بقلم: أمال شحادة- اندبندنت
الشرق اليوم– فشلت الجهود الأميركية في بلورة المقترح المعدل لصفقة الأسرى الذي أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تقديمه وتوقعت نهايته في واشنطن وتل أبيب هذا الأسبوع.
وتراجع التفاؤل لدى المطلعين على المفاوضات إلى حد التشاؤم، مع تعنت رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بخطوطه الحمراء في تقديم التنازلات في أبرز نقاط الخلاف المتمثلة في محور فيلادلفي وعدد الأسرى الإسرائيليين الأحياء، الذين تشملهم الصفقة في مقابل تعنت “حماس” بمطلبها بانسحاب الجيش الإسرائيلي وعدد الأسرى الأمنيين الفلسطينيين وهويتهم في إسرائيل، المحكوم عليهم بالمؤبد.
ووفق أبحاث الإسرائيليين فإن المقترح المعدل، الذي يجري العمل عليه هو مقترح مايو (أيار) الذي سبق وعرضه بايدن.
وتجري واشنطن محادثاتها حول النقاط المختلف عليها مع وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر بعيداً من وفد المفاوضات، ورئيسه رئيس الموساد ديفيد برنياع. وفيما أعلن مسؤول إسرائيل زيارة متوقعة لوزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل الأسبوع المقبل، استبق رئيس الحكومة الإعلان النهائي عن مصير المقترح باجتماع طارئ لرؤساء أجهزة الأمن للبحث في تداعيات فشل الصفقة على مختلف الجبهات بينما ناقشت الأجهزة الأمنية سبل التعامل مع جبهتي الشمال والضفة والاستعداد لاحتمال تصعيد إلى جانب جبهة غزة.
وبحسب الإسرائيليين فإن واشنطن تعد خريطة حول انتشار الجيش الإسرائيلي في فيلادلفي بأقل ما يمكن من جنود إسرائيليين، وفي محاولة للتقدم في المفاوضات تطرح واشنطن حلاً لمحور فيلادلفي عبر تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء:
- المنطقة الواقعة بين البحر ومعبر رفح، وتقترح واشنطن لهذا الجزء وضع منظومة تكنولوجية تقيمها وتشرف عليها مصر والولايات المتحدة لمنع التهريب فوق وتحت سطح الأرض.
- إعادة فتح معبر رفح، الذي يبعد حوالى 10 كيلومترات جنوب شرقي شاطئ البحر، في هذه النقطة وتم التوصل إلى اتفاق ستتم بلورته قبل وصول بلينكن.
- الجزء الثالث بين معبر رفح وكرم أبو سالم، وهو مقطع غير مكتظ بالسكان الفلسطينيين، وفق الأميركيين ومن وجهة نظرهم يمكن لإسرائيل البقاء فيه في المرحلة الأولى من الصفقة.
تعنت نتنياهو
الإشكالية التي يرى الأميركيون من الصعب التوصل إلى تفاهم حولها هي طلب نتنياهو وجود الجيش في نقاط المراقبة، بين شاطئ البحر ومعبر رفح.
كما لم تنجح واشنطن في بلورة البند الذي يتطرق إلى تطبيق وقف إطلاق النار بين المرحلتين الأولى والثانية من الصفقة لكنها تعتبره أسهل البنود تعقيداً، كونه مسألة فنية أكثر من أي جانب آخر.
أما بالنسبة إلى وقف النار فمن المتوقع أن يشمل المقترح المعدل إذا ما تم تقديمه، أن ينسحب الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى من الـ 42 يوماً، من المراكز السكانية الكبرى، وليس من كل أراضي القطاع، بعدها يتواصل وقف إطلاق النار طالما تواصلت المحادثات، من دون ذكر الشروط لاستئناف النار من جانب إسرائيل.
ويرى مسؤولون إسرائيليون أن تل أبيب سترفض المقترح الأميركي المعدل إذ تعده غير مقبول، وأن ما تجريه واشنطن مجرد إحياء اصطناعي موقت وغير ناجح للصفقة فكل من إسرائيل و”حماس” مصرة على مواقفها.
نتنياهو من جهته، لم يكتف بالتعنت في موقفه حول محور فيلادلفي وعقد اجتماعاً طارئاً للكابينت الموسع بحث فيه سبل الرد على مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة، الذين استعاد الجيش جثثهم من داخل نفق، على رغم تحذيرات أمنيين وعسكريين من خطوة مثل هذه، خصوصاً على مصير الأسرى.
وبحسب المتخصص العسكري رونين بيرغمان، وفق المعلومات التي حصل عليها من مسؤول إسرائيلي مطلع على سير المفاوضات وما يواجهه المقترح الجديد من تعقيدات، فإن الفجوة على 13 يوماً من سيطرة إسرائيل في ما سمته إسرائيل “حاجة وجودية لا بديل عنها ولا للحظة واحدة”.
وبحسب المعلومات التي في حوزة بيرغمان فإن إسرائيل تصر على الوجود في محور فيلادلفي على مدى الـ 42 يوماً من وقف النار الموقت في المرحلة الأولى من الصفقة. أما “حماس” يقول بيرغمان، فقد “رأت في هذا الإصرار المفاجئ خرقاً لما اتفق عليه، وطالبت بإخلاء تام للقوات الإسرائيلية في المحور خلال الــ 42 يوماً”.
يضيف، “على رغم أنه واضح للجميع بأنه ليس في الإصرار معنى حقيقي، قرر الوسيط المصري والقطري إجراء حل وسط بسيط واقتسموا الأمر، إسرائيل تترك المحور نهائياً لكن تنتشر على طول حدود إسرائيل-غزة، مع مرور 22 يوماً من دخول وقف النار إلى حيز التنفيذ”. وأشار إلى أن كلمة “على طول” تسمح بالبحث في الشريط الأمني الذي تطالب به إسرائيل”.
وبحسبه فإن الولايات المتحدة، أدخلت تعديلات طالبت فيها بتغيير الـ22 يوماً إلى 35 يوماً، أي فرق 13 يوماً.
ستار دخان
وعن تعنت نتنياهو في هذا الجانب، يقول المسؤول الإسرائيلي إنه “من الصعب وصف عبث أكثر من هذا، فكيف يمكن الإصرار على مثل هذا الهراء؟ أي معنى يوجد لـ 13 يوماً إلى هنا أو إلى هناك؟ لكن هذا أيضاً ستار دخان. نتنياهو عرقل المفاوضات في نقاط عدة. فحصل أن تلقى فيلادلفي فجأة حجماً كبيراً حتى بات العالم كله يركز على هذا المقطع الرملي الصحراوي”.
مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق، أجرى محادثات مع بعض المشاركين في المفاوضات من الوسطاء وشرح لهم كيف نشأ موضوع فيلادلفي من العدم وأصبح الانسحاب منه لـ42 يوماً تهديداً وجودياً فورياً على إسرائيل. وعندما سئل عن ادعاء نتنياهو بأن العالم لن يسمح لنا بالعودة إلى هناك ضحك وقال “إسرائيل تفعل هذا كل الوقت”.
ويخلص بيرغمان إلى أنه “في هذه اللحظة هناك شك كبير في أن تتجه الولايات المتحدة إلى وضع مقترح حل وسط، والتوقعات أن هذا قد يؤدي إلى تفجير المفاوضات وإثارة ضجيج في العالم”.
يضيف أنه “في مثل هذا الوضع يحتمل أن يخرج نداء لاستبدال الوسطاء أو طواقم المفاوضات، وطرح منحى جديد، إما كل شيء في مقابل كل شيء أو تبديلات صغيرة مثل تدخل روسي لتحرير المخطوفين من ذوي الجنسية الروسية. إذا حصل هذا فلعل النهاية ستكون صفقة تؤدي إلى تحرير الجميع. لكن مشكوك أن يبقى إلى ذلك الحين مخطوفون على قيد الحياة”.
خطة لإعادة احتلال غزة
في خطوة داعمة لبنيامين نتنياهو وائتلاف حكومته، الرافض للانسحاب من غزة، طرح ما يسمى “منتدى المقاتلين والضباط في الاحتياط” خطة عسكرية جديدة تعزز احتلال القطاع تحت ذريعة الضغط على “حماس” وهزيمتها ثم تحرير الأسرى.
خطة الجنرالات، كما سموها، عرضت على الكابينت الموسع للحكومة للمصادقة عليها وتحويلها إلى المؤسسة العسكرية لمباشرة التنفيذ.
المرحلة الأولى منها تبدأ شمال القطاع ثم تنتقل إلى رفح وصولاً إلى كل القطاع، وبموجبها يأمر الجيش الإسرائيلي سكان شمال القطاع بمغادرة المنطقة، وهي تقع شمال محور نيتساريم وتفصل جنوب القطاع عن شماله ويوجد فيها حالياً، بحسب إسرائيل، 300 ألف فلسطيني. وتحدد الخطة مدة أسبوع لمغادرة آخر فلسطيني منها بعدها يفرض الجيش حصاراً كاملاً ويعلنها منطقة عسكرية مغلقة.
بحسب مهندس هذه الخطة الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي جنرال احتياط غيورا إيلاند، فإن الخطة تضع أمام مقاتلي “حماس” خياري الموت أو الاستسلام وتضغط على يحيى السنوار للخضوع لإسرائيل.
ويعتقد إيلاند أن المساعدات الإنسانية هي رافعة الضغط الأقوى على “حماس”، ويقول “40 في المئة من مساحة القطاع يطوقها الجيش في الجانب الجنوبي، وفي الشمال يوجد 5 آلاف إرهابي في الأقل، وآلاف الأشخاص الذين يديرون الحكومة من مدينة غزة وكأن شيئاً لم يحدث”.
وبرأيه “الخطة تخلق نوعاً من الضغط والصدمة الحقيقيين لهم فبعد الإعلان عن المنطقة عسكرية مغلقة سيتوقف تزويدها بأوكسجين الحركة فلن يصلها وقود وطعام ومياه فهناك حاجة إلى تجويع وتعطيش إرهابيي (حماس) حتى الموت، وهذا يشكل ضغطاً على السنوار الذي سيخسر الشمال ونجاح هذه الخطة يكون البداية لنقلنا إلى مناطق أخرى في قطاع غزة”.
أما في ما يخص المساعدات الإنسانية، فبحسب إيلاند، تتطلب الحاجة أن تتولى إسرائيل مسؤولية توزيعها على الفلسطينيين ويقول “بتولي هذه المهمة تفصل إسرائيل السكان الفلسطينيين عن عناصر (حماس) وهذا مسموح قانوناً. وفي الوقت نفسه يشكل ضغطاً كبيراً على الحركة والسنوار فتجربة الصفقة الأولى تؤكد ذلك إذ تم تنفيذها بنجاح بعد وصول كميات كبيرة من المساعدات إلى غزة حيث وصلت عشرات الشاحنات يومياً إلى غزة ثم تضاعف عددها، يومياً إلى 200 شاحنة وعليه يحسم إيلاند، “على إسرائيل أن تكون حاسمة في شأن المساعدات لأن هذا الجانب هو الأهم بالنسبة إلى السنوار”.
حكم عسكري قريباً
من جهته قال مسؤول أمني إن إسرائيل باتت قريبة جداً من تفعيل حكم عسكري في قطاع غزة وتستعد لتولي هذه المهمة للعقيد إلعاد غورين، الذي تم تعيينه حاكماً في غزة.
وبحسب هذا المسؤول فإن التغيير في غزة يتطلب إنشاء آلية تنفيذية جديدة، تعمل في الأقل على توزيع المساعدات إلى سكان قطاع غزة، وعلى إسرائيل تولي المهمة لأن الوضع الحالي في غزة لا يخدم مصلحة إسرائيل”.
ووفق المعطيات الإسرائيلية حول ما تم نقله من مساعدات عبر إسرائيل، فمنذ بداية الحرب تم نقل 800 ألف طن مساعدات عبر 42 ألف شاحنة بينها 612 ألف طن من الغذاء نقلوا عبر 29 ألف شاحنة، و45 ألف طن من المياه عبر 230 شاحنة، و26 ألف طن من المساعدات الطبية عبر 2500 شاحنة.