الرئيسية / مقالات رأي / إيران ما بعد خامنئي… تحديات صعبة ومستقبل متأزم

إيران ما بعد خامنئي… تحديات صعبة ومستقبل متأزم

بقلم: فراس إلياس

كشفت المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها الساحة السياسية الإيرانية منذ 28 ديسمبر 2017، وما تلاها من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية، مدى عمق الأزمة الشاملة التي تعانيها إيران، إذ يقف النظام السياسي فيها اليوم أمام خيارات متعددة، أحدها لا يقل خطورة عن الآخر، فالموضوع لا يقتصر على تحديات ما بعد خامنئي، أو إصلاحات شكلية يمكن أن يجريها القائمون على هذا النظام، من أجل تفادي إعادة إنتاج سيناريو نهاية نظام الشاه مرة أخرى، وهو ما حذر منه العديد من القيادات السياسية في إيران، وعلى رأسها قيادات التيار الإصلاحي كمهدي كروبي وحسن روحاني، أو حتى قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، التي تشير بمجملها إلى أن هناك خطرا داهما يحوم حول مستقبل «الجمهورية الإسلامية» كدولة ونظام وأيديولوجيا.

وبالحقيقة فإن أبرز التطورات التي عصفت بالسياسة الإيرانية بعد هذه المظاهرات، ومدى انعكاسها على مستقبل الدولة الإيرانية، كأزمة الحجاب، التحديات الاقتصادية، أزمة الاستفتاء على شكل النظام السياسي – مصادقة مجلس الشورى الإيراني المعروف”باليرمو” لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، الانسحاب من الاتفاق النووي، تجريم النظام السياسي وغيرها، تشير بعمق إلى أن هناك تحولات مثيرة تجري على الساحة الإيرانية هذه الأيام، ناهيك عن الحديث المتكرر بالإعلام والصحافة الإيرانية، عن عودة تأثير تنظيم “القاعدة” و”داعش” على تخوم الحدود الإيرانية، وتحديداً من جهتي العراق وأفغانستان، إلى جانب تصاعد فعل العمل المسلح لجيش العدل وجيش الفرقان في سيستان بلوشستان، والأمواج الهادرة التي بدأت تتحرك في الأهواز، وهو ما يشير بوضوح إلى أن هناك تحديات كبيرة تعاني منها إيران حالياً. يمكننا القول بأن المستقبل الذي سيفضي إليه وضع المرشد الإيراني علي خامنئي، هو ما سيحدد شكل الدولة الإيرانية ونظامها السياسي ككل، فكل من يعرف حقيقة هذا النظام، يدرك جيداً أن منصب المرشد الإيراني، متداخل مع أبسط أبجديات الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الإيرانية، فهو ليس مجرد مرشد للدولة، بقدر ما يعتبر النواة الرئيسة التي تقوم عليها الدولة الإيرانية، فهو السلطان والفقيه والمرشد والموجه، والحلقة التي ترتبط بموجبه كل سلطات الدولة الإيرانية المتفرعة «تشريعياً وتنفيذياً وقضائياً»، ولا يمكن الحديث عن أي تغير أو تطور، يمكن إدخاله في شكل النظام السياسي، بدون الحديث عن صلاحيات ومركز المرشد، كون أي مساس بشكل النظام السياسي، هو مساس بمنصب المرشد مباشرة، وعليه يبدو المشهد السياسي الإيراني معقدا جداً بهذه الحالة.


مشكلة النظام السياسي الإيراني أنه غير قادر على إنتاج بديل جديد يقنع به مجتمعه المتهالك اقتصادياً واجتماعياً

المسألة لا تتعلق بالمرشد وحده، بل بالحرس الثوري الإيراني أيضاً، الذي يبدو أنه هو الآخر، يعاني من مشكلة شرعية تاريخية يكافح من أجل الحفاظ عليها، وإن هذه الشرعية لا يمكن أن تبقى، بدون بقاء منصب المرشد الأعلى، إذ أنه وبموجب الدستور الإيراني، وتحديداً في المادة المادة (150) منه، التي تشير بوضوح إلى «تبقى قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخةً ثابتةً من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكتسباتها»، وعليه فإن الدستور الإيراني حدد بوضوح المهام العقائدية للحرس الثوري، والتي يأتي على رأسها الحفاظ على النظام الجمهوري الإسلامي، الذي يعتبر أبرز مكتسبات «الثورة الإسلامية» عام 1979، بالإضافة إلى أن الأيديولوجية السياسية التي ينطلق منها الحرس الثوري، هي الآخرى تعاني من مشكلة كبيرة، كشفت عنها المظاهرات الاحتجاجية المستمرة، ففي الوقت الذي يشير فيه الدستور الإيراني في مقدمته إلى «ولا تلتزم القوات المسلحة بمسؤولية حماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد في سبيل الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم»، فضلاً عن التأكيد على «أن يكون جيش جمهورية إيران الإسلامية، جيشاً إسلامياً، من خلال كونه جيشاً عقائدياً وشعبياً، وأن يضم أفراداً لائقين مؤمنين بأهداف الثورة الإسلامية، ومضحين بأنفسهم من أجل تحقيقها»، ففي الوقت الذي يؤمن به الحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجية قوة فيلق القدس، بأن مهامه تتوقف عند آخر نقطة يوجد فيها مستضعفون في العالم، تعالت صيحات المتظاهرين في الداخل الإيراني، رافعين شعار «إيران أهم من سوريا وغزة»، في نقد واضح للحرس الثوري الإيراني والعقيدة العسكرية التي يقوم عليها.

المشكلة اليوم هي مشكلة نظام سياسي ثوري، غير قادر على إنتاج بديل جديد يقنع به المجتمع الإيراني المتهالك اقتصادياً واجتماعياً، وعلى الرغم من دعوة مرشد الجمهورية في الذكرة الـ40 لقيام الثورة الإسلامية في إيران، إلى ضرورة الشروع بإجراء تغييرات هيكلية في بنية النظام السياسي خلال فترة أربعة أشهر، إلا أنه من غير المتوقع أن تأتي هذه التغييرات في حال ما تمت بجديد، كونها ستصطدم بعقبة منصب الفقيه والأيديولوجيا الثورية وموقع الحرس الثوري في هرم النظام السياسي، وهي بمجملها مطالب شعبية إيرانية بضرورة إعادة النظر فيها جيداً.


يمكن القول بأن النظام السياسي في إيران يمر اليوم بمرحلة تاريخية صعبة، خصوصاً أن الطبيعة الأيديولوجية للنظام تجعله غير قادر على إجراء أي عملية تغير داخلية، فالإصلاحات السياسية ستكون على حساب المرشد، والإصلاحات الاقتصادية ستكون هي الأخرى على حساب الاقتصاد المقاوم.

لا يختلف أحد على أن المرشد الأعلى للجمهورية الإيراني علي خامنئي هو بيضة القبان التي يقوم عليها النظام السياسي في إيران، ولكن كيف الحال في حالة غيابه عن الساحة السياسية الإيرانية، طبعاً إذا ما افترضنا جدلاً عدم تمكن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالشروع في عملية تغيير نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، فإن هناك الكثير من الغموض الذي يلف المستقبل الذي ينتظر موقع المرشد الأعلى. يأتي التصريح الذي أدلى به الأسبوع الماضي عضو مجلس خبراء القيادة يوسف الطباطبائي، الذي نشر موقع «انتخاب» الإخباري الإيراني نسخة منه، بأن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي أمر مجلس الخبراء بتشكيل مجلس قيادة لإيجاد بديل له، وقال يوسف إن المرشد طلب من مجلس الخبراء بشأن تحديد خليفته، تشكيلَ مجلس قيادة لمدة 3 سنوات يختار بعدها شخصاً لتولي منصب مرشد الجمهورية، وأن خبراء القيادة أعلنوا أسماء 9 أفراد لتشكيل مجلس القيادة.

مع التأكيد هناك أن الدستور الإيراني عالج مسألة خلو منصب المرشد من خلال العديد من المواد الدستورية، إلا أن خطوة خامنئي يبدو أنها محاولة للهروب إلى الأمام، من أجل قطع الطريق على الشخصيات السياسية في إيران، والداعية لتبني خيار السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية، من الوصول إلى منصب المرشد في حال خلوه، والحديث هنا على الشخصيات الإصلاحية، وعلى رأسهم حسن روحاني وصادق أملي لاريجاني وغيرهم. ويمكن القول إنه في حالة ما إذا ذهبت الأمور بهذا الاتجاه، فإنه على الرغم من صعوبة إمكانية إيجاد شخصية دينية وسياسية تتمتع بالكاريزما والتأثير الذي يملكه خامنئي حالياً، خصوصاً بعد وفاة هاشمي رفسنجاني، فإن الخيارات الآتية هي الأرجح، ويأتي في مقدمتها: إبراهيم رئيسي «سادن العتبة الرضوية المقدسة في مشهد»، أحمد جنتي «رئيس مجلس خبراء القيادة»، محمد يزدي» رئيس مجلس خبراء القيادة السابق». ومع تأكيدنا على أن أي شخصية تسعى للوصول إلى موقع المرشد في مرحلة ما بعد خامنئي، ينبغي أن تحظى بدعم وموافقة الحرس الثوري الإيراني، فيمكن القول أيضاً بأن المتغيرات الإقليمية والدولية هي الأخرى، قد تلعب دوراً في اختيار المرشد القادم، بحيث لا يحمل أيديولوجية المواجهة والصدام التي يحملها خامنئي حالياً، وقد يكون الحرس الثوري هو الآخر متقبلاً لهذه الفكرة، خصوصاً إذا ما وجد بأنه هو الآخر معرض لخطر الزوال.

يمكن القول بأن النظام السياسي في إيران يمر اليوم بمرحلة تاريخية صعبة، خصوصاً أن الطبيعة الأيديولوجية للنظام تجعله غير قادر على إجراء أي عملية تغير داخلية، فالإصلاحات السياسية ستكون على حساب المرشد، والإصلاحات الاقتصادية ستكون هي الأخرى على حساب الاقتصاد المقاوم، والمسخر لخدمة الآلة العسكرية الإيرانية وحلفائها، والإصلاحات الإجتماعية ستكون على حساب الطابع الإسلامي للدولة، إذن فخيارات إيران كدولة ونظام سياسي لمواجهة مستقبل معقد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، تبدو محفوفة بالمخاطر الكبرى، التي قد تعصف بالجمهورية الإسلامية وأركانها ومؤسساتها ورجالاتها. وبإسقاط الظروف التاريخية التي تمر بها إيران اليوم، على نظرية إبن خلدون الخاصة بعوامل قيام الدول وفنائها، من خلال قوله بأن للأمم دورة حياة تشبه دورة حياة الإنسان، تتعدد مراحلها من الميلاد والاستواء ثم القوة إلى الضعف والهرم والموت، والحقيقة إن تجربة «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» قد تثبت صحة ما ذهب إليه إبن خلدون، إذ أنها أصبحت على حافة التصدع العظيم، الذي يلف بها من كل جانب، في ظل عجز واضح على مواجهة التحديات المقبلة، وإذا ما قررت إيران عدم الانصياع للتحديات الداخلية والدولية، فإننا قد نكون إمام سيناريو مشابه لسيناريو الإتحاد السوفييتي السابق، من حيث التفكك والانهيار، وقد تبدأ أولى ملامح هذا الانهيار مع غياب خامنئي عن الساحة السياسية الإيرانية، كونه يمثل الآن شعرة معاوية التي تفصل بين البقاء أو الفناء.

المصدر: القدس العربي

شاهد أيضاً

إسرائيل تجرّ أمريكا إلى العزلة أيضاً

بقلم: سميح صعب – النهار العربي الشرق اليوم- يؤكّد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بغالبية …