الرئيسية / مقالات رأي / عام من إنجازات الخيبة!

عام من إنجازات الخيبة!

بقلم: عزالدين سعيد الأصبحي – النهار العربي

الشرق اليوم- قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في أشهر رسالة له إلى مجلس الأمن وأظنها آخر رسائله، أنه لا “وجود لمكان آمن في غزة”، ولا حماية فعالة للمدنيين.

وأظن أن علينا أن نضيف أن لا مكان آمناً في العالم، فهناك حالة من تصدير القلق على مختلف المستويات، وكلها تصب في نزع الأمان من داخل نفوسنا كبشر.

والرسالة الشهيرة للأمين العام في نظري مجرد خطاب تطهير قبل أن يغادر الموقع الدولي، والأهم: هل يبقى النظام الدولي بصورته الحالية قائماً، أم هي بداية النهاية؟

 فقد أظهرت الأمم المتحدة بعد ثمانية عقود أنها نظام هرم وصار بعجزه يضر أكثر مما يفيد!

نحن في عالم لا مكان فيه للحظ، كما لا يمكن أن يُدار بحسن النيات، ومفارقات هذا العام لا تتيه أبداً، هو عام الدهشة بامتياز، فحتى الرمق الأخير وهو يصعقنا بمفارقاته، مفارقات لهزلها وعجبها تحتاج مؤرخاً خفيف الظل يكتب عنها لا مفكراً يبحث في عمق المتغيرات!

نحن نختتم عاماً في عد الشهور وحساب التقويم، ولا نختتم مسار سنة لم تنته بانتهاء شهر كانون الأول (ديسمبر)، فإذا كان آخر شهور العام لكنه ما زال مفتتح درب الآلام.

ومن منبر الأمم المتحدة لا غيره حيث أبرز تجليات إنجازات القرن تجد المفارقات المذهلة.

أميركا تتصدى لقرار العالم من أجل وقف الحرب في غزة، قرار  المطالبة بوقف الحرب إنسانياً، والخطوة بناءً على رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي استخدم فيها المادة 99، وتلك أكبر خطوة دستورية في نظام المؤسسة الدولية.

أميركا ضربت بالحقوق الإنسانية عرض الحائط، ورفضت وقف حربها الإسرائيلية ضد القضية الفلسطينية برمّتها.

وفي الرواق الآخر من المنظمة الدولية العتيدة، يحتفل العالم نفسه بالذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويخرج المسؤولون أنفسهم الذين يرفضون وقف الحرب يدعون العالم إلى تعزيز التزامه بالقيم الخالدة المكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي هو بمثابة خريطة طريق تهدي إلى السبيل لإنهاء الحروب ورأب الانقسامات وتعزيز العيش في سلام وكرامة للجميع.

وفي اللحظة نفسها كانت شحنات الأسلحة ترسل من أجل ضرب غزة، ولوبيات مصانع الأسلحة ومصارف عابرة للقارات تعيد صياغة مغانم العالم، وتوزيع خريطة نزاعاته بما يضمن تدفق الدماء والأموال.

ليس هناك إمكان لاختلاق مشهد غرائبي في الدراما مثل ما يصوره هذا الواقع نفسه.

نذهب بوفد يمثل الأمة العربية والإسلامية إلى الكونغرس الأميركي لأجل فلسطين فيطلب ألا يدخل ممثلها مع الوفد إلى الكونغرس، ثم تلتهب الأكف الأميركية بالتصفيق للديموقراطية.

وفي الوقت نفسه الذي يجتمع فيه قادة العالم من أجل الاقتصاد والثورة الرقمية، تقول الأمم المتحدة نفسها، إن ‏أكثر من طفل واحد بين كل خمسة يعيش في فقر في 40 دولة من أغنى دول العالم.

فأي أرقام مدهشة وأي إنجاز أهم من إنهاء الجوع؟ ونحن في عالم مولع بالأرقام وصنع الآلام، فهنا إحصائية تقول إن حصيلة الاشتباكات المسلحة التي شاركت فيها قوات الدول أو الجماعات المتمردة في هذا العام 2023، بلغت 8622 حدثاً، بحسب قاعدة البيانات لمواقع الصراع المسلح ومشروع بيانات الأحداث (ACLED)، وتلك إحصائية زادت في الأسابيع الماضية فقط.

أما ونحن نكتب من أروقة الأمم المتحدة وحمى ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأصوات الديموقراطية والمساواة التي تُطاح في الشوارع، فلا مناص من ذكر أن في غزة وحدها يشهد العالم المذبحة الجماعية للصحافيين، وهي واحدة من تلك الفظائع (في غزة). فبحسب لجنة حماية الصحافيين، يعدّ هذا الصراع الأكثر دموية للعاملين في مجال الإعلام على الإطلاق، وتعرض ما لا يقل عن 57 صحافياً، من بينهم 50 فلسطينياً (صاروا إلى أمس 90)، وسبعة صحافيين أجانب للقتل العنيف وأصيب 100 آخرون، كل ذلك في سبعة أسابيع فقط. ولوضع هذه الأرقام في نصابها الصحيح، ونقلاً عن الاتحاد الدولي للصحافيين، قُتل ما مجموعه 68 عاملاً في مجال الإعلام على نطاق عالمي خلال عام 2022 بأكمله.

ولا يجرؤ حتى رفقاء المهنة والألم على نصرة أنفسهم في موجة من الطغيان تجتاح العالم.

والخطأ الأساسي في أي نضال ضد الظلم أننا نعمل على إنهاء الطغاة لا إنهاء العبودية، وننسى أن العبيد أنفسهم هم من يصنع الطغاة، وبالتالي تعود دائرة الظلم بطغاة جدد.

أخرج من اللقاء الدولي وأنا أقرأ عبارة أنه إذا كان السباق يرفع سعر الخيول، فالمواقف هي التي ترفع قدر البشر.

تقتلني الحيرة أكثر وأنا أبحث عن موقف للسيارة لا للبشر، في عالم يودع عاماً من الخيبة ليس كمثلها خيبة.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …