الرئيسية / دراسات وتقارير / أزمة الانتخابات تنذر بإعادة حكم الإدارتين في كردستان

أزمة الانتخابات تنذر بإعادة حكم الإدارتين في كردستان

بقلم: باسم فرنسيس – اندبندنت
الشرق اليوم– دخلت أزمة الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق منعطفاً جديداً مع تمسك “الحزب الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني الذي يقود الحكومة الائتلافية بقرار المقاطعة، واضعاً الإقليم الكردي أمام سيناريوهات عدة تتخطى حدود الديناميكية السياسية والمؤسساتية نحو العملية السياسية في العراق الخاضعة لحسابات المعادلة الإقليمية والدولية.

وفتح الموقف المتصلب لحزب بارزاني الذي يتقاسم معه حزب “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني إدارة الحكم في الإقليم الباب أمام جملة من التساؤلات، عن إمكانية إجراء انتخابات من دون حزب يهمين على دفة القرار ويمتلك نفوذاً مترسخاً على المستوى الإداري والعسكري، ما قد يعيد الإقليم إلى نظام حكم الإدارتين الذي ساد في أعقاب حرب داخلية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكيف سينعكس احتمال تأجيلها على مستقبل شرعية مؤسسات الإقليم ووضعها القانوني لدى الدولة العراقية والمجتمع الدولي.

لا مشاركة قبل التصحيح

وعقب إغلاق باب تسجيل الكيانات والتحالفات، أعلنت مفوضية الانتخابات عن مشاركة 10 أحزاب وتحالفين فضلاً عن 45 مرشحاً مستقلاً، ولم يكن من بينها “الحزب الديمقراطي” وقوى الأقليات، على رغم تمديد مفوضية الانتخابات موعد التقديم لمرتين، ورهن الحزب مشاركته “بحل وتصحيح المخالفات الدستورية والقانونية في آلية إجراء الانتخابات وضمان حقوق الأقليات”، وشدد على “أهمية القيام بالتصحيحات حتى في حال تأجيل الانتخابات إلى إشعار آخر”.

وجاء موقف الحزب في موازاة جهود وساطة بذلتها كل من السفيرة الأميركية في بغداد إلينا رومانوسكي ورئيسة البعثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارت، والقنصل الفرنسي في أربيل يان برايم لإقناع قادة “الحزب الديمقراطي” بالعدول عن قرار المقاطعة من دون نتائج تذكر.

ويلقي الحزب باللائمة في تعطيل الانتخابات على “أياد خارجية” عبر إلغاء المحكمة الاتحادية المقاعد المخصصة للأقليات وفق نظام “الكوتا” وتخصيص عدد قليل من المقاعد لمنطقة حلبجة، وتوطين مرتبات موظفي الإقليم بالمصارف الاتحادية، في إطار ما يعتبره “مخططاً لمصادرة إرادة الشعب الكردي”.

محاولة صد

وقد لا تعني مقاطعة “الحزب الديمقراطي” بالضرورة عدم رغبته في خوض الانتخابات، بقدر ما هي محاولة للحصول على ضمانات بأن لا تكون النتائج قد حسمت سلفاً ضمن “مخطط” القوى المنافسة، كما يسعى في الوقت نفسه إلى وضع حد للقرارات الاتحادية التي يرى بأن أجندة سياسية تقف خلفها بغية تجريد الإقليم من صلاحياته الدستورية.

ويتفق رئيس تحرير موقع “زيد بريس” المستقل ريبين فتاح مع هذه الرؤية قائلاً إن “اعتراضات الحزب تنبع من منطلقين، الأول يتركز على مستوى الإقليم وهو الخشية من نتائج سلبية قد تفرزها الانتخابات نتيجة للظروف السيئة التي يمر بها الإقليم، والثاني مبني على أن بغداد تعمل عبر المحكمة الاتحادية لمشروع كبير وخطير يهدف لتقويض الإقليم، بمعنى تحجيم الحزب المهمين على سلطة القرار فيه”.

وأضاف فتاح أن “الحزب يرى أن تداعيات المشروع ستكون بالنسبة له سيان سواء أجريت الانتخابات أم لا، لأن وجود مؤسسات شرعية مجردة من السلطة والصلاحيات لن يغير شيئاً”.

التأجيل أفضل السيئات

وما زال الإقليم يفتقر إلى نظام ذي سلطة مؤسساتية، فالحزبان يتقاسمان التحكم بكل العملية السياسية في الإقليم، ويمتلك كل منهما العناصر الكفيلة بتعطيل أو إفشال الانتخابات.

وفي هذا الجانب يعتقد فتاح أن “موقف المجتمع الدولي يبدو إيجابياً تجاه الحزب الديمقراطي وإن كان يضغط بقوة لإجراء الانتخابات، وذلك على إثر تعاطفه الواضح مع حقوق الأقليات”، وأردف “لنتذكر أن المجتمع الدولي لم يولِ كثيراً أهمية للقرارات الاتحادية السابقة ومنها إبطال قانونية تصدير نفط الإقليم وحل برلمانه ومجالسه المحلية وغيرها، لكننا نجد اليوم تفهماً أميركياً لمطالب الحزب عبر رسالة السفيرة رومانوسكي”.

وعن إمكان إجراء الانتخابات قال “أعتقد أنها ستؤجل مجدداً، على رغم أن الأطراف الشيعية تضغط بعكس الاتجاه، وفي المقابل نرى حضوراً دولياً يدفع لإجرائها لكن مع ضرورة النظر في مطالب (الحزب الديمقراطي)، وهذا معناه أنها ستؤجل لبضعة أشهر وستشارك فيها الأقليات لتكون في المحصلة أول محطة لوضع حد للقرارات الاتحادية التي يوليها الحزب أهمية أكبر من ملف الانتخابات”.

وفي محاولة لإيجاد مخرج كشفت تسريبات تداولتها وسائل إعلام كردية عن أن رئيس الإقليم القيادي في “الحزب الديمقراطي” نيجيرفان بارزاني يقود مساعي بالتنسيق مع بغداد واشنطن والبعثة الأممية لتأجيل الانتخابات إلى نهاية العام الحالي بعد إيجاد صيغة ترضي الأطراف، على أن تتم خلال هذه المدة تسوية بعض الملفات الخلافية العالقة بين أربيل وبغداد لتهيئة الأجواء.

كما كشف مصدر سياسي مطلع عن أن إحدى السيناريوهات المحتملة ستكون “في أن يضطر نيجيرفان إلى إصدار قرار بتأجيل الانتخابات لحين انتهاء ولاية مفوضية الانتخابات، ما يعني أن الانتخابات لن تجرى إلا بعد إجراء مثيلتها الاتحادية، وحينها قد يلجأ الحزب الديمقراطي إلى إحياء تحالفه السابق مع بعض القوى السنية والتيار الصدري الشيعي ليعزز موقفه قبل خوضه الانتخابات الكردية، بعد أن تدخل المعادلة السياسية في مرحلة جديدة”.

الإقليم ليس بغداد

ويرى بعض السياسيين والمراقبين استحالة إجراء الانتخابات من دون مشاركة أحد طرفي السلطة الكردية المنقسمة على منطقتي نفوذ ما زالتا تعانيان من آثار نظام حكم الإدارتين، وسيهدد في آخر المطاف شرعية المؤسسات في الإقليم ويدخله في فراغ قانوني غير محسوب النتائج، نظراً لاستمرار غياب البرلمان ووجود حكومة تصريف أعمال، في موازاة تدهور المستوى المعيشي نتيجة لأزمة المرتبات المتفاقمة على وقع استمرار الخلافات مع بغداد وما يرافقها من قرارات قضائية اتحادية تسببت في تحجيم صلاحياته وكيانه الدستوري.

وعلى النقيض تنظر أصوات أخرى خلال السجالات الدائرة على الساحة الكردية إلى خطوة “الحزب الديمقراطي” بكونها طبيعية توازي ما حصل سابقاً على الساحة العراقية مثل مقاطعة السنة للانتخابات، وكذلك التيار الصدري الشيعي، وأن الحزب لن يجازف بوضع العصي في عجلة العملية الانتخابية خشية من التعرض لتهمة الانقلاب على التجربة الديمقراطية.

أوجه تشابه مع لبنان

إلا أن الباحث في الشأن السياسي الكردي فرهاد رسول يرى خلاف ذلك، ويحذر من أخطار تهميش حزب بارزاني قائلاً إن “حالة الحزب لا تشبه حالتي السنة والصدريين، كما أن الواقع السياسي في الإقليم لا يشبه الحالة في العراق، لأن هيمنة حزب بارزاني مترسخة في عمق سلطة الإقليم، سياسياً وعسكرياً وإدارياً واقتصادياً، بعكس السنة والصدريين الذين لم يحظوا بهذه الهيمنة سوى أن ثقلهما كان يقتصر على جزء من الشارع وبعض المؤسسات”. وأضاف “لذلك فإن المقارنة هنا غير واقعية، فالديمقراطي لن يكون المتضرر الوحيد في هذه المعادلة بعكس ما حصل مع السنة والصدريين”.

وشبه رسول حال الإقليم بالمعادلة اللبنانية ذلك أن “الإقليم في حال استمرار أزمته سيجد نفسه عالقاً في نفق مظلم، ولن يكون مستبعداً أن يتجه نحو مزيد من التدهور، لأن واقع الحزب الديمقراطي وعلى عدة اتجاهات يشبه إلى حد ما واقع (حزب الله) اللبناني وهيمنته على جنوب البلاد، وربما يمتلك أوراقاً وأدوات أكثر فاعلية”.

وتابع الباحث السياسي قوله “إضافة إلى أمور قد نجهلها، فإنه من الأفضل محاولة إيجاد مخرج سياسي قانوني لتجاوز أخطار هذه المآزق حتى وإن كانت فيه عيوب لتقليل الأضرار”، وشدد على أن “الوضع في كردستان والمنطقة عموماً لا يحتمل تبعات تمرد قوى لها هيمنة مؤثرة، وقد يحرق الأخضر واليابس، ويفتح الباب على مصراعيه أمام حصول تدخل خارجي، بخاصة وأن المنطقة تترقب هجوماً عسكرياً تركياً وشيكاً في داخل الإقليم لضرب (حزب العمال الكردستاني) ما قد يؤدي إلى فصل جزء منه واخضاعه لأنقرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهنا يجب عدم النظر بسطحية إلى المسألة وأن نكرر ما حدث من تبعات بعد إجراء استفتاء الانفصال عام 2017”.

موقف متصلب في بغداد

ويواجه حزب بارزاني تحديات تتمثل في مواقف قوى في تحالف “الإطار التنسيقي” المهيمنة على سلطة القرار في بغداد والمعروفة بصلتها الوثيقة مع طهران الداعمة لقرارات المحكمة الاتحادية.

ووفقاً للمحلل السياسي الكردي دلشاد أنور فإن هذه القوى “ناقشت في ما بينها في منزل رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي حول انتخابات الإقليم، وتفيد التسريبات بأنها متفقة على أهمية المضي في إجراء الانتخابات الكردية حتى لو استمر (الحزب الديمقراطي) في المقاطعة، على رغم احتمال حدوث تطورات جديدة قد تؤدي إلى تعطيل الانتخابات”.

وتوقع أنور أن “يعرقل الحزب الديمقراطي الانتخابات في حال إجرائها على الأقل ضمن ساحة نفوذه، أي في محافظتي أربيل التي تعد بمثابة العاصمة ودهوك، ومن دون شك ستقتصر العملية على المناطق الواقعة في نطاق نفوذ حزب طالباني في السليمانية وهلجبة، وإذا ما حصل ذلك فسيكون بمثابة العودة إلى نظام حكم الإدارتين، وحينها فإن بغداد ستتعامل رسمياً مع السليمانية بكونها حاملة للشرعية القانونية، وسيدخل الخلاف بين أربيل وبغداد مرحلة جديدة من الصراع، من المبكر الحديث عن نتائجها”.

شاهد أيضاً

هل تؤثر تظاهرات الجامعات الأمريكية على إدارة بايدن؟

الشرق اليوم– ناشدت الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين إخلاء المخيمات، …