الرئيسية / مقالات رأي / آبي أحمد يبحث عن ميناء.. هل هي الحرب بين إثيوبيا وإريتريا؟!

آبي أحمد يبحث عن ميناء.. هل هي الحرب بين إثيوبيا وإريتريا؟!

بقلم: منصور سليمان- الجزيرة
الشرق اليوم– شجّعت أحداث “طوفان الأقصى”، رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على إصدار تصريحات ترقى إلى درجة إعلان حرب على دول القرن الأفريقي المطلّة على البحر الأحمر؛ أبرزُها الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء البرلمان، والتي لامَ فيها الإثيوبيين لعدم إيلاء أي أهمية لقضية البحر الأحمر، قائلًا: “رغم أن منبع النيل في إثيوبيا، فإنه يمثّل قضية وجودية بالنسبة للمصريين والسودانيين ولا يعتبر أمر مناقشته علنًا من المحرّمات. على النحو ذاته، ينبغي ألا تكون قضية مناقشة أمر البحر الأحمر من التابوهات المحرّمة بالنسبة للإثيوبيين”.

وأضاف: “إن البحر الأحمر ونهر النيل يمثّلان رافدين أساسيّين يتوقف عليهما مصير إثيوبيا وجهودها التنموية، ومن شأنهما أن يرتقيا بأمر البلاد، إما إلى نهضة عظيمة أو يدفعاها إلى طيّ النسيان”.

واستطرد بالقول: إنَّ “حقوق إثيوبيا ومطالباتها بالوصول إلى منفذ مسألة تضرب بجذورها في التاريخ والجغرافيا، وتحظى بمبررات اقتصادية، بما في ذلك حقيقة أنّ حاجة إثيوبيا المشروعة للوصول الكافي إلى البحر متضمنة في ميثاق الأمم المتحدة”.

وحتى يصعّد هاجس إثيوبيا التاريخيّ المتصل بالمنافذ المائية إلى حدوده القصوى، نوّه آبي أحمد إلى أن إثيوبيا تعتبر جزيرة محاطة بالمياه، لكنها مع ذلك دولة عطشى؛ أي بمعنى أنها دولة حبيسة.

كما أنّه حذّر زملاءَه المشرعين – ونظراءَه تحديدًا في دول الجوار – من أنه مع تزايد عدد السكان في إثيوبيا، لم تعد مسألة مناقشة الحصول على منفذ بحريّ على البحر الأحمر ترفًا، وإنما هي قضية وجودية بالنسبة إلى إثيوبيا. إذ كيف لبلدٍ يخطو حثيثًا ليصل عدد سكانه لنحو مئة وخمسين مليونًا أن يعيش في “سجن الجغرافيا”؟

أثارت هذه التصريحات حالة من القلق والتساؤلات في المنطقة، خصوصًا وسط بعض دول الجوار الإثيوبي التي تمتلك موانئ مطلّة على البحر الأحمر، مثل: إريتريا، وجيبوتي، والصومال.
على محمل الجد
لقد أُخذت هذه التصريحات على مَحمَلِ الجدّ، خصوصًا أنها جاءت بعد تسريب حديث سابق لآبي أحمد، يقول فيه: إن “إثيوبيا ستعمل على تأمين الوصول المباشر إلى الميناء، إما سلميًا أو بالقوة إذا اقتضى الأمر”.

والحال تلك، كيف يمكن أن نفهم هذه التصريحات؟ وما دلالات توقيتها؟ وما السياقات والطرائق التي يتم فيها طرح قضية وصول إثيوبيا المباشر إلى منفذ على البحر؟ هل تعتبر التصريحات مؤشرًا لتوتر الأوضاع في الداخل، أو في العلاقات مع محيطها المجاور، وبشكل خاص مع إريتريا؟ وهل تنذر بنشوب حرب أخرى في المنطقة؟

هناك الكثير الذي يمكن قوله للإجابة عن هذه الأسئلة، لكنَّنا نكتفي بالتنويه إلى أربعة أمور، وهي:

أولًا: يبدو واضحًا أن آبي أحمد أراد أن يطرح أفكاره في هذا التوقيت الذي تشهد فيه المنطقة تغيرات جيو-إستراتيجية كبيرة، توفر ظروفًا دولية ملائمة لطرح قضية حصول إثيوبيا على منفذ بحري.

وهو بذلك يؤكد على نمط متكرر pattern، من حالات استغلال دول القرن الأفريقي: (إثيوبيا، وإريتريا على وجه التحديد)، الأحداثَ الكبرى.
من المفارقات اللافتة للانتباه أن من يُعيد قراءة سياقات الأحداث المهمة- في بعض دول القرن الأفريقي- يجد أنّ السلطات هناك تستغل عادةً الأحداث الكبرى في العالم لاتخاذ سياسات وقرارات قد تصل في بعض الأحيان إلى درجة إعلان حرب.

فقد سبق أن استغلَّ الرئيس الإريتري أسياس أفورقي انشغالَ العالم بأحداث سبتمبر/ أيلول 2001، في الولايات المتحدة، وقام باعتقال عددٍ كبير من مسؤولي الدولة والحزب الحاكم، ضمن الموجة التي عُرفت لاحقًا بأحداث اعتقال “مجموعة الإصلاحيين”، في 18 سبتمبر/ أيلول 2001. ولا يزال مصيرهم مجهولًا حتى هذه اللحظة.

ومن الأحداث الأخرى الأكثر فداحةً، استغلالُ الحكومة الفدرالية في إثيوبيا مناسبة انشغال العالم- والولايات المتحدة على وجه الخصوص بتداعيات خسارة الرئيس ترامب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020- بشنّها الحرب ضد حكومة إقليم التيغراي، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

ثانيًا: لقد اعتاد آبي أحمد – جريًا على عادة النخب الإثيوبية- القيام بين الحين والآخر بما يسمّيه المؤرخون “بالمراجعة التاريخية”

ويقصد بها: عملية إعادة النظر في الوقائع أو الظواهر التاريخية السابقة، لاسيّما في حالة توفر مصادر أو أدلة جديدة تساعد على فهم تلك الوقائع والظواهر بصورة مُختلفة وجديدة.

للأسف، لا نجد في تصريحات آبي أحمد ما يسعفنا للقول: إن هناك أدلة أو مرجعيات قانونية جديدة ترخّص له إعادة النظر في قوانين الدول الوطنية القائمة في المنطقة، لدرجة تُتيح الوصول إلى منفذ بحري.

نقد شديد للحكم
فمسألة تزايد السكان أو حاجة إثيوبيا الملحّة لمنفذ على البحر لدواعي التنمية، لا تخوّل له التصريح بمثل هذا الحديث. لكننا نعرف من التجرِبة أنه لجأ إلى مثل هذه المراجعة التاريخية، أو بمعنى أصحّ الذرائعية، بعد وصوله إلى السلطة في أبريل/ نيسان 2018.

فبعد فترة وجيزة من تولّيه رئاسة الوزراء، بدأ آبي أحمد بتوجيه نقد شديد إلى تجربة الحكم الفدرالي الذي دشنته جبهة تحرير التيغراي في التسعينيّات، معتبرًا إياه أساس مشكلات إثيوبيا. ثم شرع في استهداف جميع العناصر التابعة لجبهة التيغراي في إدارات الدولة المختلفة، إما عن طريق إقصائهم من الوظائف الكبيرة في الجيش والأمن، أو باستهدافهم بتهم الفساد.

ولم يكن مستغربًا أيضًا أن تكونَ نخبُ “الأمهرة” المجموعةَ الأكثرَ تماهيًا مع توجهات آبي أحمد الجديدة؛ لأنّ إلغاءَ النظام الفدراليِّ والعودة إلى النظام المركزيِّ السابق يُتيحان لها استعادةَ مكانتها ومكتسباتها في العهود السابقة.

كما أن هذا الأمر وجد ترحيبًا من الرئيس أسياس أفورقي، حيث كان له موقف سلبي من نظام الفدرالية العِرقية المتبع في إثيوبيا. وقد صرح أفورقي مرةً بالقول: إن ” المؤامرة ضد إريتريا انبثقت من هذا المشروع -أي الفدرالية العِرقية-، ولم يكن هناك سببٌ للنزاع الحدودي. كانت الفدراليةُ مجردَ فلسفة سيئة النية هدفت إلى تقسيم الناس من أجل حكمهم”.
وكان من نتائج هذا التقارب بين هذه الأطراف الثلاثة، بروزُ تحالف جديد يضم الحكومة الفدرالية في إثيوبيا بزعامة آبي أحمد، والحكومة الإريترية بزعامة أسياس أفورقي ونخب الأمهرة عبر مليشيا “الفانو”.

وعندما أعلنت الحكومة الإثيوبية في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، الحرب على إقليم التيغراي بحجة إعادة بسط سيادة القانون، ضمت العملية العسكرية هذه الأطراف الثلاثة نفسها: قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، والجيش الإريتري، والقوات الخاصة لإقليم الأمهرة والمليشيا التابعة له.

ثالثًا: إن تصريح آبي أحمد، يعكس توترًا في علاقاته مع الأطراف نفسها التي تحالف معها في وقت سابق في حرب التيغراي.

لقد عمل آبي أحمد من قبلُ على إقصاء جبهة تحرير التيغراي بتوقيعه اتفاقية السلام مع إريتريا في عام 2018، وانفرد بتوقيع “اتفاقية بريتوريا للسلام” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مع جبهة تحرير التيغراي، دون إشراك الأمهرة أو الحكومة الإريترية.

وهو الأمر الذي أشعر الأمهرة بأن الحكومة الفدرالية وظَّفتهم في حربها ضد جبهة التيغراي دون أن يجنوا من وراء ذلك أي مكاسب.

والأدهى من ذلك، إصدار الحكومة الإثيوبية في أبريل/ نيسان 2023، قرارًا يقضي بحلِّ جميع المليشيات الإقليمية – بمن في ذلك مليشيا الفانو – وتأسيس قوة مركزية واحدة على المستوى الفدرالي، وهو ما أنتج في النهاية اضطرابات واسعةً، أدّت إلى تردي الأوضاع الأمنية في إقليم الأمهرة، لا سيّما بعد سيطرة مليشيا “الفانو” الأمهرية على عدة مدن ومناطق في الإقليم، ما دفع الحكومة الإثيوبية إلى إعلان حالة الطوارئ هناك.

حرب أخرى في المنطقة
من جانب آخر، اتخذ النظام الإريتري- حليف آبي أحمد السابق في حرب التيغراي- موقفًا مماثلًا من اتفاقية بريتوريا للسلام. وهناك تقارير متواترة تتحدث عن تلقي مليشيا “الفانو” الأمهرية الدعم والتدريب من إريتريا.

إضافة إلى ذلك، فتعليقُ وزارة الإعلام الإريترية على تصريحات آبي أحمد، يعكس هو الآخر بوادر أزمة صامتة بين الحكومتين، حيث نشرت بيانًا مقتضبًا تقول فيه: إن هناك أحاديث كثيرة – فعلية وافتراضية – طُرحت مؤخرًا حول قضايا المياه والوصول إلى المنافذ البحرية.

ومع أنّ هذه التصريحات أثارت حَيرة المراقبين المعنيين بهذه القضية – بحسب البيان – فإن حكومة إريتريا جدّدت التأكيد على أنها، كدأبها، لن تنجر إلى هذا النوع من أحاديث القيل والقال.

في ضوء ما سبق، يُطرح التساؤل حول: ما إذا كانت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي تنذر بنشوب حرب أخرى في المنطقة؟
من الواضح أن تصريحات آبي أحمد لم تأتِ بمحض الصدفة، وإنما جاءت تتويجًا لتحالف جديد بدأت ملامحه تظهر منذ توقيعه اتفاقية بريتوريا للسلام مع جبهة التيغراي.

فمنذ توقيع الاتفاقية يشهد إقليم الأمهرة، ثاني أكبر مناطق إثيوبيا من حيث عدد السكان، اضطرابات واسعة، ولا تزال مليشيا “الفانو” الأمهرية تسيطر على بعض مناطقه.

إضافةً إلى ذلك، يمكن النظر إلى هذه التصريحات بوصفها وسيلة لتحشيد الدعم السياسي لحكومة آبي أحمد، خاصة أن مسألة حصول إثيوبيا على منفذ بحريّ تحظى باهتمام كبير وسط الشعب الإثيوبي.

كما يمكن اعتبار التصريحات مؤشرًا آخرَ على تفكك التحالف السياسي الذي ربط أسياس أفورقي وآبي أحمد أثناء حرب التيغراي.

ومن المرجح أن تنتهي العلاقة بينهما إلى أحد أمرَين: إما أن تعود العلاقة إلى أجواء التوتر التي كانت عليها (2001-2018) قبل توقيع اتفاقية السلام في عام 2018، وانخراط البلدين في “حروب وكالة”، تستهدف زعزعة الأوضاع الداخلية في كل منهما؛ أو دخول البلدين في حرب جديدة كما حصل في الفترة من 1998 – 2001.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …