الرئيسية / مقالات رأي / خلاف “حماس” والسلطة… ثغرة إسرائيل في الحرب على غزة

خلاف “حماس” والسلطة… ثغرة إسرائيل في الحرب على غزة

بقلم: منير أديب- النهار العربي
الشرق اليوم– شارفت الحرب في غزة على انتهائها، وما هي إلا أيام ويتم الإعلان عن صفقة تبادل جديدة للأسرى يتزامن معها وقف موقت أو دائم للنّار؛ ولكن بدأت الخلافات الفلسطينية تطفو على السطح، وبخاصة بين “حماس” و”السلطة”؛ فالحركة ترفض أي محاسبة أو حتى انتقاد لها أثناء الحرب وبعدها، بينما ترى السلطة أنها مكلفة من منظمة التحرير، الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين بإدارة الحكم والحديث باسم الشعب حتى الوصول إلى مرحلة إقامة الدولة الفلسطينية، فهي ترى حقها في محاسبة أي فصيل على أي سلوك من حيث المبدأ.

الخلاف الفلسطيني لم يظهر فجأة ولكنه مُتجذر ما بين الحركة والسلطة منذ الانقلاب الشهير في عام 2007 أي قبل 16 عاماً؛ وهو ما حاولت أنّ تُرسخه إسرائيل من خلال دعم الحركة في القطاع طوال عقد ونصف من الزمان، معتقدة أنها سوف تكون مستفيدة من هذا الانقسام، بخاصة أنها تُزيح السلطة من طريقها ولكن من خلال حركة “حماس” ذات الشعبية الأكبر في القطاع.

هنا كان التناغم واضحاً بين الحركة وإسرائيل، صحيح أن لكل منهما أهدافه، ولكن خسرت القضية الفلسطينية من وراء هذا الانقسام وربما سوف تخسر كثيراً بسبب عدم ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، خسارة ليست أقل مما خسرته جراء الحروب التي شنتها إسرائيل ومحاولة ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهو ما تُحاول أن تلعب عليه خلال فترة ما بعد الحرب التي لم تكسب منها شيئاً يُذكر على الأقل حتى هذه اللحظة.

إسرائيل تهدف استراتيجياً إلى توسيع مساحة الخلافات بين الحركة والسلطة ربما أكثر مما حدث خلال سنوات الانقلاب الفائتة، بخاصة أن ضغوطاً شديدة تمارس عليها من أجل إقرار حل الدولتين، الذي تُماطل فيه الحكومة المذبوحة بعد أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وبالتالي هي مضطرة لاستخدام أدواتها في استمرار هذا الانقسام، هذا ما لم تُدركه القيادة العسكرية للحركة رغم التوجه السياسي من خلال مكتبها بضرورة الانفتاح على مصالحة تُنهي الصراع مع السلطة.

ما فائدة المكتب السياسي للحركة ما دام الجناح العسكري هو من يفرض إرادته على القرار “السياسي” لا “العسكري”؛ ما لم يتم الموافقة عليه في الماضي ينبغي مناقشته الآن بقلب مفتوح وبحرص شديد على إتمام المصالحه والموافقة عليها، وهذا ليس بضعف ولكنه استكمال لأدوات الانتصار في المعركة التي ما زالت تدور رحاها في غزة.

لا بد من أن تتحلى الحركة والسلطة بالصبر حتى إتمام المصالحة بصورة كاملة، وأن تنفتح كل منهما على الأخرى، فقد باتت هذه المصالحة فرض عين وواجب لا يمكن الاستغناء أو التنازل عنها؛ التنازل عن المصالحة لا يقل عن جريمة التنازل عن الأرض الفلسطينية، تحقيقها يُضاف إلى نضال السلطة والحركة معاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، تنحية الصقور من كلا الجانبين مهمة لاستكمال الأهداف وحتى تتم على أسس سليمة ودائمة.

كذلك لا بد من أن تتعامل السلطة بمنطق أبوي فتحتضن الحركة وتدمجها معها في منظمة التحرير، وأن تكون جزءاً من الحكومة المقبلة وفق قاعدة الانتخابات، سواء التشريعية أم الرئاسية. لا بد من أن يخلع الجميع عباءته السياسية حتى يكون معبّراً عن الحلم والحق الفلسطينيين في أي موقع قيادي؛ إذا تحلّت السلطة والحركة بالمسؤولية فسوف تنجح جهود إقامة الدولة الفلسطينية رغم التحديات التي تواجهها.

في تقديري أنّ أزمة فلسطين ليست في نضالها؛ فالشعب الفلسطيني قدم تضحيات لا يمكن حصرها وسوف يظل يُقدم الكثير، ولكن الأزمة في توحيد الكلمة والصف الداخلي داخل البيت الفلسطيني الواحد؛ هذه الخلافات موجودة داخل إسرائيل لكنها تتجاوزها لأنها تؤمن بالقيم الديموقراطية التي تمنحها القدرة على هضم أي خلافات سياسية، وهنا تبدو القاعدة الذهببية في ضرورة المصالحة.

الفلسطينيون تربوا على المقاومة للدفاع عن أرضهم ولكنهم افتقدوا في الوقت نفسه التنشئة على القيم الديموقراطية الكفيلة بحل أي خلافات بينهم. هي في الحقيقة صحيّة ولكنها مضرة في الوقت نفسه إذا استمرت بهذه الصورة؛ وهذا ما أفشل كل محاولات لملمة الصف الفلسطيني على مدار 16 عاماً، ويُسأل الجانبان عن سبب ضياع الحق الفلسطيني بسبب هذا الانقسام.

نحن لا يمكن أن نُساوي بين الحركة والسلطة، فالأولى مجرد حركة مقاومة، أما الثانية فهي سلطة شرعية وممثل للشعب الفلسطيني، ممثل وحيد وشرعي، الأولى هي من انقلبت على السلطة وليست الثانية، ولكن فلسطين تبدو أمام مرحلة فارقة في تاريخ القضية، ومن هنا يجب أن يتنازل فيها الجانبان من أجل تحقيق الحلم والحق الفلسطيني، فرغم التحديات الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون بسبب هذه الحرب، إلا أنّ تحقيق حلم دولتهم بات الأقرب في هذه المرحلة، التي يقف الانقسام عقبة أمامها.

ولذلك من المهم أن يجتمع الرئيس محمود عباس مع كل من رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة إسماعيل هنية ورئيس المكتب السياسي في الخارج خالد مشعل، مع قيادات من السلطة مثل عزام الأحمد ومحمود الهباش، وهناك غيرهم الكثير، برعاية مصرية، وأن توضع خطوط عريضة للقاء الأول بهدف تجاوزها والانتقال منها لما هو أعقد حتى تتم المصالحة بصورة صحيحة؛ فلا مستقبل للحركة من دون هذه المصالحة، ولا يمكن للسلطة أن تحكم غزة من دونها أيضاً، وبالتالي الخاسر الوحيد من الانقسام هو الدولة الفلسطينية “المتخيلة” والتي يسعى الطرفان للفوز بها.

القاهرة هي الأقدر على رعاية هذه المصالحة وعلى الخروج بنقاط اتفاق يمكن الارتكاز عليها في مصالحة تاريخية، إذا خلصت نيات الطرفين؛ وعليهما أنّ يدركا أن ميدان المقاومة الحقيقي في الإجماع الفلسطيني والمصالحة وليس في حمل البندقية ولا ممارسة سلطة الحكم؛ فكل صور النضال تأتي بعد الإجماع الفلسطيني لا قبله.

ولذلك على “حماس” والسلطة أن تغلقا ملف الانقسام بالكامل، فلا حديث في الماضي ولا محاسبة حتى يتم تجاوز نقاط الخلاف ووضع اللبنات الأولى للمصالحة، وعلى كل منهما ألا يتحسس من صنيع الآخر في الماضي حتى يكون ذلك منطلقاً للقرار الفلسطيني الرشيد، الذي تُشارك فيه السلطة الجامعة لكل مكونات الشعب الفلسطيني.

خطة إسرائيل سوف تتركز في إحداث ثغرة في ما حققه الفلسطينيون من انتصار على مدار قرابة ثمانين يوماً من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ فهل تنجح السلطة وكل حركات المقاومة في مقاومة ثغرة إسرائيل المحتملة؟ أم كُتب على الشعب الفلسطيني أن يواجه الاحتلال الإسرائيلي ونكبات قادته بسبب اختلافهم؟

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …