الرئيسية / مقالات رأي / هل يلقى ماكرون مصير رابين؟

هل يلقى ماكرون مصير رابين؟

محمد صابرين- الأهرام

الشرق اليوم– لا يملك المرء حتى “الدهشة” من مدى وقاحة اليمين المتطرف الإسرائيلي في ابتزاز الساسة في الغرب، بل هؤلاء وساسة دولة الاحتلال يعملون بتناغم مع رجال الدين المتطرفين، وحاخامات قتل العرب، ودعاة إبادة الفلسطينيين.

وقد فوجئ الساسة والرأي العام في الغرب بفتوى “تكفير” من أحد حاخامات إسرائيل بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ودعوة صريحة لقتله.

وقد فتحت النيابة الفرنسية تحقيقًا حول تهديد حاخام إسرائيلي “ديفيد كوهين” لماكرون بالقتل.

وقال الحاخام، باللغة الفرنسية: “يجب على هذا الرئيس الفرنسي أن يعلم أن من مصلحته أن يجهز نعشه، وسيريه الرب معنى أن يكون وقحًا إلى هذه الدرجة، وأن يدلي بتصريحات ضد الرب”. واعتبر أن ماكرون سيكشف عبر الاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر، عن “معاداته العميقة للسامية” ويطلق “إعلان حرب على الرب”.

للمرة الأولى يستيقظ العالم على مثل هذه الجرأة وتهديد علني لأحد قادة الدول الكبرى، وذلك بعد سنوات طويلة من ابتزاز سياسة الغرب وأمريكا بتهم جاهزة وهي معاداة السامية، ويتزامن ذلك مع تسونامي دولي يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين، ويؤيد إقامة دولة فلسطينية.

ويستدعي تهديد ماكرون، مقتل إسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الذي اغتيل في 4 نوفمبر 1995 على يد اليميني المتطرف إيغال عامير، بعد حملة تحريض واسعة قادها حاخامات والتيار اليميني المتشدد ضد اتفاقيات أوسلو وسياسة رابين تجاه الفلسطينيين. 

وأهم أشكال التحريض التي ساهمت في خلق الأجواء التي أدت إلى الاغتيال: فتاوى دينية من حاخامات بارزين، أُطلقت عليه أوصاف دينية خطيرة مثل: “روديف”، “مطارد يجب إيقافه حتى بالقتل”، و”مويسر” (مخبر ضد شعبه)، وهما مصطلحان في الشريعة اليهودية استخدما تاريخيًا لتبرير القتل.

وفي الوقت ذاته، تبنى قادة سياسيون يمينيون متطرفون خطاب التحريض، وشارك قادة من حزب الليكود والتيار اليميني في تظاهرات ضد رابين، حيث رفعت صور له بزي نازي، أو وهو في مرمى قناصة، بل شارك بنيامين نتنياهو، “زعيم المعارضة آنذاك”، في بعض هذه التظاهرات، ووقف على منصة أمام مجسم تابوت أسود يرمز إلى “دفن اتفاق أوسلو”، وشهدت شوارع القدس وتل أبيب المظاهرات العنيفة والشعارات التكفيرية.

وجرت عملية التعبئة في المدارس الدينية والمستوطنات، والتي كانت مركزًا لنشر الروايات التي تصور رابين كعدو للشعب اليهودي يجب إيقافه.

وفي النهاية، أعطت هذه الأجواء، خاصة استخدام النصوص الدينية لتبرير العنف، إيغال عامير الغطاء الأيديولوجي والشعور بأن اغتيال رابين “واجب شرعي”. 

والآن ثمة أصوات تطالب بالتنبه لما تقوم به وما تقوله نخبة وحاخامات الاحتلال. ويشعر قادة الاحتلال ومؤيدو إسرائيل بالذعر الشديد إزاء تحول الرأي العام العالمي ضد دولة إسرائيل. 

ومن المفهوم تمامًا، أنه في استطلاع حديث لمؤسسة غالوب، لم يؤيد سوى 32% من الأمريكيين حرب غزة -وهو انخفاض جديد- وما يقلقهم أكثر هو أنه في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث حتى قبل المجاعة الحالية، أظهرت أغلبية الأمريكيين -53%- نظرة سلبية تجاه إسرائيل. أما بين الديمقراطيين، فتبلغ هذه النسبة 69%. وحتى نصف الجمهوريين دون سن الخمسين يقولون إن لديهم نظرة سلبية تجاه الدولة اليهودية.

في الواقع، تفقد إسرائيل جيلًا كاملًا من الأمريكيين، لا سيما الديمقراطيون الذين انقلبوا على التحالف الأمريكي-الإسرائيلي؛ فقد صوتت أغلبية الديمقراطيين في مجلس الشيوخ مؤخرًا على منع بيع بعض الأسلحة لإسرائيل، ويرى ناشطون ديمقراطيون بارزون أن قطع المساعدات عن إسرائيل يجب أن يكون اختبارًا حاسمًا في الحزب.

ويرتبط تراجع صورة إسرائيل المزعومة بأنها “الديمقراطية الوحيدة”، بعد تعارضها الملحوظ مع القيم الأخلاقية والديمقراطية الحديثة، خاصة في الأوساط الأكاديمية، وقد وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2022 أن 65% من العلماء الأوروبيين يرون أن سياسات إسرائيل تتعارض مع حقوق الإنسان؛ مما يثير الشكوك حول ادعاءات حركة الصهيونية العالمية وجماعات الضغط المؤيدة لدولة الاحتلال العنصرية، كما أبعدت الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل حلفاءها التقليديين، والآن تمارس حملة “اغتيال شخصية” ضد ماكرون، ووصلت الآن حد تصفيته، ودون أي محاولة لوقف أو التصدي لهستيريا الحاخامات؟!

ومن المفارقات المدهشة أن تهديد ماكرون، والهجوم الشرس على ستارمر وقادة كندا وأوروبا يأتي في وقت يجاهد هؤلاء الساسة لتبرير سياسة الإبادة الجماعية وعدم محاسبة قادة إسرائيل رغم ارتكابهم جرائم حرب وتطهير عرقي. 

وتقول نسرين مالك في الجارديان بسخرية، إنه يمكن تدريب البشر على القبول بكثير مما هو غير منطقي، ولكن هناك حد لما يمكن أن تقدمه للناس – بشكل مقنع – على أنه أمر غير ممكن، في السياسة، يتأتى جزء كبير من القبول العام من الإقرار المتفق عليه بأن هناك أشياء هي ببساطة أعلى من قدرة المواطن العادي على تحملها، بل وهي حتى خارج سيطرة الحكومات، وإن عدم القدرة على إقناع “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” بشيء يبدو واضحًا تمامًا، وهو أن الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر لا يمكن محوها بمزيد من الرعب، ليست شيئًا يمكن إقناع الناس به. 

وتضيف نسرين بمرارة أن “الدرس هنا قاس ومقتضب: حقوق الإنسان ليست كونية، والقانون الدولي يطبق بشكل اعتباطي”.

ويبقى أن إسرائيل أصبحت عبئًا على المنطقة، وباتت الآن خطرًا ليس فقط على قادة الشرق الأوسط، أو إيران، بل باتت حياة ماكرون زعيم فرنسا في خطر حقيقي.

فهل يتحرك قادة الغرب لوقف هذا الجنون العنصري؟!

شاهد أيضاً

إيران تستعد لمعركة مصيرية

الجزيرة- محمد بيات الشرق اليوم– شكلت “حرب الـ 12 يوما” صدمة بنيوية عميقة بالنسبة لصناع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *