الرئيسية / مقالات رأي / وزارة الثّقافة الجزائريّة بين سياسات التّشريعات البطيئة والفراغ الثّقافي المزمن

وزارة الثّقافة الجزائريّة بين سياسات التّشريعات البطيئة والفراغ الثّقافي المزمن

بقلم: أزراج عمر- النهار العربي
الشرق اليوم– منذ وصولي إلى الجزائر في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي حتى الآن وأنا ألاحظ غياب حياة ثقافية وطنية مزدهرة في المدن الكبرى وفي الأرياف في ضوء مشروع متكامل، ما عدا بعض النشاطات العابرة التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني التي لا تملك في معظمها الإمكانات المالية والمقار الملائمة والخبرة وفن إقامة العلاقات مع منتجي الثقافة والفكر والفن في البلاد وعلى المستوى الخارجي معاً.

صحيح أن الشهر الماضي شهد تظاهرة المعرض الدولي للكتاب والذي هو في الحقيقة مجرد احتفالية شارك فيها عدد من دور النشر العربية وبعض العناصر الأفريقية القليلة جداً، لكنها لم تقدم بانوراما تطورات الثقافة والفكر والفنون في ثاني أكبر قارة مساحة في العالم ويقدر تعداد سكانها بمليار و471 ألف نسمة تقريباً، منهم 852 مليون مسلم.

من الملاحظ أن وزارة الثقافة الجزائرية لم تعرف استقرار المسؤولين فيها، وذلك جراء ظاهرة تعيين وزير على رأسها بمعدل مرة كل سنتين منذ الاستقلال حتى الآن. وزيادة على ذلك، فإنها تكاد تخلو من الإطارات المثقفة التي تملك التكوين الجاد في إدارة الشأن الثقافي وتحفيز الإبداع، سواء على المستوى المركزي أم في الجزائر العميقة في المدن والبلدان الصغيرة وفي الأرياف النائية.

وفي الغالب، فإن الوزراء الذين أسندت إليهم / إليهن حقيبة هذه الوزارة ليست لهم علاقة تذكر بالثقافة إلا نادراً، بل هم إما جامعيون أكادميون كان المفروض أن يكونوا ضمن المكوّن البشري المؤطر في وزارة التعليم العالي، أو إداريون أو سياسيون يفتقدون التجربة الثقافية وعلم تسيير هذا القطاع الذي يعتبر من ركائز الوطن الأساسية.

ففي هذا الأسبوع، كشفت وزيرة الثقافة صورية مولوجي عن مجموعة من القوانين التي تعدها الوزارة للمصادقة عليها ثم تطبيقها ميدانياً، منها القانون الأساسي الذي ينتظر أن يضبط أوضاع الفنان الجزائري والمؤسسات الثقافية والفنية ومجالات الاستثمار في الميدان الفني والإبداعي.

وفي هذا الخصوص، قالت الوزيرة مولوجي في حوارها المنشور يوم 19 من هذا الشهر على صفحات يومية “الشروق” إن “صدور المرسوم الرئاسي المتضمن القانون الأساسي للفنان يعتبر حدثاً ثقافياً جليلاً، وتاريخاً غير مسبوق في المشهد الثقافي الجزائري، فهو من أهم المكتسبات الثقافية في بلادنا”، ثم أضافت مبرزة أن هذا المرسوم يتضمن “نصوصاً تنظيمية وتطبيقية تتمثل في ثلاثة نصوص، أولها نص يحدد كيفيات تطبيق المادة 16 من مشروع المرسوم الرئاسي لقانون الفنان والتي تنص على استحداث آلية لدى مصالح الوزارة المكلفة الثقافة قصد تعويض الفنانين وتقنيي الأعمال الفنية وإدارييها خلال فترة التوقف اللاإرادي عن ممارسة النشاط الفني، والنص الثاني يحدد كيفيات تطبيق المادة 27 من مشروع المرسوم الرئاسي لقانون الفنان والتي تنص على أن التعاونية الفنية هي مجموعة من أشخاص طبيعيين أو معنويين يكون الانضمام إليها بصفة طوعية، وتهدف إلى تحسين الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لشركائها، وتتمتع التعاونية الفنية بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، أما النص الثالث فيحدد كيفيات تطبيق المادة 24 من مشروع المرسوم الرئاسي لقانون الفنان والتي تنص على تحديد مدوّنة المهن الفنية وتحيينها بموجب قرار من الوزير المكلف الثقافة، بعد موافقة المجلس الوطني للفنون والآداب عليها، وقد تم تنصيب لجان شرعت في إعداد النصوص التنظيمية والتطبيقية السالفة الذكر، وسترى النور خلال النصف الأول من سنة 2024، وذلك بعد مرورها على مراحل عدة، بما فيها مناقشتها وإبداء الرأي فيها من طرف مختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة، وكذا مجلس الحكومة”.

وفي الواقع، فإن قانون الفنان هو جزئية صغيرة تنصبّ على الجانب المادي غالباً، علماً أن هذا الجانب غير محدد بالأرقام، كما أن صفة الفنان لا تزال غير واضحة في التشريعات الجزائرية السابقة وفي العرف العام معاً.

وأكثر من ذلك، فإن المشكلة ليست فقط في استصدار التشريعات بل تكمن أساساً في تطبيقها وإلزام الحكومة والبرلمان والمجلس الدستوري بتفعيل تطبيق نصوص هذه التشريعات التي تبقى دوماً حبراً على ورق ومرهونة بمزاج هذا الوزير أو ذاك المدير المركزي المسؤول داخل أروقة الوزارة.

من المؤسف أن عدداً لا يستهان به من القوانين صدرت من قبل في عهود الوزراء السابقين، منهم خليدة تومي وعز الدين ميهوبي ونادية لعبيدي وغيرهم كثير بقي مدفوناً في الأدراج، منها مثلاً قانون تنظيم صناعة الكتاب الذي لم يفعّل بل بقي مجرد أرشيف في الأدراج يعلوه الغبار.

وفي سياق آخر، يرى متخصصون جزائريون في إدارة عمليات الابتكار الثقافي والفني وخلق مناخ الإبداع أن فهم المسؤولين في وزارة الثقافة الجزائرية للثقافة والفن لا يتجاوزر نطاق “التنشيط الثقافي والفني” التقليدي الذي يدخل غالباً في إطار الترفيه الفني، وهو من اختصاص روابط المجتمع المدني وجمعياته، كما هي العادة في مختلف دول العالم المتطورة التي تؤمن بممارسة الإبداع الثقافي والفني من”الأسفل” وليس بفرضه من فوق كما في نموذج الجزائر التي تنعدم فيها الشرائح الاجتماعية المنظمة والمهيكلة التي يفترض أن تتكفل الرعاية المادية والتشجيع المعنوي للعمل الثقافي والفني بعيداً من إكراهات الأيديولوجيا وإملاءات السلطات والأحزاب وكوابحها بمختلف مشاربها.

ففي الجزائر مديريات الثقافة في كل المحافظات (الولايات)، وهناك أيضاً مكتبات المطالعة والمسارح وقاعات السينما ومكتبات البلديات الموزعة على 1548 بلدية تقريباً، ولكن هذه المؤسسات لا تخضع للصيانة والتجديد، وهي بلا فاعلية جراء إسنادها غالباً إلى أشخاص غير مؤهلين لتحريك قاطرة العمل الثقافي المتطور.

وفي تقدير أهل الاختصاص في مجال الثقافة الوطنية، فإن المشكل الأساسي الذي يعرقل تحويل الثقافة إلى عيد دائم في المجتمع الجزائري يتمثل في كون دور وزارة الثقافة في الجزائر غير واضح حتى الآن، والمفترض أنه يتمثل في توفير الغطاء المالي، وفي المساهمة في توجيه الإشراف على التخطيط الثقافي باعتباره قوة ناعمة وفعلاً حضارياً، وفي خلق الظروف والفرص التي تسمح بإعداد المشاريع الثقافية الكبرى ذات البعد الداخلي والدولي التي تنفذ ميدانياً، وما يؤسف له أن دور هذه الوزارة ما فتئ يختزل في البيروقراطية المركزية التي ما فتئت تشل المبادرات التي تلمع هنا وهناك ثم تخبو.

شاهد أيضاً

الخطوط الخلفية في الحرب على غزة

بقلم: جمال الكشكي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم– في تاريخ الحروب كثيراً ما تنشط …