الرئيسية / مقالات رأي / ماذا لو عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

ماذا لو عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربي
الشرق اليوم– احتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة في الولايات المتحدة الأميركية، بعد أقل من أحد عشر شهرًا، أصبح جزءًا لا يتجزأ من البحث الإستراتيجي في رسم أفق العالم، ليس بدءًا بعام 2025 بل من الآن!

وفي هذه المرحلة، لا يستبعد كثيرون إمكان عودة ترامب إلى البيت، فهو في ديناميّة تصاعديّة ضمن حزبه الجمهوري وفي الرأي العام الأميركي، في وقت ينقسم فيه الناخبون في الحزب الديموقراطي حول الرئيس جو بايدن وتتدهور شعبيّته على امتداد البلاد.

وفي اعتقاد هؤلاء، فإنّ الرئيس جو بايدن، حتى لو حصل ما من شأنه إبعاد ترامب عن السباق إلى البيت الأبيض، مثل قرار صادم يصدر عن المحكمة العليا للولايات المتحدة الأميركية يتصل بعدم أهليته، سوف يواجه صعوبات كبيرة قد تحول دون بقائه في منصبه لولاية ثانية.

ماذا تعني احتماليّة عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟

من الواضح أنّ الحلفاء والخصوم يتحضرون لذلك، فالاتحاد الأوروبي سوف يكون، مجددًا في صدام مع الحليف الذي طالما رفض طريقته في التعاطي مع بلاده، إذ صوّرها على الشكل الآتي: يتكئون علينا عسكريًّا ويتدللون علينا اقتصاديًّا ويتفلسفون علينا سياسيًّا!

وتبدو فرنسا أكثر دولة “مرتاحة” إلى تعاطي الاتحاد الأوروبي مع احتماليّة عودة دونالد ترامب، لأنّ ذلك يسرّع في التعامل الجدي مع الخطة التي سبق أن اقترحها رئيسها إيمانويل ماكرون والقاضية بتوفير الاستقلال الدفاعي لهذا الاتحاد، في ظل ترقب تصاعد التنافس والاستقطاب، في السنوات المقبلة، بين الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، وجمهورية الصين الشعبية، من جهة أخرى.

وقد بدأ الاتحاد الأوروبي، منذ غزت روسيا أوكرانيا، تزخيم نفسه، فرفع ميزانيّاته الدفاعيّة وحدّث سلسلة تصنيع الأسلحة والذخائر ورفع مستوى التجنيد في جيوش بلاده المحترفة.

وهذا يعني أنّه في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإنّه سيفاجأ إيجابًا بأنّ كثيرًا من انتقاداته للاتحاد الأوروبي، الشريك الكبير في حلف شمال الأطلسي، قد أُخذت في الاعتبار، بحيث جرى تنفيذ بعضها ويجري تنفيذ بعضها الآخر.

زعيم الكرملين فلاديمير بوتين، وفق التقارير الإستراتيجية، يظهر متحمّسًا لعودة “صديقه” دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فهو، قياسًا على ما كان قد اتخذه في ولايته الأولى من قرارات وأطلقه من مواقف، يضعف الاتحاد الأوروبي، ويخلخل صلابة حلف شمال الأطلسي، ويعطيه إمكانية للخروج بأكبر حصاد من حربه ضد أوكرانيا التي قد تجد نفسها بلا دعم أميركي كبير!

وهذا ما تدركه الدول الأوروبيّة التي بعدما كانت، في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا مترددة، بسبب التحديات العسكرية والمالية والتسلّحية والاقتصادية، في الوقوف في وجه الاتحاد الروسي، بدأت تقتنع، بعدما تكبدت الأثمان ورسمت استراتيجيات جديدة، بأنّ السماح بهزيمة أوكرانية يعني هزيمتها هي، وبالتالي تتصرّف، منذ الآن، على قاعدة أنّها مسؤولة عن تعويض أيّ نقص يمكن أن ينتج من سحب واشنطن لدعم كييف، وهذا ما يتجلّى في الاتفاقيات الثنائية التي تعقدها الدول الأوروبية مع أوكرانيا وهي تتضمن إنشاء مصانع أسلحة متطورة داخل أوكرانيا نفسها لتُعفيها من الحاجة الملحة إلى المساعدات الخارجية.

ولن تكون دول الخليح أقل سعادة بعودة “رئيسها المفضل” دونالد ترامب، بغض النظر عن أنّها تدبرت أمرها جيّدًا مع إدارة جو بايدن، إذ إنّ نظرة الرئيس السابق المتشددة إلى إيران، سوف يعطيها هامشًا أكبر في السعي إلى عقلنة هذه الدولة التي يخشى الخليجيون، على الرغم من الاتفاقات المعقودة معها، من شهيّتها الكبرى للهمينة على القرار في العالم العربي عمومًا وفي الخليج خصوصًا.

ولو قُدّر لرئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو أن يبقى في منصبه إلى حين عودة ترامب، فإنّه من دون شك سوف ينظم احتفالًا ضخمًا بالمناسبة، فهو لم يتبادل يومًا الود مع الرئيس جو بايدن الذي ينتمي إلى جيل يحسب أنّ إسرائيل هي ولاية أخرى من الولايات المتحدة الأميركية. ولم يظهر ترامب الذي كان قد نقل سفارة بلاده إلى القدس، أيّ هوس بحل الدولتين، مثلما يفعل بايدن، كما لا يعاني الحزب الجمهوري من مبادئ تيّار يساري يعادي إسرائيل.

ولن يقف ترامب ضد مخططات إسرائيل الحربيّة، ما دامت التكلفة البشريّة على بلاده منخفضة فيما تكلفتها المالية ضمن المقبول.

في المقابل، فإنّ إيران التي بدأت بمحاكمة ترامب غيابيًّا بتهمة اغتيال الجنرال قاسم سليماني، لن تسعدها عودة ترامب، وسوف تجد نفسها أمام خيار من اثنين: تصعيد المواجهة إلى حدود المغامرة الكبرى أو التراجع إلى هوامش الأمان.

وهذا سوف يلقي أعباءً ضخمة على تنظيمات “جبهة المقاومة” التي عليها أن تتحضر هي الأخرى لواحدة من أدق مراحل صراعاتها على الإطلاق.

ولن تكون الصين في وضعية المفاضلة بين بايدن وترامب، إذ إنّ الرجلين في التعامل معها، يخضعان لمعادلات التنافس والتجاذب، وهي قد تفضل – وفي هذا ستجد في روسيا حليفًا كبيرًا – إخراج الولايات المتحدة الأميركية من انتخاباتها الرئاسيّة ضعيفة ومشرذمة وغارقة في مشاكلها السياسيّة. ولتحقيق ذلك، لدى هاتين الدولتين قدرات “سيبرائية” هائلة للتأثير على الرأي العام الأميركي.

ولكن كل الدول لن تنتظر ما سوف تخرج به صناديق الاقتراع من نتائج، فهي تتحضر منذ الآن للتغييرات، فجو بايدن، في آخر سنة من ولايته الأولى، لن يستطيع أن يكون ما كان عليه في سنواته الثلاث السابقة، فعليه أن يبدي حزمًا أكبر في التعاطي مع الملفات الشائكة المطروحة أمامه، سواء على المستوى الصيني أو الروسي أو الشرق أوسطي والأوروبي.

وهذا الحزم قد يدفعه إلى تصعيد المواجهة مع الحلفاء والخصوم معًا.

وفي موضوع الشرق الأوسط، مثلًا، قد يجد بايدن نفسه مضطرًّا إلى التصعيد ضد إيران وأدواتها في المنطقة ليوازن مع التصعيد الذي يمارسه ضد بنيامين نتنياهو ليتقاطع معه في نظرة واحدة إلى مستقبل غزة، كجزء لا يتجزأ من دولة فلسطينية واحدة.

وفي هذا السياق، يجد بايدن في المملكة العربيّة السعودية حليفًا، فهي على الرغم من الحرب الطاحنة ضد غزة، لا تزال تعبّر عن إيمانها بالتطبيع مع إسرائيل، شرط أن تقبل الدولة العبرية برؤية بايدن لحل الدولتين.

وفي ذلك تتحضر الرياض أيضًا لكسب أكبر قدر ممكن من التحديات الإستراتيجية، قبل وصول “الصديق البراغماتي” إلى البيت الأبيض.

كانت الحكمة تنصح سابقًا بأن “احفظ رأسك عند تغيير الدول”. حاليًا تبدو أن الحكمة تحوّلت إلى “استعد جيّدًا عند تغيير الرئيس الأميركي”!

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …