الرئيسية / مقالات رأي / حرب غزّة… ومقاومة التطرّف في المنطقة

حرب غزّة… ومقاومة التطرّف في المنطقة

بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي

الشرق اليوم- ليست حرب غزّة سوى دليل على انعدام السياسة. انضمت إسرائيل، بأحزابها اليمينيّة وشخص بنيامين نتنياهو، بالذات، إلى دول المنطقة والمجموعات والقوى المختلفة التي ترفض السياسة. كانت النتيجة دخولها حرب غزّة. دخلت حرب غزّة، التي تهدّد مستقبل الدولة العبريّة، بدل التحول إلى جزء لا يتجزأ من المنظومة الإقليمية التي تسعى إلى الاستقرار والتطور بغية تفادي السقوط في فخّ المشروع التوسعي الإيراني.

لا مخرج من حرب غزّة سوى بعملية سياسية تعني أوّل ما تعني التخلي عن سياسة الاستيطان التي تقضي على السياسة وتلعب في الوقت ذاته دورا في تغذية كلّ أنواع التطرّف. لا يمكن للإستيطان الذي أُعتمد في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقية أن يكون تعبيراً عن سياسة بناءة من أي نوع. تؤكد حرب غزّة ذلك بعدما صار الجميع في مأزق. إسرائيل في مأزق و”حماس” في مأزق”، كذلك السلطة الفلسطينية. في هذا الوقت تسعى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران إلى الإستفادة قدر الإمكان من الوضع الذي أوجدته “حماس” وهو وضع لا سابق له في المنطقة. لم تكن إسرائيل يوماً في مأزق عميق مثل الذي وجدت نفسها فيه بعد هجوم السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي الذي شنته “حماس” مستهدفة مستوطنات غلاف غزّة.

في مقابل ما تؤكّده حرب غزّة، يصرّ القادة العرب الواعون مثل الشيخ محمّد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربيّة المتحدة والملك عبدالله الثاني، وآخرون غيرهما، على أنّ لا مفرّ من العودة إلى السياسة. لا يمكن العودة إلى السياسة من دون وقف الحرب والتفكير في ما يمكن عمله وما لا يمكن عمله. هؤلاء العرب الواعون الذين يتمتعون بحكمة كبيرة نادوا، منذ فترة طويلة، بضرورة إيجاد تسوية تضمن الحقوق الفلسطينية بما يسمح للمنطقة بالتقدّم نحو آفاق جديدة بدل دخول لعبة التطرّف التي هي أقرب إلى دوران في حلقة مغلقة أكثر من أي شيء آخر.

يفسّر هذا الموقف من الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة العداء الذي يكنّه بنيامين نتنياهو لعبدالله الثاني والأردن الذي صمد ولا يزال صامدا في وجه كلّ من حاول القضاء على خيار الدولة الفلسطينية المستقلّة. فعل الأردن ذلك مع العلم التام لعمّان بمدى ترهّل السلطة الوطنيّة الفلسطينية المقيمة في رام الله وعجزها عن مواكبة الأحداث.

من يزور أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات حاليا يكتشف نوعا آخر من المقاومة للفكر المتطرّف. يكتشف ذلك عبر الفعاليات المرتبطة بثقافة الحياة التي لم تتوقّف في تلك الدولة أكان ذلك في أبوظبي نفسها أو في دبيّ حيث ينعقد مؤتمر “COP  28”  المرتبط بمواجهة أزمة المناخ التي تهدّد الكرة الأرضيّة. ينعقد المؤتمر بحضور بعض كبار العالم لمواجهة تلك الأزمة التي كانت دولة الإمارات في مقدّم المتصدين لها عبر إجراءات نفّذت على الأرض بدءاً باعتماد الطاقة الشمسيّة تدريجاً. ليس سرّا أنّ الإمارات العربيّة المتحدة تبذل منذ سنوات طويلة جهودها من أجل التحوّل إلى الطاقة النظيفة على الرغم من كلّ ما تمتلكه من ثروات نفطيّة. لذلك، استحقت استضافة “COP- 28” عن جدارة واستحقاق.

قبل “COP 28” استضافت أبو ظبي السباق الأخير من بطولة العالم لسائقي السيارات. جلب الحدث عشرات الآلاف إلى دولة الإمارات من مختلف انحاء العالم. كان ذلك مثلاً واقعياً على أنّ الحياة لم تتوقف ولا يمكن أن تتوقف بسبب أجندة المتطرفين في المنطقة، بغض النظر  عن الجهة التي ينتمي إليها هؤلاء، خصوصا الجهة الإسرائيليّة.

متى العودة إلى السياسة وهل مثل هذه العودة مسموحة؟ الأكيد أن لا عودة إلى السياسة ما دام اليمين الإسرائيلي في السلطة. يعتقد هذا اليمين أنّ الحل بإزالة غزّة من الوجود. لا علاقة لمثل هذا الحلّ بالواقع لا من قريب أو بعيد، لا لشيء لأن لا مجال لتذويب الشعب الفلسطيني الموجود على أرض فلسطين وفي خارج تلك الأرض بقوّة ليس بعدها قوّة.

المهمّ في الأمر أن في المنطقة من لا يزال يؤمن بأن ثقافة الحياة قادرة على مقاومة ثقافة الموت، وهي الثقافة التي يسعى “حزب الله” إلى فرضها على لبنان. يسعى إلى ذلك عبر سلاحه المذهبي أوّلا وعبر توريط البلد في حرب غزّة التي لا ناقة له فيها ولا جمل. كلّ ما يمكن أن يؤدي إلى توريط لبنان في حرب غزّة هو بمثابة تدمير لبلد منهار أصلاً، بما في ذلك بيروت، وتهجير آلاف الجنوبيبن من أرضهم.

من يقاوم ثقافة التطرّف الإسرائيليّة في غزة ويعمل بالفعل من أجل وقف للنار والعودة إلى السياسة، إنّما يقاوم ثفافة الموت. هذه الثقافة ليست حكرا على اليمين الإسرائيلي الذي ظنّ أن الانسحاب من غزّة، صيف 2005، سيساعد في تعزيز الإستيطان في الضفّة الغربيّة وعزل القدس الشرقيّة.

ثمة مرحلة جديدة دخلتها المنطقة بعد حرب غزّة. وحدهم الشجعان الذين يتحدون التطرف يعرفون أنّ مصير الشرق الأوسط والخليج مرتبطان بإرادة ترفض الرضوخ لثقافة الموت والإستسلام لها.

في المنطقة من لا يزال يرفض الرضوخ لليمين الإسرائيلي وللمشروع التوسّعي الإيراني باشكاله المختلفة وأدواته.

المصدر: النهار العربي

شاهد أيضاً

“وستڤاليا” معاهدة أنهت الحروب الدينيّة، ولكن..

بقلم: حسن إسميك- النهار العربيالشرق اليوم– بدأتُ هذه السلسلة تحت عنوان عريض هو “هل تجاوزت …