الرئيسية / دراسات وتقارير / إيران… إما الحوار وإما الحرب

إيران… إما الحوار وإما الحرب

الشرق اليوم– هذه الثنائية أو المعادلة التي تضع إيران بين واحد من خيارين، إما الحوار وإما الحرب، لم تصدر عن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو مبعوثه الخاص للتفاوض ستيف ويتكوف، لتكون بمثابة تهديد لإيران لإجبارها على العودة لطاولة التفاوض والقبول بالشروط المطلوبة وفرض التنازل عليها، والانصياع للإرادة الأميركية والإسرائيلية في ما يخص البرنامج النووي والقدرات الصاروخية والمسيرات، واللافت في هذه المعادلة والوقوف في الوسط بين خيار الحوار أو الحرب، أنها جاءت من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وعلى لسانه مباشرة خلال اللقاء الذي جمعه مع رؤوساء تحرير الصحف الإيرانية، ورداً على الموقف الراديكالي المتشدد الذي طرحه حسين شريعتمداري ممثل المرشد  الأعلى في إدارة “مؤسسة كيهان” الإعلامية”، ورئيس تحرير صحيفة “كيهان” التي تصدر عن المؤسسة.

وكلام بزشكيان لم يصدر من فراغ، فهو جاء بعد سلسلة من التغييرات الجوهرية والبنيوية التي حدثت في تركيبة القرار الإستراتيجي داخل السلطة، بخاصة في الدائرة اللصيقة بالمرشد الأعلى، أي المجلس الأعلى للأمن القومي المعني بترجمة السياسات الإستراتيجية التي يرسمها أو يقررها المرشد الأعلى في السياسات الداخلية والخارجية، وموقف بزشكيان الواضح والصريح والمباشر يعني أن القرار والتوجه الرئيس لدى منظومة القرار والسلطة هو التفاوض، وأن الجهود التي تشكل هاجس النظام والدولة تنصب خلال هذه المرحلة على كيفية إيجاد المخارج التي تسمح بإعادة إطلاق عملية التفاوض من دون أن تضع إيران في موقع وموقف الضعف والخسارة، انسجاماً مع معادلة “رابح – رابح” التي أكدها بزشكيان ووزير خارجيته خلال الأسابيع الماضية، والتي تضمن لطرفي التفاوض تحقيق مصالحهما وأهدافهما الأكثر واقعية، والتي تساعد في إعادة ترميم الثقة بينهما وتفتح الطريق أمام تفاهمات على ملفات أخرى.

قدرة بزشكيان على الدفع بالمفاوضات والسعي إلى إرساء معادلة “رابح – رابح” مع الأميركي باتت أقرب إلى الواقعية في داخل تركيبة السلطة الداخلية، نتيجة التغييرات التي حصلت وعودة لاريجاني لواجهة القرار، بخاصة أن الأخير كان من أصحاب هذه المعادلة والعاملين من أجلها خلال توليه مهمة التفاوض مع الـ “ترويكا” الأوروبية و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وهي الجهود التي بُنيت عليها المفاوضات السرية التي بدأت أوائل عام 2012 في مسقط، وانتقلت إلى العلن مع تولي الرئيس حسن روحاني رئاسة الجمهورية وإلى جانبه وزير خارجيته محمد جواد ظريف.

والقناعة بالعودة لطاولة التفاوض أو ضرورتها في هذا المفصل الزمني المصيري الذي يشهد إعادة رسم كل المعادلات الجيوستراتيجية والجيوسياسية والجيواقتصادية، على الصعيد العالمي وخصوصاً على مستوى منطقة غرب آسيا التي تشكل المجال الحيوي الإستراتيجي بكل أبعاده لإيران ونظامها، تنبع من إدراك أكثر جدية هذه المرة لدى قيادة النظام بكل مستوياتها، بأن المماطلة أو التسويف قد يؤدي إلى خروجهم وخروج إيران من كل المعادلات المستقلبية للمنطقة، واستبعادهم عن كل الترتيبات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي، وقد كان الوزير السابق ظريف واضحاً في رسم هذه المعادلة عندما أوضح المسار الذي من المفترض أن تعمل إيران في إطاره عندما قال “إما أن تجلس إلى الطاولة وإما أن تكون على الطاولة، وإما أن تكون موجوداً وتدافع عن مصالحك، وإما أن يعقد الآخرون تسوية على حساب مصالحك، وإذا جرت الصفقة أو التسوية فلن ينفع معها كل الصياح والصراخ والتفجع ووصفها بأنها غير مشروعة، لأن الصفقة تمت وانتهى الأمر”.

وهذا الوضوح في الموقف من التفاوض لا يقتصر فقط على الرئيس الإيراني بل يشمل كل الجهات المعنية بهذا المسار، في ظل وتحت غطاء ودعم من المرشد الأعلى الذي لم يعلن إقفال هذا الباب، بل وضع له شروطاً واضحة لخصها الوزير عراقجي بالثلاثية الإيرانية: الاستمرار بالتخصيب، وضمانات عدم عودة خيار الحرب، والتعويض عن الخسائر، وأن إيران على استعداد لإبداء الليونة في التعامل مع “الوكالة الدولية” في إطار تعريف جديد لدورها وآليات التعاون معها، وسيبحث بجدية مع نائب مدير الوكالة الذي زار طهران بعد قانون البرلمان الذي علّق العلاقة مع الوكالة، وربطها بتقديرات المجلس الأعلى للأمن القومي.

والمواقف الإيرانية توسعت لتشمل التخلي عن التصلب الذي كان سائداً خلال الشهرين الأخيرين من التفاوض مع الجانب الأميركي، فالمتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي لم ينف أصلاً التفاوض غير المباشر مع واشنطن، لكنه نفى إمكان أن تكون في دولة النروج، أما مساعد عراقجي للشؤون السياسية مجيد تحت روانجي فقد كشف عن استعداد إيران القبول بقيود موقتة على أنشطتها النووية في إطار اتفاق منصف ومربح للطرفين، يتضمن إلغاء العقوبات الأميركية، وكل هذه المواقف المتمسكة بالتهدئة والعودة للمسار الدبلوماسي تشكل إشارات إيرانية واضحة للمجتمع الدولي وواشنطن بأن إيران ونظامها ودولتها تسعى إلى تكون عنصراً منسجماً مع النظام العالمي، وتطمح إلى فتح مسار تفاوضي جدي وجديد وشامل حول مختلف الملفات والمواضيع، وهي إشارات قد تدفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة النظر في مواقفه التصعيدية ضد إيران خلال الأشهر الماضية، بخاصة بعد تراجع المواقف التصعيدية الإيرانية التي سيطرت على المشهد بعد الضربة التي تعرضت لها إيران، وكلام بزشكيان الذي أكد بوضوح بأنه لم يعد أمام إيران سوى طريق التفاوض، إما الحوار والتفاوض وإما الحرب.

وعلى رغم تأكيد المؤسسة العسكرية بشقيها، الجيش و”حرس الثورة”، أنها استطاعت ترميم نقاط الضعف والخلل والخسائر التي تعرضت لها، وأنها في حال تأهب واليد على الزناد للرد على أي اعتداء، وعلى رغم الأصوات المتشددة التي ترفض الوقوع في ثنائية الحرب والحوار باعتبارها فخاً ينصبه الأعداء لإيقاع إيران، فإن ما توحي به المواقف والتصرفات للمسؤولين الإيرانيين هو عدم وجود رغبة بالعودة للحرب التي لن تحمل سوى مزيد من الخراب والخسائر، وقد تكون نتائجها وأبعادها قاسية وغير قابلة للتحمل، وقد تطيح بحال التضامن الشعبي والسياسي والاجتماعي والوطني الذي أنتجته حرب يونيو (حزيران) الماضي.

المصدر: independent arabia

شاهد أيضاً

سوريا ترد على مؤتمر الحسكة بوقف المفاوضات مع قسد

الشرق اليوم– أعلنت الحكومة السورية السبت رفضها المشاركة في أيّ مفاوضات جديدة مع قوات سوريا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *