الرئيسية / مقالات رأي / التمويل الأخضر لمستقبل مستدام

التمويل الأخضر لمستقبل مستدام

بقلم: إلهام الشحيمي- النهار العربي
الشرق اليوم– يزداد وعي المؤسّسات والمجتمع الدولي بمشاكل التنمية المستدامة وتزايد حجم القضايا البيئيّة، ولذلك أصبح التوجّه نحو تحقيق اقتصاد أخضر مستدام أمراً لا بدّ منه، بهدف رفع كفاءة استخدام الموارد الطبيعيّة والحدّ من التلوّث. هي كذلك محرّك لخلق فرص عمل جديدة، وزيادة القدرة التنافسيّة للوصول إلى الأسواق ذات المنتجات الخضراء. في هذا التوجّه، يكون التمويل الأخضر هو النموذج الجديد نحو استشراف المستقبل المتوجّه نحو الاستثمارات الخضراء الصديقة للبيئة والمناخ، وواعدة بمكاسب جمّة على كل المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة للأجيال الحاليّة والمستقبليّة.

وبهذا التوجّه، يمكن للنظام المالي المتمثّل في مؤسّسات التمويل الأصغر والبنوك، أن يلعب دوراً كبيراً في الحدّ من مخاطر تغيّرات المناخ، من خلال إعادة توجيه منتجات وخدمات التمويل الأصغر نحو المنتجات الصديقة للبيئة، وبما يعزّز تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ما هو التمويل الأخضر؟
تعتبر الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر كنموذج اقتصادي يهدف إلى تحسين جودة حياة البشر وضمان تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية، مع التركيز على الحفاظ على البيئة والنظام الإيكولوجي. يتسمّ الاقتصاد الأخضر بالاهتمام بالأبعاد البيئية والمساهمة في أهداف التنمية المستدامة، مثل القضاء على الفقر، وتحقيق الصحة الجيدة والرفاه الاجتماعي، وتوفير المياه والطاقة النظيفة، وخلق فرص العمل، والتحرك نحو العمل المناخي.

من ناحية أخرى، يشير مفهوم التمويل الأخضر إلى الأموال والاستثمارات التي تُستخدم لتمويل مشاريع تسعى إلى الحفاظ على البيئة وتقليل التأثير البيئي. يمكن تحقيق ذلك من خلال دعم مشاريع تحمل مسؤولية بيئية، مثل مشاريع الحدّ من التلوث والانبعاثات الكربونية، وتدوير ومعالجة النفايات، وتوليد الطاقة المتجددة. التمويل الأخضر يعكس التوجّه نحو الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية في مجال الاستثمار.

تشمل أدوات التمويل الأخضر الشائعة القروض الخضراء التي تُوجّه لتمويل مشاريع بيئية، والقروض المستدامة التي ترتبط بمعايير الاستدامة، والسندات الخضراء التي تصدر لتمويل مشروعات تعزز الاستدامة البيئية. شهدت السوق العالمية للتمويل الأخضر نمواً كبيراً في الفترة الأخيرة، حيث تزايدت قيم الإصدارات وزاد الطلب على هذه الأدوات المالية.

يعكس الانتشار المتزايد للتمويل الأخضر التزام المؤسسات والحكومات بتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة. يُظهر الشكل الارتفاع الملحوظ في إصدارات السندات الخضراء، ما يشير إلى تزايد الاهتمام والتفضيل للاستثمارات ذات الأثر الإيجابي على البيئة.

الأسباب العالميّة في التوجّه نحو التمويل الأخضر
هناك أسباب عدّة عالمية أدّت إلى التوجّه نحو التمويل الأخضر، ويمكن تلخيص هذه الأسباب كما يلي:
التوجّه نحو استدامة البيئة:
زيادة الوعي بالتحدّيات البيئية وتغيّر المناخ دفعت الحكومات والمؤسسات والمستثمرين إلى التفكير في وسائل للمساهمة في حماية البيئة. التمويل الأخضر يُعتبر وسيلة لدعم المشاريع التي تقلّل من التأثير البيئي وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

التطور التكنولوجي في مجال الطاقة النظيفة:
تقدّم التكنولوجيا في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا البنية التحتية الخضراء، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، أدّى إلى توسّع نطاق المشاريع التي يمكن دعمها بالتمويل الأخضر.

اتفاقيات دولية للحفاظ على البيئة:
توقيع اتفاقيات دولية مثل اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، حيث اتُخذت التزامات لتقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الاستدامة. هذا دفع الحكومات والشركات إلى البحث عن تمويل يدعم تلك الجهود.

الضغط الاجتماعي والشفافية:
ازدياد الوعي العام حول قضايا البيئة والمسؤولية الاجتماعية أدّى إلى اشتداد الضغط على الشركات والمؤسسات لتبنّي مبادرات صديقة للبيئة. يلتزم المستثمرون أيضاً بفحص مدى استدامة استثماراتهم، ما يجعل التمويل الأخضر خياراً ملائماً.

الفوائد الاقتصادية والمالية:
تزايد فهم المزايا الاقتصادية والمالية للتمويل الأخضر، حيث يمكن أن يوفر توجيه الاستثمار نحو مشاريع تكنولوجيا البيئة والطاقة المتجددة فرصاً اقتصادية جديدة، وتعزيز الاستدامة على المدى الطويل.

تشريعات وتنظيمات محفّزة:
تشجيع الحكومات والهيئات التنظيمية على التمويل الأخضر من خلال تقديم حوافز وتشريعات تشجع على المشاريع الصديقة للبيئة وتحمي المستثمرين.

يتأثر التوجّه نحو التمويل الأخضر بتفاعل هذه العوامل، ويعكس الانتقال إلى اقتصاد أخضر واستدامة أفقًا يتجاوب مع التحدّيات البيئية والاقتصادية العالمية.

أهمّيّة التمويل الأخضر
التمويل الأخضر له أهمية كبيرة لأسباب عدة، أهمّها:
الحفاظ على البيئة: يسهم التمويل الأخضر في دعم المشاريع والاستثمارات التي تقلّل من التأثير البيئي وتعزز الاستدامة. هذا يشمل تمويل المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز مشاريع البنية التحتية الخضراء.

تحقيق أهداف التنمية المستدامة: يلعب التمويل الأخضر دوراً مهماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي تشمل القضاء على الفقر، وتوفير الصحة والرفاه الاجتماعي، وضمان توفير مياه نظيفة، وتحقيق الطاقة النظيفة، وتحقيق نمو اقتصادي شامل.

الاستجابة لتحدّيات التغيّر المناخي: يعزز التمويل الأخضر المشاريع التي تساهم في مكافحة تغيّر المناخ وتقليل الانبعاثات الضارة. هذا يساهم في تحسين استدامة البيئة وتخفيف التأثيرات السلبية على المناخ.

تشجيع على الابتكار وتطوير التكنولوجيا: من خلال دعم المشاريع الخضراء، يشجع التمويل الأخضر على الابتكار وتطوير التكنولوجيا النظيفة، ما يعزز التقدّم في مجالات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية.

تلبية احتياجات المستقبل: يساعد التمويل الأخضر في توجيه الاستثمار نحو مشاريع قائمة على الاستدامة وتلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، ما يحقق تنمية اقتصادية طويلة الأمد ويحافظ على الموارد الطبيعية.

جذب المستثمرين وتحسين الصورة الاستثمارية: يُعتبر التمويل الأخضر جاذباً للمستثمرين الذين يشجعون على الاستثمار في مشاريع تحقق أرباحاً مالية وتأثيراً إيجابيًا على البيئة والمجتمع. يساهم ذلك في تحسين سمعة المؤسسات وتكوين صورة إيجابية لديها.

بشكل عام، يسهم التمويل الأخضر في بناء اقتصاد مستدام ومستقبل صديق للبيئة، ويلعب دوراً مهمّاً في تحقيق التوازن بين التطلعات الاقتصادية والاحترام للبيئة والمجتمع.
فوائد التمويل الأخضر
تتنوع فوائد التمويل الأخضر على أصعدة عدة، وتشمل:
المحافظة على البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية: يساهم التمويل الأخضر في دعم المشاريع التي تستخدم تقنيات وممارسات صديقة للبيئة، ما يحدّ من الانبعاثات الضارّة ويحافظ على البيئة والتنوع البيولوجي. ويعزز هذا النهج استدامة الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والمستقبلية.

تحسين كفاءة استخدام الموارد: يشجع التمويل الأخضر على تطوير تقنيات وممارسات تحسن كفاءة استخدام الموارد، ما يقلّل من الهدر ويزيد من فعالية الإنتاج والاستهلاك.

تعزيز التكنولوجيا النظيفة والابتكار: يدفع التمويل الأخضر باتجاه الاستثمار في تكنولوجيا نظيفة ومستدامة، ما يعزز الابتكار ويسهم في تطوير حلول فعّالة لتحدّيات البيئة والمناخ.

توفير فرص العمل: تعزز المشاريع الخضراء التي تحصل على تمويل أخضر من خلق فرص عمل في مجالات مثل الطاقة المتجددة وإدارة النفايات البيئية، ما يساهم في دعم التنمية المستدامة.

تحسين الصورة الاستثمارية: يساهم التمويل الأخضر في تعزيز صورة الشركات والمؤسسات من خلال التزامها بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى جذب مزيد من المستثمرين وتحسين قدرتها على الحصول على التمويل.

التحول إلى اقتصاد منخرط في التنمية المستدامة: يعزز التمويل الأخضر التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة، حيث يتمّ التركيز على المشاريع والصناعات التي تعمل بشكل فعّال على الحفاظ على التوازن بين الاقتصاد والبيئة.

تقليل التكاليف المستقبلية: بفضل تحسين الكفاءة وتقليل التأثير البيئي، يمكن للمشاريع الخضراء تقليل التكاليف على المدى الطويل، سواءً كان ذلك من خلال توفير الطاقة أو تجنّب التكاليف المترتبة على التلوث.

تلخيصاً، يُعدّ التمويل الأخضر أداة فعّالة لتحقيق الاستدامة وتحسين الأوضاع البيئية والاقتصادية، وهو ضروري لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الكوكب للأجيال المقبلة.

مجالات التمويل الأخضر
يشمل التمويل الأخضر مجموعة واسعة من المجالات والقطاعات التي تستهدف تحسين الاستدامة البيئية والاقتصادية. في ما يلي بعض المجالات الرئيسية للتمويل الأخضر:

الطاقة المتجددة:
-تمويل مشاريع الطاقة الشمسية.
-تمويل مشاريع الطاقة الرياح.
-تمويل مشاريع الطاقة الهيدروليكية.
-تمويل مشاريع الطاقة البيولوجية.

البنية التحتية الخضراء:
-تمويل مشاريع النقل العام الصديقة للبيئة.
-تمويل مشاريع إعادة تأهيل وبناء المباني بطرق صديقة للبيئة.
-تمويل تطوير البنية التحتية للتخزين وإدارة المياه.

الزراعة والغابات:
-تمويل مشاريع الزراعة العضوية والزراعة المستدامة.
-تمويل مشاريع حماية الغابات وتحسين إدارتها.
-تمويل مشاريع إعادة تحريج وإعادة تشجير.

التكنولوجيا النظيفة والابتكار:
-تمويل البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا البيئية.
-تمويل مشاريع الابتكار في مجال الطاقة والبيئة.

إدارة النفايات:
-تمويل مشاريع إعادة تدوير النفايات.
-تمويل مشاريع تحسين إدارة النفايات والتخلّص منها بطرق صديقة للبيئة.
الماء والصرف الصحي:
-تمويل مشاريع إدارة المياه وتحسين الكفاءة في استخدامها.
-تمويل مشاريع معالجة الصرف الصحي بشكل صديق للبيئة.
النقل الصديق للبيئة:
-تمويل مشاريع وسائل النقل العامة ووسائل النقل الكهربائية.
-تمويل مشاريع تعزيز النقل الذكي وتحسين فعالية استهلاك الوقود.
التعليم والتوعية البيئية:
-تمويل مشاريع التوعية البيئية وبرامج التعليم حول الاستدامة.

ما قمنا بتعداده سابقاً مجرد أمثلة، وهناك العديد من المجالات الأخرى التي يمكن أن يشملها التمويل الأخضر بما يلبّي احتياجات التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.

مقدّمو التمويل الأخضر
أبرز مقدّمي التمويل المستدام:
الشركات: تُعتبر الشركات مصدراً رئيسياً لتمويل المناخ، حيث تسهم في ذلك من خلال مبادرات المسؤولية الاجتماعية واستثماراتها في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والنقل والبنية التحتية.

البنوك: توفر البنوك نسبة كبيرة من الموارد المالية التي يمكن توجيهها للاستثمارات الخضراء.

المؤسسات المالية الدولية: تدعم هذه المؤسسات توسيع نطاق الاستثمارات الخضراء من خلال اختبار طرق جديدة للتمويل وتوجيه الأموال نحو التنمية المستدامة، مثل السندات الخضراء.

المنظمات الدولية: تقدّم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تمويلًا لمشاريع التنمية المستدامة على الصعيدين الوطني والدولي.

صناديق المناخ: تشمل صناديق متعددة الأطراف مثل صندوق المناخ الأخضر وصندوق التكيّف وصندوق البيئة العالمية وصناديق الاستثمار في المناخ.

الحكومات الوطنية: تحدّد الحكومات الوطنية مقدار التمويل العام المخصّص للاستثمارات الخضراء وتدعم مشاريع الاستدامة.

البنوك المركزية والسلطات التنظيمية: يمكن للبنوك المركزية والسلطات التنظيمية توجيه السياسات واللوائح لتشجيع الاستثمار المستدام وتحديد معايير الاستدامة.

المستثمرون المؤسسون: يشمل المستثمرون المؤسسون، صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية وشركات التأمين.

البورصات: تعمل بعض البورصات كمنصّات خاصة للأوراق المالية الخضراء والاجتماعية والمستدامة.

هذه الجهات تسهم جميعها في تمويل المشاريع ذات الأثر الإيجابي على البيئة والمجتمع، وتدفع نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

في الختام، يظهر التمويل الأخضر بوصفه مفهوماً وآلية مالية متطورة، دوراً حيوياً في تحقيق التنمية المستدامة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي. يشير تزايد قيمة الإصدارات العالمية للسندات الخضراء إلى الزيادة المستمرة في الاهتمام بالاستثمار في المشاريع ذات الأثر البيئي الإيجابي.

الشركات والبنوك والمؤسسات المالية والحكومات والمنظمات الدولية، جميعها تسعى للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولها دور فعّال في توفير التمويل لمشاريع تعزز الاستدامة البيئية وتحدّ من التحدّيات البيئية العالمية.

إنّ التحول نحو التمويل الأخضر يعزز الابتكار ويشجع على تبنّي تقنيات نظيفة وفعّالة من حيث استخدام الموارد. وبالتالي، يسهم في تشكيل مستقبل أفضل للبيئة والمجتمعات، مع الحفاظ على التوازن بين احتياجات الجيل الحالي وتلك للأجيال المقبلة.

على الرغم من التحدّيات التي قد تواجه تطبيق مفاهيم التمويل الأخضر، فإنذ الجهود المبذولة حتى الآن تعكس التزامًا قويًا بتحقيق التنمية المستدامة والعناية بالبيئة. إنّ استمرار هذا التطور والتفاعل الإيجابي سيسهم بشكل كبير في بناء مستقبل مستدام ومزدهر للجميع.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …