات بمكافحة إغراق السوق والمخاوف الصحية. ولكن في الأسابيع الأخيرة، لم تعد وزارة التجارة في بكين تكترث لهذه الأمور، حيث أصدرت تعليمات غير رسمية للجمارك بمنع وصول البضائع الأسترالية.

اعتاد القادة الأستراليون على القول إنه ليس على البلاد الاختيار بين حليفتها الأمنية (الولايات المتحدة) وشريكتها الاقتصادية (الصين)، لكن هذا اللف والدوران لم يعد يُجدي نفعاً.

صحيحٌ أن أستراليا كانت في بعض الأحيان خرقاء دبلوماسياً في تعاملها مع بكين، لا سيما في الطريقة التي دعت بها إلى التحقيق حول فيروس كورونا من جانب واحد، وفي تناولها لمقترحات الحد من الاستثمار الصيني في البلاد.

وقد انتقدت شخصيات بارزة في أستراليا الخط المتشدد في كانبيرا، وقالوا إن مجتمع الاستخبارات قد اعتمد السياسة على حساب الدبلوماسية والمصالح التجارية.

كما أنهم يشتكون من أن جهود القادة الأستراليين للحفاظ على رضا دونالد ترامب جعلتهم يبدون وكأنهم يثابرون في اتباع خطاه. ويطالب البعض في مجتمع الأعمال كانبيرا بإيجاد طرق للعمل مع الصين لإنقاذ العلاقة. ومع ذلك، يجب على الديمقراطيات الأخرى أن تنظر في سلوك بكين، لأنها قد تكون الهدف التالي.

والرسالة واضحة: إذا أفرطت وسائل إعلامكم في انتقادنا، وإذا أنتجت مراكز الفكر لديكم تقارير سلبية حولنا، وإذا واصل النواب في برلماناتكم انتقادنا، وإذا حققتم في تأثير الحزب الشيوعي في مجتمعاتكم وسياساتكم، وإذا لم تسمحوا للشركات الصينية الحكومية والخاصة بالدخول إلى أسواقكم، فسوف تتعرضون لعقوبات بكين أيضاً.

وفيما يتعلق بالوثيقة، فإن شكاوى بكين الـ 14 لا تتطابق تماماً مع “التلغرام الطويل”، أي الرسالة التي أرسلها جورج كينان في عام 1946 التي أرست قواعد سياسة الاحتواء الأمريكية تجاه الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، لكنها تقدم خريطة طريق تسلط الضوء على مستقبل تطالب فيه الصين القوية باحترام نظامها السياسي، وأن يظل سجلها في مجال حقوق الإنسان بعيداً عن الانتقاد الأجنبي.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …