بقلم: سامي خليفة- اندبندنت
الشرق اليوم– مع توخي الولايات المتحدة الحذر في تزويد أوكرانيا بقدرات الضربات البعيدة المدى، يبتكر الأوكرانيون حلولاً محلية الصنع لهذه المعضلة بعضها بسيط لكنه جريء مثل تعبئة طائرة خفيفة بالمتفجرات وتشغيلها عن بعد، وأهمها على الإطلاق الطائرات من دون طيار الجديدة التي تسمى “بايب درونز”، وهي عبارة عن تحفة صغيرة من الهندسة منخفضة الكلفة بدأت تراقبها جيوش العالم لما فيها من إبداع وفاعلية متناهية النظير.
وقد جذبت هذه الطائرات انتباه الخبراء العسكريين في الفترة الأخيرة الذين عبروا عن افتتانهم بتصميمها البسيط الذي استخدم فيه الأوكرانيون مواد شائعة بطرق غير تقليدية ونقلوها لتكون أداة فعالة في ساحة القتال.
تصميم الطائرة من دون طيار الجديدة
التصميم العام لهذه الطائرات من دون طيار الجديدة مشابه للطائرات التي يتم التحكم فيها عن بعد والتي بناها الهواة منذ أعوام عدة، ومع ذلك، تم تصميم هيكلها بعناية لاستخدام مواد محلية المصدر ومنخفضة الكلفة.
أما جسم الطائرة أو عمودها الفقري، فيشبه طول أنبوب تصريف بلاستيكي برتقالي يبلغ قطره ست بوصات (15.24 سنتيمتراً). وبحسب المعلقين العسكريين الأوروبيين، فإن اللون البرتقالي هو الرمز القياسي للأنابيب التي تحمل الكابلات الكهربائية تحت الأرض في أوروبا، وست بوصات هو القطر المعتاد لها.
والأجنحة مصنوعة مثل أجنحة الطائرات النموذجية، ذلك أن الدعامة الرئيسة عبارة عن أنبوب من الألمنيوم، ويتم إعطاء الجناح شكله بواسطة أضلاع خشبية مقطوعة آلياً، وهو مغطى بغشاء بلاستيكي قابل للانكماش بالحرارة مشابه لذلك المستخدم في تجهيز القوارب لفصل الشتاء مما يزيد القوة ويقلل الضغط.
وكل من قطع الذيل الثلاث متماثلة من اليسار إلى اليمين، ومن أعلى إلى أسفل، بحيث تكون القطع الرأسية والأفقية قابلة للتبديل، والهدف منها تبسيط عملية التصنيع. وتحوي بعض إصدارات هذه الطائرة من دون طيار على هيكل سفلي، وهذا ما يشير إلى أن الأوكرانيين يعمدون إلى إطلاقها من سكة حديد أو عربة نقل أو حتى من سقف سيارة، تماماً مثل بعض الطائرات من دون طيار الإيرانية.
المحرك
ويتكون خزان الوقود من مجموعة من زجاجات المياه البلاستيكية المتصلة ببعضها البعض، ويشير الخبراء إلى أنه يحوي أربع زجاجات سعة خمسة لترات بإجمالي 20 لتراً، كما يتم تشغيل المروحة بواسطة محرك بنزين “DLE-170” صيني الصنع، وهو يُباع على أنه مناسب للطائرات من دون طيار ويزن حوالى أربعة كيلوغرامات، ويتوفر في الأسواق في مقابل 1100 دولار، وهو بالتأكيد الجزء الأكثر كلفة في هذه الطائرة.
وتفيد بعض المعلومات العسكرية المسربة بأن استهلاك المحرك للوقود يساوي المعدلات الطبيعية إذ يمكن لهذه الطائرة أن تطير لمدة ساعتين ونصف الساعة تقريباً، أي لمسافة تراوح ما بين 200 و300 كيلومتر، وهو مدى الصواريخ الأميركية البعيدة المدى “إم جي إم-140 أتاكمز” نفسها التي تطلبها أوكرانيا بلا جدوى من الولايات المتحدة منذ عام 2021.
الأسرار الإلكترونية
ووحدة التحكم في طيران الطائرة من دون طيار أو الدماغ الذي يحول تعليمات الملاحة إلى إشارات تحكم ترتكز على لوحة “Pixhawk PX4 2.4.8″، ويستخدمها هواة الطائرات من دون طيار ومتوفرة في مقابل 108 دولارات. كما تحوي الطائرة على جهاز استقبال قياسي للملاحة GPS، وجهاز يسمى “بايتوت” يعطي معلومات عن سرعة الطيران.
وبما أن روسيا تقوم بصورة روتينية بتشويش إشارات نظام الملاحة العالمي وغيرها من إشارات الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية فوق أراضيها باعتباره وسيلة دفاع ضد الطائرات من دون طيار، يقول الخبراء إن الطائرات من دون طيار الأوكرانية البعيدة المدى، ومن ضمنها الطائرة التي نتحدث عنها، مجهزة بنظام ملاحة الرؤية الآلية الذي يمسح التضاريس لإيجاد المسار الصحيح على الخريطة.
كما تسمح الكاميرا ونظام التعرف الآلي لهذه الطائرة بتحديد موقع الهدف بدقة عندما تصل إلى المنطقة الصحيحة، ويقوم الباحثون الأوكرانيون بالفعل بنشر إصدارات مبكرة من هذه التكنولوجيا باستخدام أجهزة تجارية منخفضة الكلف.
إحداث الضرر
وحول قدراتها التدميرية تحمل الطائرة رأساً حربياً صغيراً مثبتاً على هيكلها، لذا يمكن للمرء أن يفترض أنها مخصصة لتكون طائرة انتحارية متوسطة المدى وليست قاذفة قنابل.
ويبدو من الصور المنتشرة أن الرأس الحربي يبلغ قطره حوالى 12 سنتيمتراً، وطوله 25 سنتيمتراً، وبذلك قد لا يزيد وزنه على ثلاثة كيلوغرامات من المتفجرات، على غرار الرأس الحربي الموجود على طائرة “موروك” الأوكرانية.
لكن الرأس الحربي ليس السلاح الرئيس لهذه الطائرة، فاشتعال الوقود قد يسبب ضرراً أكبر من المتفجرات وطائرات “بايب درونز” هي في الأساس عبارة عن كوكتيل مولوتوف عملاق طائر، ونظراً إلى أن الأهداف الروسية الرئيسة الحالية هي عبارة عن منشآت تخزين ومصافي نفط وغاز، فإن الطائرة مصممة لإشعال الحرائق أكثر من كونها انقضاضية.
إلى ذلك يمكن استخدام الطائرات هذه لتشويش الدفاعات الروسية، وهذا هو المفهوم القديم لـ”الطُعم المسلح”، وهو ليس تهديداً كبيراً في حد ذاته، لكن المدافعين لا يستطيعون تجاهله، لذا، فإن وابلاً من هذه الطائرات من دون طيار سوف يجبر الروس على الاستخدام المكثف لصواريخ أرض-جو النادرة، مما يضعف جهودهم الدفاعية ويمهد الطريق لهجمات بطائرات من دون طيار أكثر قوة.
سلاح مثالي
وصُممت طائرات “بايب درونز” لتكون بسيطة وسهلة الإنتاج إلى أقصى حد، ويقدر المحللون العسكريون أنه يمكن تصنيعها من قبل شخصين بكلفة تراوح ما بين 5 و10 آلاف دولار.
وعلى رغم بساطتها، فإن هيكل الطائرة متطور بحيث لا يتوقع الخبراء رؤية أي تغييرات كبيرة في تصميمها، مشيرين إلى أن أي تطور من المرجح أن يكون داخلياً لا سيما أن هذه الطائرة من دون طيار كبيرة إلى حد ما ويمكنها استيعاب وحدات تحكم طيران مختلفة وإلكترونيات أخرى بسهولة.
وفي المحصلة تعتبر هذه الطائرات سلاحاً حديثاً ومعيارياً يمكن ترقيته بسهولة بإلكترونيات أكثر تقدماً ورؤوس حربية مختلفة أو حمولات أخرى بحسب الحاجة، وهي تحمل حمولة أصغر بكثير من صاروخ “إم جي إم-140 أتاكمز” الذي تبلغ كلفته مليون دولار، لكنها تتمتع بدقة ومدى مماثلين ويمكن لأوكرانيا الحصول عليها من دون مساعدة أجنبية.