الرئيسية / دراسات وتقارير / نزاع إثيوبيا والصومال… لا أحد يحتمل فاتورة الحرب

نزاع إثيوبيا والصومال… لا أحد يحتمل فاتورة الحرب

بقلم: إنجي مجدي- اندبندنت
الشرق اليوم– تنبىء التوترات في القرن الأفريقي بمزيد من التصعيد المقلق إقليمياً وعالمياً، فالعام الحالي بدأ بأخبار مثيرة تتعلق بتوقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال “صوماليلاند”، وهي منطقة انفصالية تقع شمال الصومال، تتيح لأديس أبابا الوصول إلى ميناء بربرة وامتداد الساحل على طول خليج عدن، وذلك في مقابل اعترافها بأرض الصومال كدولة ذات سيادة.

الإعلان أثار غضباً واسعاً في مقديشو ووضع حجر عثرة أمام المحادثات التي بدأت لتوها بين الحكومة الصومالية وقيادة المنطقة الانفصالية في هرجيسا لتشكيل حكومة صومالية موحدة، في مشهد يثير قلقاً إقليمياً ودولياً في شأن تداعيات أوسع وأكثر خطورة.

تعتمد إثيوبيا في أكثر من 90 في المئة من تجارتها على الموانئ في جيبوتي مما يكلفها رسوماً تبلغ أكثر من 1.5 مليار دولار سنوياً، وفي خطاب ألقاه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما دعا آبي أحمد علناً إلى تمكين إثيوبيا من الوصول إلى البحر الأحمر، استشهد بجنرال إثيوبي من القرن الـ19 وصف البحر الأحمر بأنه “الحدود الطبيعية” للبلاد.

وفقدت إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر في أوائل التسعينيات عندما انفصلت إريتريا، إقليمها آنذاك، بعد حرب استمرت ثلاثة عقود، كما يسعى آبي أحمد لتأسيس قاعدة بحرية للقوات البحرية الإثيوبية، ومن ثَم كان الاتفاق مع الإقليم الصومالي هو المنفذ لتحقيق تلك المساعي.

وإقليم أرض الصومال “صوماليلاند” هو مستعمرة بريطانية سابقة تقع على طول الساحل الجنوبي لخليج عدن وتحدها إثيوبيا من الجنوب والغرب، انفصل عن الصومال عام 1991، لكن لم يعترف به دولياً كدولة مستقلة.

وتعتبر الصومال العلاقات المتنامية والتعاون العسكري بين إثيوبيا وأرض الصومال بأنه “عمل عدواني” واعتداء على سلامة أراضيها، وترتبط إثيوبيا والصومال بصراعات تعود إلى عام 1964، عندما خاضت الدولتان حرباً على منطقة أوغادين في شرق إثيوبيا، التي تعد موطناً لأغلبية الصوماليين، واندلعت الحرب مرة أخرى بعد 13 عاماً في 1977، لكن إثيوبيا، بدعم من القوات السوفياتية والكوبية، ألحقت هزيمة بجارتها بعد صراع دام عامين.

ونظراً إلى عدم الاستقرار المزمن في الصومال وإثيوبيا والسودان، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي للقرن الأفريقي عبر البحر الأحمر من الخليج والتوترات الحالية عند مضيق باب المندب بسبب هجمات الحوثيين على سفن الشحن، يخشى المراقبون من توسع النزاع الذي قد يجذب جهات فاعلة خارجية.

طموح آبي أحمد

آبي أحمد الذي يواجه ضغوطاً داخلية في إثيوبيا، بخاصة في أعقاب الصراع في إقليم تيغراي الذي دمر مساحات كبيرة من البلاد وأدى إلى كارثة إنسانية واقتصاد غير مستقر وتوتر متزايد في منطقتي أمهرة وأوروميا، ربما يبحث عن مشروع جديد يوِّحد بلاده ويدعم موقفه. ومع بداية عام 2024، ظهرت إثيوبيا في عديد من قوائم “الصراعات التي يجب مراقبتها”، حيث يشير عديد من خبراء الأمن إلى أن الوضع السياسي في البلاد غير مستقر بطبيعته ويعتقدون أن العودة إلى العنف قد تكون وشيكة إذا ظلت الظروف من دون تغيير.

ويقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، في نيويورك، إن التقليل من جرأة رئيس الوزراء الإثيوبي وشهيته للمخاطرة هو رهان سيئ، فنظراً إلى عدم قدرته على الاحتفاظ بقاعدة الدعم التي ساعدته خلال حربه مع منطقة تيغراي، وابتلائه بالأمن الداخلي والأزمات الاقتصادية، فقد لجأ إلى مشروع القاعدة البحرية في أرض الصومال باعتباره نقطة وحدة جديدة وخطرة، وكما رفض آبي أحمد التنازل عن شبر واحد في شأن ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير، الأمر الذي أثار غضب المصريين، فهو على استعداد لاستعداء جيبوتي والصومال سعياً لتحقيق طموحاته.

ويضيف مركز الأبحاث الأميركي أن التقليل أيضاً من قوة القومية الصومالية لم يكن رهاناً جيداً على الإطلاق. وتدرك قيادة حركة “الشباب” المنظمة الإرهابية التي أفسدت الصومال وجيرانها منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، هذه الحقيقة جيداً، ومن خلال إدانة اتفاق الوصول إلى الموانئ، تسعى حركة “الشباب” إلى تقديم نفسها كمدافع عن سلامة أراضي الصومال، وتقويض الدعم المقدم للحكومة الفيدرالية الانتقالية التي عملت لعقود مع الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي لمحاولة إعادة توحيد الدولة الصومالية وإخضاع المتطرفين، وهذا التصعيد من شأنه أن يفرض ضغوطاً على الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود للرد على إثيوبيا بقوة أكبر من أي وقت مضى.

وأصدرت حركة “الشباب بياناً” رفضت فيه الاتفاق وهددت بشن حرب على أرض الصومال وإثيوبيا. ودعا المسلحون الشعب الصومالي إلى الدفاع عن بلدهم وحمايته من “المرتدين والخونة”، وتم تنظيم عدة احتجاجات مناهضة لإثيوبيا في المناطق التي تسيطر عليها حركة “الشباب” في جوبا الوسطى وشبيلى السفلى وباكول وجيدو، كما أطلق المسلحون حملة تجنيد واسعة النطاق تدعو الصوماليين إلى الانضمام للدفاع عن أراضيهم من إثيوبيا والأجانب الآخرين.

مصر وإريتريا

إضافة إلى تلك المخاطر المؤكدة للتحرك الإثيوبي، فإن طموحات أديس أبابا أثارت غضب القاهرة وإريتريا مما يهدد بتوسع الصراع بحسب مراقبين حذروا من أن تحول الأزمة إلى حرب بالوكالة تشمل الدول الإقليمية الأخرى وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في حالة تحول النزاع إلى حرب دموية.

ولدى إثيوبيا وإريتريا تاريخ طويل من الصراع، حتى مع تعاون البلدين لمحاربة جبهة تحرير شعب تيغراي في الحرب الأهلية الدموية الأخيرة في إثيوبيا، التي استمرت من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 إلى نوفمبر 2022، وفي ظل التوترات في شأن اتفاق أرض الصومال، واستياء أسمرة من شروط اتفاق السلام بين إثيوبيا وجبهة تحرير تيغراي واستبعادها منه، فضلاً عن حشد إثيوبيا قوات بالقرب من الحدود الإريترية في نوفمبر الماضي، عادت المخاوف في شأن إمكانية إشعال الصراع من جديد في العام المقبل.

ويقول مركز سوفان، المتخصص في قضايا الأمن الدولي، إن التنبؤ بالأزمة الحالية تم قبل أشهر عندما بثت وسائل الإعلام الإثيوبية، في منتصف أكتوبر خطاباً مسجلاً مسبقاً ألقاه آبي أحمد أمام البرلمان ركز على أهمية الوصول إلى البحر الأحمر، ولجأت إريتريا إلى موقف دفاعي، معتقدة أن البيان يعني أن إثيوبيا تحاول الاستيلاء على جزء من أراضيها. ويضيف أنه من المرجح أن تلعب القضايا القائمة الأخرى دوراً أيضاً، بما في ذلك الصراع المستمر حول سد النهضة، حيث تحذر القاهرة والخرطوم من النتائج المترتبة على السد وتأثيره على حصة مصر من المياه.

وحذرت مصر أديس أبابا من المساس بسيادة الصومال، مشددة على رفضها الاتفاق واتهمت إثيوبيا بـ”بث الاضطراب في محيطها الإقليمي”، وفي تحذير مباشر رفض وصفه بأنه تهديد، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الصومالي في القاهرة، إن “مصر لن تسمح لأحد بتهديد أو المساس بأشقائها، خصوصاً إذا طلبوا منها التدخل”، مضيفاً “أن الصومال دولة عربية ولها حقوق طبقاً لميثاق الجامعة العربية في الدفاع المشترك أمام أي تهديد تتعرض له”.
وتابع السيسي موجهاً حديثه مباشرة لإديس أبابا “أقول إن التعاون والتنمية أفضل كثيراً من أي شيء آخر، رسالتي الآن ليست لمصر ولا للصومال لكن رسالتي للإثيوبيين، أن تحصل على تسهيلات مع الأشقاء في الصومال أو في جيبوتي أو إريتريا فهو أمر متاح بالوسائل التقليدية، وأن تبقى لك فرصة أن تستفيد من الموانئ الموجودة في هذه الدول أمر لا يرفضه أحد، لكن محاولة القفز على أي أرض من الأراضي حتى تستطيع السيطرة على تلك الأراضي بشكل أو بآخر مثل الاتفاق مع (أرض الصومال) بالتأكيد لا يوجد أحد يوافق على ذلك”.

وأضاف الرئيس المصري “الصومال دولة عربية، ومن ضمن أعضاء جامعة الدول العربية، ولها حقوق طبقاً لميثاق الجامعة في الدفاع المشترك أمام أي تهديد تتعرض له”، مؤكداً أن “حديثه لا يعد تهديداً لأحد، لكن لكي يفهم الجميع أن مصر لن تسمح لأحد بتهديد أو المساس بالصومال، لا أحد يحاول أن يجرب مصر أو يهدد أشقاءها، خصوصاً لو طلبوا منا الوقوف معهم”.

إثيوبيا تخشى الحرب

ومع ذلك يستبعد المراقبون في المنطقة تورط إثيوبيا في حرب مع الصومال بالنظر إلى ما تواجهه حكومة آبي أحمد من نزاعات وانقسامات داخلية في بلاده. وقال الباحث لدى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية بشير عبدالفتاح، إن الخلاف قد يتحول من سياسي قانوني إلى عسكري إذا أقدمت إثيوبيا على فرض أمر واقع بتنفيذ اتفاقها من خلال البدء في التموضع العسكري لأسطولها قبالة أرض الصومال أو البدء بالفعل في ممارسة الأدوار المتعلقة بالملاحة والتجارة عبر الميناء الجديد.

ويضيف عبدالفتاح “إذا حاولت أديس أبابا فرض الأمر الواقع سيكون اعتداء على سيادة دولة الصومال التي تعتبر أمام المجتمع الدولي دولة واحدة فقط، ومن ثم سيكون من حق الصومال الدفاع عن النفس عسكرياً من خلال حق تطبيق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم يحق لها توجيه ضربات ضد الوجود الإثيوبي على الأراضي الصومالية”.

واستبعد عبدالفتاح أن تقدم إثيوبيا على هذه الخطوة لأن أي تحرك إثيوبي سيؤدي إلى تصعيد عسكري لن يكون في مصلحتها، إذ “من شأن الأمر فتح الملف الإثني في إثيوبيا والانقسامات العرقية بخاصة في إقليم أوغادين، وعلاوة على أنه سيكون من حق الصومال استخدام الوسائل العسكرية حتى لو كان بمساعدة أطراف خارجية”.

ويعتقد مراقبون أن جيبوتي وأسمرة قد تستغلان الانقسامات العرقية والإثنية في إثيوبيا وأرض الصومال، حيث كان سكان منطقة أودال غرب أرض الصومال احتجوا على الاتفاق، ومن المقرر أن يتم بناء الميناء الإثيوبي في مدينة لوغايا.

وأشار رئيس تحرير مجلة “لونغ وور” التابعة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات كاليب فايس، وهو متخصص في قضايا الإرهاب في وسط وشرق أفريقيا، إلى أن أرض الصومال تواجه بالفعل تهديداً داخلياً يتعلق بالميليشيات المسلحة المعادية لإدارتها ومن بينها تلك المتمركزة في أودال والتي نددت بالفعل بالاتفاق مع إثيوبيا، وقد تلجأ جيبوتي التي ترفض الاتفاق الذي من شأنه أن يفقدها موقعها كميناء رئيس للواردات والصادرات الإثيوبية ومن ثم خسارة إيرادات كبيرة وثقلاً جيوسياسياً، إلى دعم ميليشيات أودال سراً لتقويض عمل الميناء المخطط له.

وأضاف فايس أن مقديشو قد تعتمد أيضاً على حركة “سول وسناج وكاين” المسلحة تسليحاً جيداً، في لاس عانود، التي وافق الرئيس حسن شيخ على مضض على الاعتراف بها في أكتوبر 2023 لممارسة الضغط على أرض الصومال من الشرق، ونظراً إلى عدم قدرتها على شن صراع مباشر ضد أرض الصومال، فقد تقوم مقديشو بتسليح أو حتى تفويض ميليشيات “سول وسناج وكاين” للتقدم إلى ما هو أبعد من مواقعها الحالية حول أوج إلى القلب المركزي لأرض الصومال، وفي الوقت نفسه، من الممكن أن يكون الدعم المتزايد لجيش تحرير الأورومو، الحركة التي تخوض تمرداً عرقياً حالياً ضد حكومة آبي أحمد، مطروحاً على طاولة مقديشو.

دفاع مشترك

مثلما لمح الرئيس المصري فإن الصومال ترتبط باتفاق دفاع مشترك مع مصر ضمن ميثاق جامعة الدول العربية، الذي ينص على أنه في حال تعرض إحدى الدول العربية الموقعة على اتفاق الدفاع العربي المشترك لأي عدوان خارجي يتعين على باقي الدول الأعضاء التحرك لنصره الدولة ودرء العدوان التي تتعرض له. ويقول مراقبون إنه بناءً على ميثاق الجامعة العربية يجوز لمصر والدول العربية التحرك فوراً لدعم الصومال في حال نشوب حرب من دون الحاجة إلى تصويت.

وفيما يتحدث مراقبون عن ارتباط الدول العربية بمصالح مختلفة مع البلدين مما يجعل بعضها يمتنع عن الانخراط في عمل عسكري لدعم الصومال، يستبعد بشير أن تصل الأمور لهذا الحد إذ لن تسمح الأطراف العربية والدولية والإقليمية بتطور الأمر لحرب، بالنظر إلى هجمات الحوثيين عند مضيق باب المندب، التي لها انعكاسات على حركة التجارة الدولية لذا لا أحد يريد مزيداً من الصراعات في منطقة القرن الأفريقي.

حذر دولي

أطلق الإعلان الإثيوبي أجراس الإنذار في واشنطن التي ألقت بثقلها خلف الصومال، حيث أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي مايك هايمر، أن واشنطن تعترف بسيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه التي تشمل أرض الصومال، كما حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جميع دول المنطقة على احترام استقلال وسيادة وسلامة أراضي الدول في جميع أنحاء القرن الأفريقي، وأعرب المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي عن قلقه من تطور الأزمة إلى حرب من شأنها أن تقوض الجهود الأوسع في الحرب ضد حركة الشباب.

وبسبب المخاوف من تصاعد العنف بين البلدين، قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز بزيارة مقديشو في 17 يناير (كانون الثاني)، حيث التقى الرئيس الصومالي ومدير وكالة أمن الاستخبارات الوطنية الصومالية لمناقشة التعاون الأمني في المنطقة، ومع ذلك، ففي ظل تركيز الولايات المتحدة على الصراعات في أوكرانيا وغزة، يقول مراقبون إن واشنطن لديها نطاقاً دبلوماسياً وسياسياً أقل بكثير للانخراط في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك أفريقيا.

كما حثت عديد من الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك المملكة المتحدة والصين وتركيا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إثيوبيا على عدم المضي قدماً في الاتفاق، وأكدوا دعمهم لسلامة ووحدة أراضي الصومال داعين إلى الحوار بين البلدين.

ويقول عبدالفتاح، إن “في حال نشوب حرب بين الصومال وإثيوبيا فسوف يتسع نطاقها بشكل لا يحتمل وبناء عليه لا أتصور أن القوى الدولية الكبرى ولا حتى العربية ستسمح بانزلاق الأمور إلى تلك الهاوية لأن العواقب ستكون وخيمة والاقتصاد العالمي لن يستطع تحمل هكذا أزمات، بخاصة أن الوضع في السودان ملتهب، والسياق الإقليمي في غاية التوتر والالتهاب، ومن ثم هناك حذر شديد”، “فالصين على سبيل المثال باتت طرفاً مهماً وتحاول نزع فتيل التوترات بالوساطة نظراً إلى مصالحها وما لديها من استثمارات ضخمة في أفريقيا، ولا تريد أن تتأثر بهذه التوترات والمواجهات”.

شاهد أيضاً

كيف ينظر الأمريكيون إلى نتنياهو؟

الشرق اليوم- أفاد استطلاع للرأي أن 53 بالمئة من الأميركيين لديهم ثقة ضئيلة أو معدومة …