الرئيسية / مقالات رأي / واشنطن وطهران… اتفاق على “لا حرب مباشرة”!

واشنطن وطهران… اتفاق على “لا حرب مباشرة”!

بقلم: يوسف بدر – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- تزامناً مع ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني في الثالث من كانون الثاني(يناير) 2020، تبنّى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الانفجارين القويين اللّذَيْن وقعا على طريق قبر اللواء سليماني في مدينة كرمان وسط إيران، ما وضع الدولة الإيرانية في حرج أمني.

لكن طهران سرعان ما وجهت أصابع الاتهام نحو إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، بخاصة أن هذه الهجمات جاءت بالتزامن مع تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية الحرب الدائرة في غزة، وهو ما يؤكد أن الجماعات المتطرفة لم تكن تعمل مستقلةً، بل تعمل بالوكالة لمصلحة مموّليها تحت شعار وحدة الأهداف.

وإن كانت الضربات الأميركية والبريطانية التي تلقاها الحليف الإيراني في اليمن (جماعة الحوثي) فجر الجمعة الماضي، 12 كانون الثاني، قد زادت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في المنطقة، لكن علينا إدراك أن هذا الصراع ما زال محصوراً داخل دائرة الوكلاء، وأن إيران والولايات المتحدة الأميركية لا تسعيان إلى حرب مباشرة، وهو ما ظهر  بوضوح بلسان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قال عقب الهجوم على معاقل الحوثي إن “الولايات المتحدة ليست منخرطة في حرب بالوكالة مع إيران وإيران لا تريد حرباً معنا”.

لقد كذب بايدن في الأولى وصدق في الثانية، فإيران ما زالت تتعامل باستراتيجية الصفعات المتبادلة مع الولايات المتحدة في إطار الحرب بالوكالة، وإذا نظرنا إلى الهجمات المتكررة على القواعد العسكرية والمقار الدبلوماسية الأميركية في العراق، من جانب الجماعات الشيعية المسلحة الموالية لإيران، التي تلقت هي الأخرى صفعة أميركية أودت بحياة القيادي في الحشد الشعبي مشتاق طالب السعيدي (أبو تقوى)، فإن إيران قادرة بحجم ميليشياتها الموالية أن تطارد القوات الأميركية داخل العراق ولا تنتظر قرار حكومة بغداد لإخراج هذه القوات، لكنها لا تريد حرباً مباشرة مع أميركا.

والهجوم الذي نفذته القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة على اليمن لم يكن مفاجئاً لإيران، فاجتماع مجلس الأمن، الثلثاء 9 كانون الثاني بشأن أمن الملاحة في البحر الأحمر، وتبنيّه للقرار الرقم 2722 ضد اليمن، كانت الخارجية الإيرانية تدرك أن هذا القرار هو للتغطية على عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وكانت تصريحات مندوب إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيروني، توحي بأن بلاده تدرك جيداً الغرض من هذا الاجتماع، ولذلك حذر في كلمته “الولايات المتحدة من أي خطوة استفزازية أميركية قد تعرّض الأمن والسلام في المنطقة للخطر”.

لا حرب مع إيران

بدتْ من تصريحات الرئيس بايدن الخشية من اتساع دائرة الحرب مع إيران، فالهجوم على جماعة الحوثي هو مبررٌ لامتلاكها صواريخ بالستية مضادة للسفن، أُطلقت للمرة الأولى ضد السفن الأميركية والإسرائيلية. لكن إعلانه أسماء الدول المشاركة في ذلك الهجوم، وتأكيده أن تلك الضربات كانت دفاعية؛ يعنيان أن واشنطن لا تريد فتح حرب مباشرة مع طهران، وتريد إظهار الأمر وكأنه قرار دولي،بخاصة أن تلك الضربة بدت كأنها رمزية باستهدافها أماكن تقليدية لجماعة الحوثي وسبقتها تحذيرات متكررة كي يتخذوا حذرهم، ناهيك بأن الضربات على تلك الجماعة داخل الأراضي اليمنية ليست بالجديدة سوى على الجانب الإعلامي وتزامنها مع تصاعد التوتر على خلفية حرب غزة!

صحيح، ربما تقلق الولايات المتحدة من “وحدة ساحات المقاومة” التي أطلقتها إيران في تصعيدها المعلن تحت سياسة الضغط من أجل إيقاف العدوان على غزة. لكن واقعياً فإن الهجمة الأميركية قد خدمت جماعة الحوثي، فقد أخرجتها من تصنيف الجماعة المسلحة الموالية لإيران إلى تصنيف الجماعة التي تعمل ضمن محور المقاومة دعماً لغزة والقضية الفلسطينية. وهو ما يُعقّد المسألة على دول الخليج وبخاصة السعودية التي تسعى إلى وقف الحرب مع الحوثي في إطار مصالحتها مع إيران في آذار/مارس 2023، وهو ما يفسر عدم مشاركتها في التحالف ضد الحوثي، وكذلك بيانها الذي طالب بـ”ضبط النفس”.

ومن جانب إيران، فإن استيلاءها على ناقلة النفط الأميركية، “نيكولاس إس تي”، في مياه بحر عمان، الأربعاء 10 كانون الثاني، بدا أيضاً تصعيداً ضد الولايات المتحدة، لكن الأمر متعلق باختيار التوقيت لإيهام العالم بذلك، لأن الأمر كان توظيفاً لحادثة سابقة حيث صادرت الولايات المتحدة شحنة نفط إيرانية على متن ناقلة نفط تحمل اسم “سويس راجان” في نيسان/أبريل 2023.

وتعلم الولايات المتحدة أن تلك الضربة لن توقف عمليات الحوثي، وأن هذه الجماعة لا تأبه بالقانون الدولي ولا تعترف بمجلس الأمن، ما يعني أن عملياتها لن تتوقف ضد السفن الإسرائيلية، وكأن واشنطن كانت تستجمع الضغوط الدولية على إسرائيل لا على إيران، فوقف إطلاق النار في غزة هو السبيل الوحيد لحماية التجارة الدولية في مياه البحر الأحمر، وحماية الولايات المتحدة أيضاً من الانزلاق في مستنقع الشرق الأوسط على حساب استراتيجيتها نحو آسيا.

تبادل الرسائل

يبدو أن واشنطن قد فطنت إلى أن طهران تستفيد من فصائلها المسلحة في إيصال الرسائل والتواصل مع الغرب. ولذلك رد بايدن بالمثل قائلاً إن “رسالته قد وصلت”!

ما يعني أنه لا استبعاد لاتساع الحرب في منطقة الشرق الأوسط على مستوى الفصائل وكذلك الرد عليها، بخاصة أن السقف الزمني للحرب في غزة ما زال غير محدد، وأن الضربة التي تلقاها الحوثي جاءت بعدما أضرّت عملياته بالاقتصاد العالمي.

ومع ذلك تظل كل الاحتمالات واردة تحت سقف لا حرب كبرى في المنطقة، فإذا نظرنا إلى الرسالة التي أفصح عنها السفير الإيراني لدى دمشق حسين أكبري، بأن واشنطن بعثت إلى طهران عبر وسيط خليجي من أجل حل الأزمة في المنطقة برمّتها وليس فقط التفاوض على جانب واحد منها. وقد أتى ذلك وسط ما تردد في الإعلام اللبناني بأن أميركا تسعى إلى تكرار تجربة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، ولكن هذه المرة في خصوص الحدود البرية من أجل تفعيل القرار الأممي 1701 المتخذ في 11 آب/أغسطس 2006، الذي مهمته إبعاد “حزب الله” اللبناني من الحدود مع الأراضي المحتلة. وكذلك الخطوة التي أعلنتها الحكومة العراقية بالعودة إلى محادثات سابقة مع الولايات المتحدة لجدولة أو وضع خطة لانسحاب قواتها من الأراضي العراقية، عقب الهجمات المتبادلة مع فصائل مسلحة موالية لإيران.

إن تلك التحركات تبدو كأنها رسائل للتهدئة مع إيران، وليست للذهاب للتصعيد معها كما يتصور البعض، فسياسة الولايات المتحدة قبل عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت قائمة على الحد من التوتر مع إيران وصولاً إلى المفاوضات بهدف التركيز على الصين القوة الصاعدة في آسيا.

ولكن في هذه المرحلة الآنية، تم جر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى مستنقع الشرق الأوسط، ودخلت مع إيران في مرحلة جديدة قوامها إدارة التوتر حتى لا يذهب التصعيد بعيداً.

بل حتى ما تناوله الإعلام الإيراني من أن طهران رفضت طلباً أميركياً بالعودة إلى محادثات سرية ما دامت الحرب مستمرة في غزة، وكذلك ما دام يتم استهداف مسؤولين عسكريين من إيران وحلفائها، هو مؤشر إلى جدية أمر الرسائل بين واشنطن وطهران، والى أن الأخيرة تستجيب للمفاوضات في إطار سياسة خفض التوتر التي هي هدف مشترك بين الطرفين، وأن استفادتها من الفصائل الموالية لها في حرب كبرى، التي هي بمثابة قنبلة نووية بديلة في وجه إسرائيل، لم يحن وقتها بعد، إلا إذا تعرضت الأراضي الإيرانية لهجوم مباشر!

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …