الرئيسية / مقالات رأي / التحولات الجذرية في القيادة الدولية

التحولات الجذرية في القيادة الدولية

بقلم: نسيم الخوري – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تتسلّق الحضارة العمرانية في عواصم العالم سلالم التشابه، بل التوحّد اللافت والأخّاذ، فتولّد أنساق أفكار ومشاريع، وتناغمات تناطح السحاب، وتقلب الحياة الإنسانية إلى أحلام العصور الفضائية ومنجزاتها.

الغريب أن تبقى تلك الحضارة مهدّدة باستبداديات سياسية واستراتيجية غير واضحة المعالم، أو مُقنعة، عبر المجتمعات الرافضة، بالمُطلق، للاستيراد والاستهلاك، وصرف الميزانيّات والطاقات الضخمة، بوصفها مشحونة بالتفاعل والتشابه والاستقرار لتوصم بحالاتٍ من التبعيّة المُكلفة التي لا بدّ من رفضها والتملّص منها. وما زال بعض العقل العربي بالمقابل، يجهد لنقد المستوردات الدائمة التطوّر والتجديد بهدف تفكيكها، وربّما الادّعاء بتطويرها، في غفلة ممن صنّعها، وعرضها، وصدّرها، وباعها. قد يفكّر المرء هنا بالأعتدة العسكرية المُكلفة، بكونها محاولات كانت، وما زالت مقلقة، وتصنّف عبر العقود الطويلة، في مواقد الصراعات الموروثة التي أخفقت في بلوغ التسويات غير المتكافئة المعالم والنتائج.

كان من المقدّر أن توصلنا أفكار من هذا النوع إلى مراحل متقدّمة تلبية لحاجات الطموحات العلمية والتقنية والتحدّيات، لكنّ النتائج، جاءت بالمفارقات العظمى التي ساهمت في إرباك وسقوط بعض الأنظمة، وتحطيم جغرافيات عربية، وبعثرة مجتمعاتها، وتحويلها الى أراضٍ خراب، ودفعها عقوداً إلى الوراء عبر ما يسمى”الربيع العربي” المُقيم، الذي أغرى شرائح كبيرة من الشباب المتواصل بحثاً عن التغييرالمستورد، مع اليقين بأنّ الأحداث القاسية بمعظمها كانت “مطبوخة”، ومستوردة، وتأسّست أساساً فوق ركام المداميك العراقيّة في ال2003.

تفاقم طغيان التخريب والإرهاب والردم، متلازماً مع الخُطب والاجتهادات الغريبة المثقلة بالأحقاد تجاه العرب كمستلزمات هندسية مرسومة، تختلط عبرها الهويات، الإثنية والدينية والمذهبية، عربيّة كانت أو إسلامية، غربيّة أو شرقية، بما يجعل خلخلتها من الثوابت. هكذا توضّحت الصورة العامّة للسياسة العالمية، أو للنظام العالمي الجديد النامي في التحالفات العالمية المعلنة والمُفاجئة، أو الخفيّة القادرة على تحريك جذور الثوابت في العقل العربي بإنتظار أن تُفرج الأجيال الجديدة من السلطات العربيّة عن فكرة حديثة جديدة، سواء أكانت مجتمعاً، أم وطناً، أم أمّة، أم عالماً بصيغة المفرد، أو بصيغة الجمع.

نشبت، وفقاً لذلك وتنشب، صراعات لا هويات واضحة لها. ليست هي بالحروب الكبرى أو التقليدية المُعلنة، ولا هي بالحروب الباردة المعروفة الأسباب والأحداث والنتائج. ليست حروباً أهلية أو طائفية محضة، أو حروباً عالمية صغيرة بنسخٍ متعددة فوق أرضنا بعنوان “حروب الآخرين على أرض لبنان”. إنّها خليط من هذا كلّه، مزدان بالأسئلة الكثيرة من دون إجابات. وترهّلت الحكمة الدوليّة حيال ظهور العالم، بغربه وشرقه، وبمعانيه السياسية، وبأنساق العيش فيه مشغولاً بمعاقل الإرهاب والتكفير والأصوليات الدينية والتطرف، سلباً وإيجاباً. وما يفاقم غموض الحروب وعبثيتها تجاوزها للحدود المرسومة بين دول العالم وشعوبه المشغولة بمعظمها، بتواصلها، وألعابها وسباباتها حتّى عند متابعة المعارك، بعدما دفع العالم الكثير من الدماء والكوارث والضحايا، قبل أن يتمكّن من ترسيم هذه الحدود، ورفعها بعد الحربين العالميتين ليعود العقل البشري لا إلى ابتكار أفكار حضارية تليق بالتاريخ الغابر، بل إلى التلويح بدفن تقسيمات سايكس/ بيكو، مثلاً، والتبشير بحلل وأفكار وخرائط جديدة، متعدّدة، وحواجز خيال التطور والانفتاح والتعاضد في العلاقات الدولية كبيرها وصغيرها..

أفترض بما تقدّم، أنّ الزمان عرف اكتماله، بهذا المعنى، مع بدايات الأديان التوحيدية، وبشكلٍ خاص مع الإسلام الذي أخرج العرب من حياتهم القبلية التي اكتسب وهجها سمات خاصّة، بما فيها من تساوق الماضي والحاضر والمستقبل، مستظلاً بقيم الوحي، لكن تحوّل العالم المعاصر نحو الفضاء في مساحات شاسعة، متشابهة ومتواصلة، شكلاً، وهي في متناول الجميع، وفيها بعض دول العرب ومجتمعاتها، تسوّق الأفكار والمبتكرات والتحدّيات وتتبادلها لتُضاعف الحوار والتكامل بين الأطراف، لكنّ بعضها الآخر قد يتصدّى للتحدّيات والمتغيرات والصراعات المتنوّعة التي لا حدود لمخاطرها وكلفتها في هذا القرن.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …