الرئيسية / مقالات رأي / تحلل النظام الدولي في اختبار غزة

تحلل النظام الدولي في اختبار غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تحللت مؤسساته وقيمه وتقوضت صلاحيته وقدرته على البقاء. هكذا بدت صورة النظام الدولي في اختبار غزة.

في غضون أربع سنوات توالت ثلاثة اختبارات كاشفة لمدى تدهوره وعجزه عن الوفاء بمتطلباته.

كانت جائحة «كورونا» اختباراً جدياً لمدى كفاءة المنظومة الصحية الدولية وقدرة النظام الدولي على التساند الإنساني في مواجهة الموت الجماعي، الذي ضرب بلا رحمة مناطق واسعة من العالم شاملة أوروبا والولايات المتحدة. أثناء الجائحة ضرب التفكك بنية الاتحاد الأوروبي، الذي عجز عن إبداء الحد الأدنى من التضامن بين أعضائه. في الوقت نفسه لم تبد الولايات المتحدة أي قدر من الاستعداد لمد يد العون للحلفاء المفترضين، ولم يكن هناك أي دور يعتد به للأمم المتحدة. كان ذلك مؤشراً على قرب انهيار النظام الدولي، الذي تمسك واشنطن بمقاليد القوة فيه منفردة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانقضاء الحرب الباردة.

ثم تعرض النظام الدولي لاختبار ثانٍ في الحرب الأوكرانية. طرح على نطاق واسع سؤال: لمن تؤول قيادته وما طبيعة حسابات وتوازنات القوة فيه؟.. لكنه ظل معلقاً في فضاء الحرب التي تمددت وأنهكت بتداعياتها العالم كله.

لا الولايات المتحدة كسبت رهاناتها على إذلال موسكو ولا روسيا رفعت الرايات البيضاء على الرغم من العقوبات القاسية التي فرضت على اقتصادها المنهك.

في اختبار غزة وجهت رسائل مشابهة لمنع أي طرف إقليمي من «استغلال الوضع» بعد صدمة السابع من أكتوبر. تضررت صورة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، كما لم يحدث من قبل. كانت تلك خسارة استراتيجية لها تبعات على مصالحها في المنطقة.

بقدر مماثل تضررت قيادتها الفعلية للمنظمة الدولية؛ حيث أبقتها في وضع شلل وعجز.

لم يكن لجوء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى استخدام المادة (99) من ميثاقها، التي تخوله تنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين سوى احتجاجاً على تعطيل صلاحيات المنظمة الدولية بكافة مؤسساتها في وقف الإبادة الجماعية، أو التخفيف من وطأة المأساة الإنسانية المروعة.

الخطوة بذاتها سابقة تاريخية، والمعنى أن الأمور أفلتت وصلاحيات منظومة الأمم المتحدة تعطلت. والأفدح انهيار القيم المؤسسية للأمم المتحدة في حفظ الحريات وحقوق الإنسان وضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها.

وصلت المأساة ذروتها في تعطيل وكالات الأمم المتحدة المتخصصة عن أداء مهامها، خاصة منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، والمحاكمة الجنائية الدولية.

بقوة الفيتو الأمريكي ونفوذه، فشل مجلس الأمن، في استصدار قرار يوقف الحرب.

حسب وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، فإنه يتعين على القادة الإسرائيليين إنهاء الحرب خلال أسابيع لا أشهر. الأعباء السياسية للحرب على غزة نالت من مكانة الولايات المتحدة وفرص بايدن في تمديد ولايته لفترة ثانية بانتخابات 2024. بدا طرح سؤال اليوم التالي على قدر من التعجل: من يملأ فراغ الأمن والسياسية في غزة؟

فقد أثبتت الحرب أن الأمر لن يكون يسيراً على النحو الذي جرى تصوره من قبل، فالمقاومة فكرة أصيلة وليست مقحمة على المجتمع الفلسطيني. لا إعادة احتلال غزة مقبولة أمريكياً وأوروبياً وعربياً، ولا إنشاء مناطق عازلة تلقى قبولاً من الراعي الأمريكي، ولا استبدال محمود عباس برجل آخر على الرغم من أية اعتراضات واسعة على أداء السلطة مستساغاً.

أكدت التظاهرات، التي عمت العواصم والمدن الغربية الكبرى، وداخل الولايات المتحدة نفسها دعماً وتأييداً للقضية الفلسطينية، التناقض الهائل ما بين مؤسسات دولها والرأي العام فيها.

إنها إشارة تغيير تحت الجلد السياسي. بصياغة ثانية، إنها إشارة تصدع جديدة ومنذرة في النظام الدولي. تقوض ذلك النظام دون أن يستبين ما بعده.

لا الصين بوارد ملء فراغ الدور القيادي ولا تقدر بأي مدى منظور على تكاليفه وأثمانه. ولا روسيا مستعدة أن تفتح جبهة صراع جديدة على الرغم من أنها من أكثر المستفيدين استراتيجياً من تراجع الحرب الأوكرانية إعلامياً وسياسياً بعد الحرب على غزة.

إننا أمام تحلل كامل في بنية النظام الدولي يؤشر على فوضى واسعة مقبلة دون أن تتبدى أية إشارة على ميلاد جديد بأي مدى منظور.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …