الرئيسية / مقالات رأي / ما بين نتنياهو والأسد وخامنئي… المهم أن يبقى الأردن صامداً

ما بين نتنياهو والأسد وخامنئي… المهم أن يبقى الأردن صامداً

بقلم: سمير التقي- النهار العربي
الشرق اليوم– مثل رفيقه فلاديمير بوتين، يستخدم بنيامين نتنياهو الموارد الطبيعية والمياه، دعماً لعدوانه وابتزازه ضدّ كل من يقف في وجهه. لا يسري ذلك على الفلسطينيين وحدهم، لكنه يطال كل علاقات إسرائيل بجوارها الإقليمي ليصبح الابتزاز أداةً يومية لتهديد الأردن أيضاً. يهدف نتنياهو إلى كسر إرادة هذا البلد، أملاً في إذعانه للمطالب الإسرائيلية، والانتقام من مكابرة الأردن في مواجهة مآربه، لعلّه يسهل بذلك مخططاته لتحقيق الترانسفير.

ومثل سيرة سلفه، يبتز بشار الأسد، المملكة الأردنية بصفته مروضاً لزعران الكبتاغون، وراعياً لنشاطهم. بل انّه يعزز علاقاته بهذه العصابات ليكسبها دوراً سياسياً “ثورياً” جديداً.

أما خامنئي وأذرعه الممتدة في ميليشيات الحرس الثوري وأخواتها، فيستمر في تطوير عدوانه، ليتركّز مؤخراً على الأردن! إذ تحتشد الميليشيات الولائية في الشرق والشمال من حدود الأردن، وتكثف تزويدها لعصابات المخدرات بالسلاح، لتتضافر مع جهود النظام السوري طمعاً في ضمّ الأردن لقوسهم الاستراتيجي.

نعم، في اللحظة ذاتها، تتقاطع وتتضافر هذه الأوركسترا الشيطانية الثلاثية في معزوفة مشتركة!.

من جهته، كان نتنياهو يطمح لاستكمال النكبة بـ”الترانسفير”، وتطفيش فلسطينيي الضفة نحو الأردن، بل ثمة من يقول إنّ الباصات كانت جاهزة للمهمّة. لكن مع تطور الحرب في غزة، وفشل المهام التي وضعتها الآلة العسكرية الإسرائيلية لحربها، وتداعي حلم نتنياهو، ينتقل هذا الأخير للانتقام والابتزاز، إذ أعلن انّه قد لا يجدّد اتفاقية المياه مع الأردن التي التزمت إسرائيل بموجبها بتغطية قسم هام من حاجات الأردن للمياه. ومن المعروف انّ هذا الابتزاز سيشكّل تحدّياً استثنائياً لهذه البلاد التي تعاني أصلاً من أزمة مياه خانقة لتلبية الطلب المتزايد على المياه، ناهيك بتحمّلها عبء ملايين المهاجرين من كل حدب وصوب.

ذلك أنّ الأردن قد ولد وطناً للاجئين. فبعد الموجة تلو الأخرى من الفلسطينيين، جاء العراقيون بموجات متتالية، ثم ملايين السوريين، بحيث زاد تعداد سكانه في السنين العشر الأخيرة بما يقرب الـ 10 ملايين.

وبدوره، فاقم هذا الواقع أزمة المياه الحادة أصلاً، لأسباب مناخية وسكانية، حيث لخّص المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والأمين العام الحالي للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تجربة الأردن في عام 2014، قائلاً إنّ “مجرد توفير المياه للاجئين الذين يعيشون في الأردن هو معجزة يومية”. ليأتي نتنياهو الآن ويهدّد بقطع المياه.

يمضي نتنياهو في التهديد بإلغاء “الصفقة الزرقاء الخضراء للشرق الأوسط” لتبادل المياه والطاقة بين الأردن وإسرائيل بوساطة إماراتية وتمويل من شركة “مصدر” الإماراتية، حيث تقوم ببناء منشأة كبيرة للطاقة الشمسية في الأردن، تنتج الكهرباء بحلول عام 2026، ليتمّ تبادلها بين الأردن وإسرائيل مقابل التزام إسرائيل بتوفير المياه المحلاة من ساحلها المطل على البحر الأبيض المتوسط.

لكن مهلاً! مع ابتزاز نتنياهو المرّ للأردن، هناك ابتزاز أمرّ منه من طرف النظام السوري. فقد سبق للأردن ان وقّع اتفاقات لضمان حل مشكلة المياه مع “الشقيقة سوريا”، ورغم الكثير من الغبن الذي فُرض على الأردن في حينه، سرعان ما قامت السلطات السورية بإيقاف تطبيق الاتفاق. فما كان على الأردن إلاّ البحث عن حلول بديلة.

الأنكى، أنّ النظام السوري. بعدما تحوّل لثقب أسود يغرق فيه، صار يصدّر الخراب من حوله، ويهدّد بعمق استقرار محيطه. فبعدما صار الكبتاغون الإنتاج الوحيد المجدي، وسلعة التصدير الرئيسية للنظام السوري، تحوّلت شبكات الكبتاغون سلاحاً اقتصادياً وسياسياً، وهو مضى بعيداً في إغراق الأردن بالمخدرات.

ورغم الجهود الدبلوماسية، ومحاولات التعاون الأمني، يستخدم النظام السوري تكتيكه القديم الجديد، في المناورة والعرقلة والابتزاز. إذ من الواضح انّه لن يتخلّى عن تجارته لصالح “الأخوّة العربية”. على العكس، تفاقمت الأزمة بين الأردن والنظام السوري ومن ورائه إيران حول عمليات تهريب المخدرات والنشاط التخريبي الذي تقوم به التنظيمات التابعة لإيران.

الأخطر هو تضافر جهود عصابات تهريب المخدرات مع الميليشيات التابعة لإيران، لتتحول المخدرات من قضية مكافحة للجريمة إلى خطر على الأمن القومي الأردني.

وهنا يحطنا الجمال عند نظام خامنئي وحرسه الثوري، إذ تستخدم إيران عصابات تهريب المخدرات ذاتها لتهريب الأسلحة. ويتضافر جهدها هذا مع ضغط الحشد الشعبي و”فيلق القدس” بقيادة إسماعيل قآني على الحدود الأردنية – العراقية. تتجمع فصائل الحشد عند معبر طرايبيل الحدودي، بذريعة المطالبة بالوصول الى إسرائيل عبر الأردن لنجدة غزة!.

فبزعمهم، طالما أنّ الطريق إلى غزة يمكن أن تمرّ بصنعاء وبيروت ودمشق بعد بغداد، فلِمَ لا يمرّ بالعاصمة الأردنية. في حين يبدو بديهياً انّها لو أرادات تستطيع أن تعبر نحو القدس من حدود لبنان أو سوريا.

ومع حشود الميليشيات الولائية وزيادة تدفق الصواريخ عبر شبكات الكبتاغون، يتكاثف التهريب نحو الخليج والضفة الغربية، التي يتضح فيها بُعد جديد للهجوم الإقليمي الإيراني الخلاسي لقلب الوضع في الضفة الغربية ضدّ السلطة الفلسطينية.

بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، عزز النظام السوري والميليشيات الإيرانية عمليات تهريب المخدرات والأسلحة نحو الأردن. ولم توقف الجهود الدبلوماسية هذا التدفق، بل تزايدت وتيرة التهريب. ورداً على محاولات التنسيق الأردنية مع السلطات السورية، أوعزت السلطات السورية لعائلات المهرّبين بالتخفي، حيث اضطرت الأردن لشن هجمات مباشرة داخل الأراضي السورية لتدمير مقرات التصنيع والتمويه والتهريب.

إذاً، في الوقت الذي يعلن فيه نتنياهو حرب المياه على الأردن بذريعة موقفه من الإبادة الجماعية في فلسطين ووقوفه في وجه الترانسفير، وفيما تمضي أذرع إيران في حشودها وتهريب الصواريخ، يسعّر النظام السوري هجومه على الأردن بسيل من المخدرات لنشر الفوضى واستكمال الطوق الاستراتيجي الإيراني.

تمكّن الأردن منذ ولادته من البقاء! في حين انهارت وتنهار من حوله دول عديدة، وبعد أن دخله المهاجرون من كل حدب وصوب هرباً من تعسف وعدوان الغرب والشرق، فإنّ استمرار الأردن ما كان ممكناً من دون تماسكه وتماسك المجتمع والدولة الأردنية الجامعة. من دون ذلك لم يكن من الممكن قط درء مخاطر تحوّل الأردن إلى ثقب أسود جديد في الإقليم، يُفرغ فيه المتطرفون صراعاتهم لإنهاء الإقليم.

وإذ تتقاطع جهود نتنياهو والأسد وخامنئي لكسر الشعب الأردني والدولة الأردنية، تصبح قضية الأردن عربية من الطراز الأول، ويصبح تعزيز الاستقرار والتنمية في الأردن مصلحة جوهرية لاستقرار العرب والإقليم.

نعم، تتضافر هذه الأوركسترا الشيطانية في معزوفة واحدة! توحّدها الأهداف ويجمعها خراب الإقليم. ليصبح سؤال الأردن، رهاناً لمجمل قضية السلم والاستقرار في المنطقة.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …