الرئيسية / مقالات رأي / المصريّون بين المصرف المركزي والأمن… المركزي!

المصريّون بين المصرف المركزي والأمن… المركزي!

بقلم: محمد صلاح- النهار العربي
الشرق اليوم– لم تكن قرارات المصرف المركزي المصري الأولى ولن تكون الأخيرة، سواء بتحرير أسعار العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأميركي، أم برفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض. فالحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها، أن الاقتصاد المصري عانى أوضاعاً سيئة نتيجة لظروف دولية وإقليمية عدة، وسياسات وقرارات لم تتّسم بالرشد، ما أدى إلى تحول العملات الحرة والدولار إلى سلع يتهافت عليها الناس ويلجأون إلى تخزينها ثم المتاجرة بها، بينما الجنيه المصري ظل يقاوم محاولات إغراقه في مستنقع التخفيض وفقدان القيمة والفائدة، ولن تكون الأخيرة لأن مصر بلد ديناميكي يعيش فيها أكثر من مئة مليون نسمة يأكلون ويشربون ويعملون، أو يريدون أن يعملوا ويحتاجون إلى سلع، بعضها أو معظمها مستورد من الخارج، وخدمات تحتاج إلى نفقات وموازنات وأموال.

هناك أيضاً البنية التحتية التي تعرضت لعقود للإهمال وعانت الفساد وواجهت تجاهلاً لسنوات، ثم أتت السنة التي حكم فيها الإخوان البلاد لتزيد الطين بلة، بالتوقف تماماً حتى عن صيانة ما هو قائم، إذ تفرغت أجهزة الحكم وقتها لتنفيذ خطط الجماعة بأخونة الدولة والقضاء على معارضيها! فوصلت البنية التحتية في البلاد إلى مستوى مزرٍ من التردي والانهيار، ولم يكن لدولة بحجم مصر وثقلها وكثافة أعداد مواطنيها مواصلة العيش فيها بصورة طبيعية من دون مدن جديدة وتطوير شبكة الطرق فيها وتوسيع رقعة الأراضي الزراعية.

يترقب المصريون عوائد من المشاريع العملاقة التي تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبينها مشاريع الطرق وتنمية قناة السويس والمدن الجديدة والعاصمة الإدارية، إضافة إلى تدفقات استثمارية تضاف إلى الأموال التي حصلت عليها مصر نتيجة للشراكة مع الإمارات في مشروع رأس الحكمة، وتوقيع الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، والدخول في شراكات أخرى لتنفيذ مدن أخرى في شرم الشيخ ومحافظة البحر الأحمر، وكلها ستصب في اتجاه تقوية العملة المحلية وفي الوقت ذاته السيطرة على أسعار العملات الأجنبية وتوحيد أسعار الصرف، وبالتالي تلبية طلبات المستوردين، بما ينعكس على أسعار مستلزمات الإنتاج والسلع المستوردة.

حال التفاؤل بين المصريين لا تخفي شغفهم بمعرفة خطط الحكومة للتعاطي مع انفراج أزمة الدولار، وإعادة ترتيب الأولويات بما يراعي حاجات المواطنين وظروفهم، وقد تبدو مشكلة ارتفاع الأسعار عموماً والسلع الأساسية خصوصاً في مصر معضلة عجزت عن حلها حكومات عدة تعاقبت وراء بعضها البعض، لكن وتيرة ارتفاع الأسعار تصاعدت بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، كما أن انخفاض قيمة الجنيه المصري أدى إلى تآكل مدخرات من دبّروا أمورهم وكيّفوا ظروفهم للتعامل مع مخاوف المستقبل، ما خلق أوضاعاً فسحت المجال واسعاً لتنظيم الإخوان الإرهابي وحلفائه من الناشطين الفارين خارج مصر، الذين يسيرون في ركاب التنظيم، لتصفية الحسابات مع الحكم بصب مزيد من الزيت على نار الأزمة الاقتصادية ومعاناة المواطنين.

لا يمكن القول إن الإخوان وحدهم السبب في تدهور أوضاع الاقتصاد المصري والانخفاض المتواصل لقيمة الجنيه، لكن لا يمكن أيضاً التغافل عن أن الإخوان، على مدى أكثر من 90 عاماً، تمكنوا من التسرطن في معظم مؤسسات الدولة، كما نجحوا في ربط مصالح قطاعات عريضة من الشعب بالجماعة عبر مشاريع خدمية كالمدارس والمستشفيات والأسواق، وبينما كانوا دائماً في حال نشاط، فإن القطاعات الأخرى من المجتمع، بما فيها الأحزاب السياسية، هادئة مستكينة تكاد لا تعمل. وزاد الإخوان من نشاطهم بالطبع بعد إبعادهم عن السلطة، واعتمد زعماء التنظيم وعناصره، داخل مصر وخارجها، على أساليب فيها الكثير من التدليس والأكاذيب لإرباك الحكم وتهديد الدولة وبث الطاقة السلبية وإفشال أي محاولة لتنهض البلاد من عثرتها. فشل الإخوان في حكم مصر وبعدها لم يتوقفوا عن محاولات جر البلد إلى هوة سحيقة، ومنذ ثار الناس ضدهم وتدخل الجيش لإنقاذ الدولة من التفكك، لطموا الخدود وطالبوا بالشرعية واستعدوا العالم ضد الشعب والجيش وعاشوا في دور المظلومين، ومع كل محاولة للدولة للخروج من المأزق الاقتصادي، وبعد كل قرار يهدف الحكم منه إلى تخفيف الأعباء على المواطنين، كان الإخوان دائماً حاضرين لإفساد الفرحة وتبديل التفاؤل بتشاؤم.

كالعادة هاجم تنظيم الإخوان قرارات المصرف المركزي، فالإخوانجية دائماً، منذ حرمانهم من الحكم والسلطة والنفوذ وأموال الدولة، يبشرون أنفسهم بأن الحكم سيسقط قريباً، وينتظرون مشهد لقوات الأمن المركزي في الشوارع والميادين للتعاطي مع غضب الناس واعتراضهم على سياسات السيسي وقرارات الحكومة، وما دام مشهد كهذا لم يشاهدوه فستظل منصات التنظيم على نهجها في مقاومة كل قرار قد تسعى من ورائه الحكومة إلى علاج أمراض الاقتصاد المزمنة وتخفيف حدة أزمة ارتفاع الأسعار. ربما لم يشعر المواطن المصري بعد على أرض الواقع بنتائج صفقة رأس الحكمة أو قرارات المصرف المركزي، لكنهم لم ينسوا بعد أن معارك كانت تقع في عهود سابقة، وضحايا كانوا يسقطون أمام المخابز جراء السباق بينهم على نيل حصص الخبز المدعم، حتى وضعت الحكومة بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 نظاماً لضمان حصول المواطنين على حقوقهم في يسر، ومن دون إهانات أو مشاكل، كما أنهم لا يشكون الآن اختفاء السلع أو ندرتها بل ارتفاع أسعارها مقارنةً برواتبهم أو دخولهم، أما هذه الأمواج العاتية من المعلومات المغلوطة والفبركات المقصودة والمزاعم المتعمدة والتسريبات الاستخباراتية المعهودة والتدليس الإعلامي المتواصل من منصات الإخوان وقنواتهم، فلا يمكن الاعتداد بها، إذ اختلط فيها كثير من الكذب بقليل من الحقائق، وطوفان من الشماتة برذاذ من الإنسانية، وسعي حثيث نحو دفع شعب للموت يأساً رغم أنه لا يهابه!

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …