الشرق اليوم– الضربة الموجعة التي تلقتها إيران بالتصفيات المتتالية لقيادات “حزب الله” اللبناني اعترف بوجعها حسن نصرالله في آخر ظهور إعلامي له قبل اغتياله على يد القوات الإسرائيلية الشهر الماضي ببيروت.
تصفية القيادات من الدرجة الأولى وحتى الثالثة، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب نفسه حسن نصرالله، ثم خلفه المحتمل هاشم صفي الدين بأيام عدة، والانتقال لتصفية النشطاء اللوجستيين والممولين والعاملين بخطوط التوصيل والإمداد للحزب، وتدمير وتفجير مخازن السلاح والصواريخ، ووصلت حتى المؤسسات المالية وأهمها مؤسسة “القرض الحسن” المصرفية التي لا تخضع للبنك المركزي اللبناني وقوانينه ولوائحه، والتي تعتبر شريان الحياة المالي للحزب وتمويله والصرف على كوادره ومقاتليه وأُسرهم ومن قُتل منهم، وكل هذه الضربات تكشف عن اختراق كبير و”شق عود”، كما نقول باللهجة الخليجية، داخل أوساط الحزب ومن يرعاه في طهران.
وإذا كان ما جرى لـ “حزب الله” لا يكفي للتدليل على هذا الاختراق الهائل، فإن الشكوك لا تزال تحوم حول مقتل الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وكبار مساعديه داخل إيران بتحطم طائرة هليكوبتر في مايو (أيار) الماضي، ثم اغتيال إسماعيل هنية داخل طهران وهو ضيف رسمي على الدولة الإيرانية، ناهيك عن اغتيالات لعلماء نوويين إيرانيين عدة.
من المعروف أن الحروب الجاسوسية البشرية منذ القدم تقوم بزرع وتجنيد عملاء داخل أوساط الأعداء وتقريبهم قدر الإمكان من أماكن اتخاذ القرار والأماكن الحساسة أمنياً، لكن ما جرى من تصفيات لـ “حزب الله” يتجاوز التجنيد وزراعة العملاء، فكم عميل يمكن لك أن تزرع كي تقضي على آلاف من قيادات “جيش” حزب الله خلال أيام؟ وكم جاسوس تحتاج كي تقضي على أمينه العام وخلفه وقياداته العسكرية الكبيرة ومخازن أسلحته ومؤسسات إمداده؟ هذه التساؤلات تضع المراقب أمام احتمالين لا ثالث لهما :الأول أن لدى إسرائيل قدرات تكنولوجية خارقة ومتقدمة ولا يعرف عنها باقي العالم شيئاً، وهذا الاحتمال يدخل في عالم التكنولوجيا للتجسس والمراقبة والمتابعة والتعرف وغيرها، لكنه يبقى محدود النتائج وخصوصاً نتائج مثل ما جرى لـ “حزب الله” في لبنان.
أما الاحتمال الثاني فهو أن ما جرى ليس اختراقاً أمنياً وإنما تنسيقاً أمنياً بين أجهزة الـ “موساد” وأذرعها وأجهزة استخبارات داخل المعسكر التابع لإيران، وبعض المراقبين فسروا الفتور والبرود في العلاقة الإيرانية – السورية حالياً بأن مردها تراشق بالاتهامات بين الطرفين بالتسريبات الأمنية التي أدت إلى مقتل قيادات “الحرس الثوري” الإيراني الكبرى في القنصلية الإيرانية بدمشق في أبريل (نيسان) الماضي، وتراشق مستمر حول تسريبات فتكت بـ “حزب الله”، ويعكس هذا التراشق حال الشك والريبة وانعدام الثقة التي تعيشها الأجهزة الأمنية المتعددة داخل هذا المعسكر.
وهذا الاحتمال يفترض تواطؤاً من أطراف منظمة داخل تنظيم استخباري ما وليس اختراقاً محدوداً، لأن فرضية الاختراق المحدود لا تفسر حال التصفيات الجماعية المهولة التي تعرض لها “حزب الله”، ناهيك عن باقي التصفيات كتصفية إسماعيل هنية داخل طهران، أي أن إسرائيل حصلت على أسماء وصور وعناوين وأرقام هواتف ومخابئ وخنادق ومكامن وتفاصيل بيوت وغرف نوم يستحيل أن يتحصل عليها جاسوس أو عميل مدسوس، وإنما حصلت عليها بالجملة من جهاز مخابرات كمقايضة، وهو ما قد تكشف الأيام ثمنها وقيمتها.
كما أن هذا المعسكر الإيراني وتوابعه لم يوجه اتهاماً لمسؤول أمني بعينه بالتجسس والتخابر، وهو ما يعزز فرضية أن التواطؤ بين الـ “موساد” وجهاز استخباري كامل تابع لمعسكر إيران هو الأرجح.
كتب الصحافي الأميركي الشهير توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” أن الشارع الإسرائيلي عاش حالاً من النشوة والغرور بتحقيق الضربات الموجعة ضد “حزب الله”، فتداولوا نكتة تهكمية تقول إن المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية مختبئ في مكان سري، ولا أحد يعرف مكانه سوى إسرائيل.
المصدر: independent