الرئيسية / الرئيسية / العراق: بوادر الاستقرار في منطقة مضطربة

العراق: بوادر الاستقرار في منطقة مضطربة

الشرق اليوم– لقد هيمنت حالة عدم الاستقرار في العراق على عناوين الأخبار العالمية لسنوات عديدة، ولكن بيانات مؤسسة غالوب الجديدة تظهر أن العراقيين يرون أن بلادهم تقف على أرض أكثر ثباتا.
وارتفعت ثقة العراقيين بمؤسساتهم السياسية والوطنية العام الماضي، حيث بلغت نسبة (56%)، ممن أعربوا عن ثقتهم في الحكومة الوطنية، التي تشكلت في أواخر عام 2022 بعد عام دون حكومة.
ويتجاوز هذا الرقم بسهولة أي مقياس سابق منذ عام 2008، ولكنه يبرز أيضا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث إن الثقة في الحكومة الوطنية في إيران بلغت (60%) وبلغت في الأردن (77%)، أي أكثر ثقة من العراقيين في حكومتهم الوطنية.

ومع ذلك، فإن التداعيات الإقليمية الأخيرة الناجمة عن الحرب بين حماس وإسرائيل قد تشكل اختبارا لثقة العراقيين الجديدة، إذ ردت الولايات المتحدة على هجمات الجماعات المتحالفة مع إيران ضد أهداف أمريكية بضربات ضد المقاتلين المدعومين من إيران في غرب العراق، ومؤخرا قال رئيس بعثة الأمم المتحدة السياسية في العراق إن تصاعد العنف الإقليمي يهدد بتقويض تقدم العراق نحو الاستقرار، مما يجعل البلاد على “حافة السكين”.

غالبية العراقيين يوافقون على قيادة البلاد ورئيس الوزراء
كان العام الماضي هو المرة الأولى -منذ عام 2014 عندما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوما في العراق، واستولى على أجزاء كبيرة من الأراضي، بما في ذلك الموصل- التي وافق فيها أغلبية (51%) من العراقيين على قيادة بلادهم.

وينظر العراقيون الآن إلى قيادتهم بشكل أكثر إيجابية مما هو موجود في العديد من الدول المجاورة الأخرى في الشرق الأوسط، إذ إنه في عام 2019- في بداية احتجاجات تشرين- كان العكس صحيحا: فقد وافق (13%) فقط من العراقيين على قيادة بلادهم، وهي نسبة أقل من العديد من الدول المجاورة في المنطقة.

ومع ذلك، فإن هذه الآراء الإيجابية ليست موحدة في جميع أنحاء العراق، حيث إن أغلب التحسن في تقييمات العراقيين لقيادتهم لم يأت من كردستان العراق، إذ يوافق منهم (29%) على قيادة البلاد، ولكن من أماكن أخرى في العراق، يوافق (55%).
كما حصل رئيس الوزراء الجديد نسبيا محمد شياع السوداني على نسبة تأييد قوي (69%) بين العراقيين في عام 2023، وهي أعلى نسبة سجلتها مؤسسة غالوب لأي زعيم عراقي منذ أن بدأت في تتبع هذا الإجراء في عام 2012، حيث تولى السوداني منصبه في أكتوبر 2022، بعد سنوات من الاضطرابات والاحتجاجات والعنف ضد للحكومة.
العراقيون الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما- القوة الدافعة وراء الحركات الاحتجاجية الجماهيرية التي بدأت في عام 2019- لديهم نفس القدر من الإيجابية تجاه السوداني (68%) مثل العراقيين الأكبر سنا، ومن الجدير بالذكر أن غالبية سكان كردستان العراق (55%) يوافقون أيضا على أداء السوداني الوظيفي (مقارنة ب 71% في بقية أنحاء العراق).
على الرغم من مؤشرات الاستقرار السياسي، لا تزال هناك تحديات طويلة الأمد في نسيج الدولة العراقية، حيث يعتقد (86%) من العراقيين أن الفساد منتشر على نطاق واسع في الحكومة- وهو أحد أعلى المعدلات في العالم، كما يعتقد ثلاثة أرباع آخرين (76%) أن الانتخابات ليست نزيهة في العراق، مما يدل على الطريق الطويل أمام المزيد من الشرعية السياسية.

ارتفاع الثقة في المؤسسات الرئيسية
استمرت ثقة العراقيين بمؤسسات الدولة الرئيسية في الارتفاع في عام 2023، حيث وصلت إلى مستويات قياسية جديدة، وارتفعت ثقة العراقيين في الشرطة المحلية إلى (82%) في العام الماضي، وهي أعلى نسبة مسجلة على الإطلاق، كما وصل الدعم للجيش إلى (82%)، وهو ما يعادل أعلى مستوى قياسيا سابقا منذ عام 2009.
اتبعت الثقة في النظام القضائي نفس الاتجاه، وإن كان بمستوى أقل: (57%) من العراقيين لديهم ثقة في نظامهم القضائي، وهو أعلى إجمالي منذ أكثر من عقد من الزمن.

إشارات اقتصادية إيجابية
إن ثقة العراقيين المتزايدة في جهاز الدولة تقابلها وجهات نظرهم حول الاقتصاد، ففي عام 2023، شعر نصف العراقيين أن اقتصادهم المحلي يتحسن، مقارنة ب (32%) الذين شعروا أن الوضع يزداد سوءا (صافي التفاؤل 18 نقطة)، وبشكل عام، يعد هذا أمراً يدعو للتفاؤل من العراقيين بشأن مسار اقتصادهم المحلي منذ أن بدأت مؤسسة غالوب في تتبع هذا الإجراء في عام 2013.

وهناك إشارات إيجابية تأتي أيضا من سوق العمل: (39%) يعتقدون أن هذا هو الوقت المناسب للعثور على وظيفة، وعلى الرغم من أن (59 %) يعتقدون أن هذا وقت سيئ، إلا أن هذا لا يزال هو الأكثر إيجابية لدى العراقيين بشأن فرص عملهم خلال عقد من الزمن.
ومع ذلك، هناك اختلافات إقليمية كبيرة في التصورات الاقتصادية، وأولئك الذين يعيشون في كردستان العراق (24%) هم أقل من النصف من أولئك الذين يعيشون في بقية أنحاء العراق (55%) للاعتقاد بأن الاقتصاد يتحسن، كما أن كردستان العراق أقل إيجابية بشكل ملحوظ فيما يتعلق بسوق العمل المحلي (23% وقت جيد) مقارنة ببقية مناطق العراق (42% وقت جيد).
ومع معاناة اثنين من كل خمسة عراقيين من أجل توفير الغذاء (39%) والمأوى (40%)، توقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للعراق في عام 2024 بسبب تخفيضات إنتاج النفط – التي يعتمد عليها الاقتصاد بشكل كبير – ولا يزال هناك مجال كبير لتحسين التصورات الاقتصادية لدى العراقيين.

الحد الأدنى
مع اقتراب الذكرى الحادية والعشرين للغزو الأميركي للعراق، وبعد سنوات من الصراع والحرب الأهلية، ترسم تصورات العراقيين صورة أكثر إيجابية من تلك التي التقطتها مؤسسة غالوب منذ أن بدأت استطلاعات الرأي في العراق في عام 2006.
ويبدو أن العديد من التطلعات التي طرحها أولئك الذين دفعوا سياسة حرب العراق- تشجيع الديمقراطية العراقية، وإثارة الفرص الاقتصادية، وتمكين الحكم المحلي- يتمتعون بها الآن المزيد والمزيد من العراقيين.
ومع ذلك، ليس كل العراقيين- وخاصة أولئك الذين يعيشون في كردستان العراق- يرون واقعهم بنفس الطريقة، فإن هذه الاختلافات، إلى جانب التوترات المتصاعدة في المنطقة، والتحديات الداخلية الطويلة الأمد، تعمل بمثابة تذكير بمدى هشاشة الطريق إلى مزيد من الاستقرار.

المصدر: مؤسسة غالوب– بنديكت فيجرز، ومحمد يونس.

شاهد أيضاً

من هم المسيحيّون؟ رحلة عبر الطّوائف والانقسامات

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– “المسيحي”، بأسط التعريفات، هو أي شخص يؤمن بأن يسوع …