الرئيسية / مقالات رأي / لبنان والحقيقة المؤلمة.. عن أيّ استقلال تتكلّمون؟

لبنان والحقيقة المؤلمة.. عن أيّ استقلال تتكلّمون؟

بقلم: راغب جابر- النهار العربي
الشرق اليوم– اليوم عيد الاستقلال في لبنان، فلا دولة تحتفل ولا رئيس يقيم حفل استقبال في القصر الجمهوري يستقبل فيه أركان الطبقة السياسية وفعاليات البلد ووجوهه، ولا جيش يقيم عرضاً عسكرياً في إحدى جادات العاصمة بيروت.. استقلال لبنان مناسبة كئيبة هذا العام يقتصر الاحتفال بها على تلاميذ المدارس الذين أجبر أهلهم على شراء بدلات عسكرية لهم لزوم تقليد فولكلوري لم يعد له من معنى.

عيد الاستقلال أو العيد الوطني لأي بلد هو مناسبة افتخار وفرح بمنجز عظيم، تحقق غالباً بالنضال والتضحيات وبشهادة رجال ونساء خاضوا معارك ومواجهات مع المستعمر أو المحتل ليتخلصوا من الظلم والاضطهاد ويسترجعوا كرامتهم وحريتهم وثروات بلادهم المنهوبة، فأين اللبنانيون من الاستقلال زمن الاحتفال به؟ وهل بالفعل يجب الاحتفال بهذه المناسبة؟

ستمر الذكرى صامتة هذا العام ولن ينتبه اللبنانيون إلى وجودها أصلاً لولا الإعلان الرسمي عن أن اليوم هو يوم عطلة رسمية في مناسبة عيد الاستقلال “العظيم”. وتبدو مضحكة بعض المواقف الاستقلالية في هذه المناسبة واعتبارها يوماً مجيداً في تاريخ الجمهورية التي استقلت عن المنتدب الفرنسي لتنطوي تحت انتدابات تختفي ثم تتجدد وسط عجز عام لجسد هذا البلد على الوقوف على رجليه.

من البداية صادرت الطبقة السياسية التي كانت حاكمة عام 1943 الاستقلال على أنه منجزها الأثير، وأنه لولا تغبر بدلات أركانها في قلعة راشيا لما كان استقلال ولكانت فرنسا ما زالت “تحتل لبنان”، والحقيقة أن معظم الطبقة السياسية آنذاك كانت مرتبطة إما بالفرنسيين وإما بالإنكليز الذين كانوا يتآمرون على المنطقة واقتسامها وتوفير الظروف المناسبة لقيام إسرائيل بعد 5 سنوات. في العودة إلى مراسلات المفوضين الساميين الفرنسيين آنذاك ما يفضح التركيبة السياسية القديمة والمتجددة على مدى ثمانين عاماً من الاستقلال.

ما مضى قد مضى ونال لبنان استقلاله مستغلاً الصراع الكولونيالي واعتماداً على تحركات شعبية صادقة واستشهاد بعض المناضلين هنا وهناك. وخلال السنوات اللاحقة تكرّس عرف الاحتفال بالاستقلال والتغني به باعتباره منجزاً وطنياً جامعاً تشارك في تحقيقه مسلمون ومسيحيون من مختلف المذاهب، وتم توزيع الأوسمة والنياشين ولاحقاً أكاليل الزهور توزيعاً طائفياً محكماً على قاعدة محاصصة انسحبت على كل شيء في البلد المهزوز تكراراً على وقع اهتزازات المنطقة وصراعاتها.

إذاً، يحل عيد الاستقلال هذا العام والبلد المستقل عاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية الشاغر منصبه منذ أكثر من سنة، في تكرار أصبح روتينياً كلما انتهت ولاية رئيس، وكرسي الرئاسة وقاعة الاستقبال في القصر الجمهوري قد يكون أكلهما الغبار فيما الطبقة السياسية ما زالت تتجادل في جنس الملائكة جدلاً عقيماً ممضّاً. جدل ينافي كل مفاهيم الاستقلال إذا عرفنا أن كل هذا الجدل مربوط إلى أجندات وإملاءات وصراعات خارجية تضغط على حياة اللبنانيين واقتصادهم واجتماعهم ومستقبلهم.

في عيد هذا العام تنكشف أكثر عورة السياسة اللبنانية “المستقلة” المتناقرة على تعيين موظف فئة أولى برتبة قائد جيش أو مدير للأمن الداخلي، فضلاً عن الهريان الحاصل في كل مفاصل الإدارة اللبنانية التي يمسك السياسيون بكل تلابيبها وتلافيفها عبر أزلامهم ومحاسيبهم. هل هناك بلد في العالم غير لبنان لا يستطيع انتخاب رئيس أو تعيين موظف؟ يكاد اللبنانيون يصرخون مطالبين بانقلاب عسكري… وليس سراً أن بعضهم يتمنى في مجالس خاصة عودة الانتداب.

بلد لا قرار ولا قيادة له، ولا سلطة حقيقية، ولا هيبة في الداخل ولا في الخارج، بلد منهار اقتصادياً لا يحقق الحد الأدنى من الدخل لمواطنيه ويستجدي المساعدات من الخارج في تبعية سياسية واقتصادية مخجلة ومثيرة للشفقة ليس بلداً مستقلاً. بلد يركض شعبه وراء جمعيات المساعدات الأميركية والكندية والنرويجية والسويدية والفرنسية والعربية… ليس بلداً مستقلاً.

بلد يحلم شبابه ونخبه المتعلمة تعليماً عالياً بالهجرة ويرمي فقراء فيه بأنفسهم في عباب الموج فراراً ليس مستقلاً. بلد لا يملك قراره ليس مستقلاً. بلد لا يخجل زعماء فيه من الجهر بأن “الكبار” في الإقليم والعالم لم يتفقوا بعد على حل أزمة السلطة فيه و”تعيين” رئيس للجمهورية بالتأكيد ليس بلداً مستقلاً.
أما احتفال العامة بالاستقلال فقد يكون الشيء الوحيد الحقيقي والصادق.

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …