الرئيسية / الرئيسية / مترجم: سوريا تواجه كارثة “كوفيد 19”

مترجم: سوريا تواجه كارثة “كوفيد 19”

BY: Danny Mackie – Middle East Institute

الشرق اليوم- بعد شهور من التهاون في الإبلاغ عن الحالات، وتدابير الإغلاق المتراخية، اجتاح “كوفيد 19” المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وتفشى فيها بسرعة. فوضع الارتفاع المثير للقلق في أعداد الوفيات والإصابات اليومية -لا سيما في دمشق- سورية أمام ما يمكن أن يكون أكبر تحدٍ تواجهه حتى الآن.

وتبدو العواقب وخيمة بالنسبة لدولة تعاني من الاضطرابات الاقتصادية، وعدم الاستقرار، والعقوبات الشديدة. وفي الوقت الذي تفيض فيه المستشفيات بمرضى “كوفيد 19″، يعمل النظام الصحي الرث في سورية -الذي لا يزال يترنح من حربٍ استمرت تسع سنوات ونقصٍ طويل الأمد في الاستثمار- بأقصى طاقته، ويكافح من أجل مواجهة الجائحة المتصاعدة.

كان “كوفيد 19” محاطاً بالسرية في سورية، وكانت الأرقام الرسمية منخفضة دائماً بسبب النقص العام في الاختبارات، بينما طُلب توجيه جميع المعلومات من خلال وزارة الصحة.

والقطاع الطبي في حاجة ماسة إلى المساعدة الطارئة ومعدات الحماية الشخصية، لكن حجم الأزمة الاقتصادية في سورية حال دون تنفيذ إغلاق جاد — فببساطة، لا تستطيع البلاد أن تغلق أبوابها. وبينما تتراكم الجثث، يبقى أن نرى كيف يمكن لدولة شبه محطمة أن تخرج من هذه الجائحة دون أي شكل من أشكال الدعم الطبي الدولي الجاد.

ارتفاع حاد في الوفيات

حدث في الأسابيع الأخيرة ارتفاع مفاجئ في النعوات وإعلانات الوفيات والإصابة بالمرض في سورية. ومع أن العدد الرسمي لحالات كوفيد 19 لغاية 4 أغسطس كان 847 حالة، منها 463 في دمشق، إلا أنه يبدو أن هذا يتناقض إلى حد كبير مع الوضع على الأرض، ومن المرجح أن العدد الحقيقي للحالات والوفيات أعلى من ذلك بكثير.

ثمة نقص واضح في المعلومات الموثوقة فيما يتعلق بالأرقام الدقيقة، ما أدى إلى الاعتماد على الأرقام التقديرية بدلاً من ذلك. حيث قدّر معاون مدير صحة دمشق، الدكتور أحمد حباس، أنه ربما كان هناك ما يصل إلى 112,500 حالة في العاصمة وريفها وحدهما. واستند تقديره إلى تقييمات من مكاتب دفن الموتى، التي أظهرت وجود 800 حالة وفاة في المتوسط على مدى ثمانية أيام في دمشق، أو حوالي 100 وفاة في اليوم.

وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي السورية حالياً بالتعازي والنعوات، وأصبحت الوفيات والجنازات مشهداً مألوفاً في جميع الأحياء، ما أوجد إحساساً متزايداً بالقلق مشابهاً لذلك الذي شوهد في البلدان الأخرى التي تضررت بشدة من الجائحة. كما أدت التناقضات بين الأرقام الرسمية والارتفاع المفاجئ في عدد الحالات والوفيات إلى تزايد الدعوات لاعتبار مكاتب الدفن مصدراً أكثر دقة للمعلومات. وبعد ورود أنباء بوجود 193 وفاة في دمشق في يوم 1 أغسطس وحده، قال الناشط عامر طيفور: “نطلب أن تعلن مكاتب دفن الموتى عن عدد الوفيات بدلاً من وزارة الصحة”. أما فيما يتعلق بالأرقام الرسمية، فقال الصحفي السوري، علي حسون، ساخراً: “يجب على وزارة الصحة أن تصدر بياناتها على النحو التالي: أجرينا اليوم اختباراً لـ 23 شخص، وتبين أنهم جميعاً مصابون بفيروس كورونا”.

وأشارت الصحفية السورية، إلهام عبيد، إلى حدوث أربع وفيات في الحي الذي تقيم فيه، وأن المستشفيات رفضت استقبال المصابين قبل وفاتهم لأن عليها أصلاً ضغط كبير. أما فيما يتعلق بالفرق الطبية والأطباء السوريين الذين يكافحون الفيروس على الخطوط الأمامية، فقد خلّف الفيروس خسائر فادحة في الأرواح.

حيث توفي طبيب التوليد في مستشفى التوليد الجامعي، محمود سبسوب، بعد إصابته “بكوفيد 19″، وتوفيت روان سحتوت، الممرضة في مستشفى الأسد الجامعي، إثر اضطرابات في القلب، ودخل مدير مستشفى الأسد الجامعي الدكتور، حسين محمد، إلى العناية المركزة بعد إصابته بالفيروس. كما أصيب الطاقم الطبي في مستشفيات أخرى بالعدوى، بما في ذلك ثلاث ممرضات في مستشفى الطلياني، ويُعتقد أن العشرات من العاملين في المجال الطبي في سورية توفوا بسبب “كوفيد 19”.

وازداد نقص الموارد وأدوات الاختبار لدرجة أن نتائج التشريح في بعض المستشفيات السورية أدرجت “الاشتباه بالإصابة بكوفيد 19” ضمن أسباب الوفيات. وقالت الصحفية جاسيا أوهانز، التي كانت تغطي تفشي “كوفيد 19” في سورية من لبنان “كانت المستشفيات والمرافق الطبية في سورية بحاجة إلى الصيانة وتفتقر إلى الإمدادات الطبية حتى قبل تفشي المرض، وكانت الظروف الصحية سيئة، وبسبب كل هذه العوامل تبيّن أن احتواء هذا المرض المعدي أمرٌ في غاية الصعوبة”. وأضافت: “المساعدات الخارجية، مثل التبرع بمعدات الوقاية الشخصية، وأجهزة التنفس الصناعي، وأدوية بعض المضاعفات الصحية الناجمة عن فيروس كورونا، يمكن أن تساعد في إدارة الوضع بعض الشيء والحد من تفشيه بين العاملين في المجال الصحي”.

الإغلاق ثم رفع القيود

بعد أن فرض النظام الإغلاق واتخاد التدابير الوقائية في البداية، مثل إغلاق المدارس وإلغاء صلاة الجماعة والمناسبات الاجتماعية، سرعان ما تراجع عنها وخفف القيود، إذ كان عدد الحالات منخفضاً بينما كانت الخسائر الاقتصادية في ازدياد. وبحسب الدكتور علي كنعان، رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، فإن الخسارة الاقتصادية المقدرة من الإغلاق بلغت 33.3 مليار ليرة سورية في اليوم، أي أكثر من 200 مليون دولار بسعر صرف اليوم البالغ 2240 ليرة للدولار. وبلغت الخسائر عن شهري مارس وأبريل حوالي 4 تريليونات ليرة سورية. ورغم أن هذه الأرقام تبدو مبالغاً فيها، إلا أنها تعكس جوهر المشكلة التي تواجه دمشق، حيث أن الإغلاق يعني الاقتراب تدريجياً من الانهيار الاقتصادي الكامل.

وحتى منظمة الصحة العالمية، التي تعتمد على أرقام التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة السورية، تؤكد أن “الآثار الاجتماعية والاقتصادية “لكوفيد 19″ -لا سيما في الأمن الغذائي وسبل العيش- من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية الأساسية في جميع أنحاء البلاد”. وقالت المنظمة إن العدد الرسمي للاختبارات التي أجريت حتى 24 يوليو، البالغ 12,416 اختبار فقط، كان أقل بكثير من المطلوب.

ونظراً للصمت الحكومي الغريب بشأن صراعها مع فيروس كورونا، قرع السوريون ناقوس الخطر وحاولوا دفعها لكي تكون أكثر شفافية. حيث وجه الدكتور بسام زوان، عضو الكلية الملكية البريطانية للجراحين، برسالة مفتوحة إلى الحكومة السورية، قال فيها “ليس عيباً أو إنقاصاً من قدركم أن تطلقوا الصرخة وتناشدوا العالم، فرؤساء حكومات في بلدان غنية ناشدوا العالم لإنقاذ شعوبهم. أرجوكم، وأناشدكم، أن يكون هناك خطوات فورية وعاجلة قبل فوات الأوان”.

وكان هناك الكثير من الجدل حول كيفية التعامل مع الأزمة داخل المناطق الموالية للنظام. حيث دعا البعض إلى مزيد من الوضوح من أجل توجيه أصابع الاتهام إلى نقص المساعدة والدعم الخارجيين. فوجهت إحدى صفحة مصياف على فيسبوك الغضب تجاه الغرب قائلة “دعونا نعلن عن الأعداد الحقيقية للوفيات حتى يعرف العالم حجم جرائمه عندما يفرض العقوبات. كفى قولاً إننا لم نتأثر. لقد تأثرنا ومات الكثير من أصدقائنا”. ففي وقت سابق من ذلك الأسبوع، سُجلت حالة وفاة في مصياف من مريض سافر إلى دمشق، وأشار تقرير الطبيب الشرعي إلى أن السبب كان الإصابة “بكوفيد 19”.

ولا يزال سعر معدات الحماية الشخصية في دمشق مرتفعاً نتيجة للوضع الاقتصادي المزري: حيث تكلف كمامة الوجه العادية ما بين 1500 و 2000 ليرة سورية، ويمكن أن يصل سعر معقم اليدين إلى 3000 ليرة سورية، بينما يمكن أن تصل تكلفة أسطوانات الأكسجين إلى 150 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ متوسط الراتب الحكومي في سورية حوالي 50 ألف ليرة سورية. ومع ارتفاع الأسعار بسبب التضخم، غالباً ما تكون المعدات الطبية آخر الأوليات لدى الناس، إذ تُعطى الأولوية للطعام والسكن.

التجمعات سلاح بيولوجي

مع أن سورية معزولة دولياً وأغلقت فعلياً في بداية الجائحة، إلا أن الحالات بدأت تتدفق من الجالية السورية القادمة من الخارج، لا سيما من الخليج. حيث جلبت الرحلات الجوية التي تقل سوريين من الكويت “كوفيد 19” معها إلى دمشق. واستمرت الحالات في الازدياد رغم فرض الحجر الصحي الإلزامي على جميع من يدخلون البلاد، ويبدو أنه لا يوجد إصرار على منع تفشي المرض.

وأحد الأمثلة على كيفية انتشار الفيروس، هو فريق تشرين لكرة القدم الذي فاز بالدوري السوري الممتاز في يوليو لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً، إذ دخل أكثر من 3 آلاف مشجع إلى الملعب لمشاهدة المباراة النهائية رغم قرار منع جماهير الأندية السورية الأخرى من ذلك بسبب الجائحة.

ومع تجمع الحشود، تزايدت المخاوف من أن مثل هذه الأحداث الكبيرة ستؤدي حتماً إلى تفاقم انتشار الفيروس، مثل احتفالات مشجعي نادي ليفربول بعد فوز فريقهم بالدوري الإنكليزي الممتاز. وبعد أن ثبتت إصابة رامز صالحة -أحد مشجعي نادي تشرين منذ مدة طويلة- بكوفيد 19 ودخوله مستشفى الحفة في اللاذقية، كتب خطاباً مفتوحاً إلى السلطات من سريره في المستشفى، طالباً منها عدم السماح بإقامة أي احتفالات يمكن أن تؤدي إلى نشر الفيروس. ووصف مثل هذه الاحتفالات بأنها “كارثة بيولوجية يمكن أن يكون لها تأثير رهيب”، مضيفاً أنه “لا يمكنك أن تتصور أن المدينة [اللاذقية] قادرة على تحمل هذه الكارثة والخطر. الاحتفال بحياتك أهم من كل شيء آخر”. ويأتي ذلك فيما أعلن المنتخب السوري لكرة القدم إصابة أربعة لاعبين وثلاثة من الطاقم الفني والإداري بفيروس كورونا، مع عزل جميع اللاعبين وبقية الطاقم.

كما تفاقمت الأزمة في حلب بسبب التجمعات الكبيرة، حيث نُشر صور عشرات الأشخاص المتجمعين في محيط قلعة حلب مراراً لتحذير للآخرين. وأشار تقرير لقناة روسيا اليوم المؤدة للحكومة إلى “غياب الإجراءات الوقائية من (كوفيد 19)”، بما في ذلك قلة الأشخاص الذين يرتدون الكمامات وغيرها من الإجراءات الاحترازية، وقال التقرير “أصبحت دمشق بؤرة للفيروس، والمواطنون السوريون يكافحون من أجل شراء الإمدادات المحدودة من معدات الحماية بسبب الوضع الاقتصادي”.

ووفقاً للمحللة روان الرجولة، المقيمة في واشنطن، “يبدو أن هناك حالة إنكار في سورية فيما يتعلق (بكوفيد 19). فسواء في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو مناطق المعارضة، رفضت الجهات الحاكمة الاعتراف حتى بوجود المرض أساساً للتعامل معه. ويرجع التأخير في الإعلان عن وجود فيروس كورونا في سورية إلى سببين: أولاً، عدم توفر أدوات اختبار لمتابعة الحالات المصابة؛ وثانياً، غياب الثقافة حول (كوفيد 19) والخوف الاجتماعي. إذ ليس لدى الناس الثقافة المناسبة حول الفيروس أو أعراضه”.

أزمة اختبار

لم تتلقَ سورية حتى الآن سوى دعم محدود لمواجهة كوفيد 19، والقليل الذي تلقته كان مجرد لفتة سياسية أكثر من كونه مساعدة طبية حقيقية. حيث ورد أن الصين أرسلت 2000 مجموعة اختبار، وبدلات واقية، وكمامات للوجه، في شهر مارس. كما أن روسيا أيضاً أرسلت شحنات مساعدات بعد أن طلبت دمشق المساعدة. وعدا عن الدول الحليفة لنظام الأسد، كانت المساعدات الخارجية قليلة أو معدومة. ومع سريان قانون قيصر الأمريكي، تبدو الدول حذرة حتى من مناقشة الدعم نظراً لخطر العقوبات. إلا أن هذا يمكن أن يتغير إذا تفاقمت الأزمة الحالية.

ومجموعات الاختبار الموجودة في دمشق نادرة، وعادة ما تكون متاحة فقط لمن لديهم واسطة ومالٌ كافٍ. حيث انتقد الممثل السوري مصطفى الخاني البيروقراطية المحيطة بالاختبار وإجراءات السفر من البلاد قائلاً: “هل من المعقول اليوم في عام 2020 عندما يرغب المواطن في إجراء الاختبار قبل السفر، يجب عليه الذهاب إلى موقع الفحص لتقديم طلب، ثم يأخذ إيصالاً ويذهب إلى المصرف التجاري لدفع المبلغ في مكان آخر في دمشق، ثم يتوجه إلى مكان ثالث في الزبلطاني لاستلام النتيجة؟”.

وقال رئيس منظمة “ميدغلوبال” الطبية غير الحكومية، الدكتور زاهر سحلول: “يعاني مرضى (كوفيد 19) من نقص الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي والمعدات الطبية الأخرى”، مضيفاً: أن “أفضل طريقة لمكافحة تفشي الفيروس هو إجراء ما يكفي من الاختبارات. لكن حتى الآن، لا تجري اختبارات كافية، ويُقدّم الاختبار فقط من لديهم المال والواسطة. ويُقدَّر معدل الإصابة اليومي بحوالي 2000 إلى 3000 إصابة، ولكن ربما كان أكثر من ذلك، وسوف يزداد سوءاً. إنه وضع يائس والبيروقراطية تزيد من تفاقم الأمور”. ويكلف اختبار “كوفيد 19” ما يصل إلى 130 ألف ليرة سورية، أو حوالي ثلاثة أضعاف متوسط الراتب الشهري.

ومع ذلك، بدأ اتخاذ عدد من الإجراءات في أعقاب الارتفاع المفاجئ في معدلات العدوى. حيث أعلنت وزارة الأوقاف عن تعليق صلوات الجمعة والجماعة في دمشق لمدة 15 يوماً اعتباراً من 3 أغسطس. واتخذت المجالس المحلية في بلدتي التل وقدسيا تدابير لإغلاق جميع أماكن التجمعات، دون إعادة فرض الإغلاق على نطاق واسع حتى الآن. كما دعا رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، إلى تحويل الصالات الرياضية إلى مستشفيات، حيث أصبحت المرافق الطبية الموجودة في سورية غير قادرة على استيعاب العدد المتزايد من المرضى. ومع خروج أزمة “كوفيد 19” في سورية عن السيطرة، وحيث أن السرية حول أساليب السلطات السورية في التعامل معها بدأت تتلاشى، تستعد البلاد الآن لدخول فترة مضطربة ومُكلفة. إذ تأتي الجائحة في وقت تتعرض فيه العملة السورية لضغوط شديدة، وتنتشر الصعوبات الاقتصادية، ويتفشى الفساد. فضلاً عن أن الأزمة في الجار لبنان، والعقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر، جعلت الأمر أكثر صعوبة وخطورة على الراغبين في مساعدة سورية.

الاحتياجات في سورية كبيرة جداً في الوقت الراهن، لكن الأولوية بصورة أساسية هي أجهزة التنفس الصناعي ومجموعات الاختبار. ومن دونها، سوف تزداد هذه الأزمة سوءاً يوماً بعد يوم، ما يضع المزيد من الضغوط على البلاد الممزقة وسكانها.

شاهد أيضاً

السوداني يفتتح أعمال مؤتمر العمل العربي بدورته الخمسين

الشرق اليوم- افتتح رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، صباح اليوم السبت، أعمال مؤتمر …