الرئيسية / مقالات رأي / دكتور جيكل ومستر هايد… الغرب و”الخطة العظمى” في الشرق الأوسط!

دكتور جيكل ومستر هايد… الغرب و”الخطة العظمى” في الشرق الأوسط!

بقلم: محمد حسين أبو الحسن- النهار العربي
الشرق اليوم– صراع الخير والشر لا نهاية له، انتصار أحدهما مؤقت ويرتبط بميل الذات الإنسانية إلى هذا الخيار أو ذاك، مثلما جسدته رواية “دكتور جيكل ومستر هايد” للكاتب الاسكتلندي لويس ستيفنسون. كشف جنوح الدكتور جيكل إلى جنون السفاح هايد عن أن هلاك المرء مرهون بتحفيز الشر داخل الروح؛ السطوح خادعة، وما تحسبه “موسى” ربما يكون “فرعوناً” في الحقيقة… وتلك قصتنا نحن أبناء الشرق الأوسط مع الغرب الأميركي – الأوروبي في كل اللحظات الحاسمة. “خطة الهيمنة الإمبريالية العظمى” لا تزال تجري على قدم وساق، بكل بطش، ومع ذلك يردد كثيرون في الغرب: “لماذا يكرهوننا؟!”… فأين حمرة الخجل؛ والأهم ما العمل؟!

خندق إسرائيل
يظل الموقف الأميركي – الأوروبي من قضية فلسطين والوقوف في خندق إسرائيل ودعمها بلا حدود مادياً ومعنوياً؛ ما يوقع بالعرب مظالم ومكاره وخسائر بلا حصر؛ تربط أميركا وأوروبا مستقبل مصالحهما في المنطقة بإسرائيل قوية وقادرة على أن تمد ذراعها إلى خارج حدودها كلما أرادت دون قيود، دولة تحوز منفردة كل أسلحة الدمار الشامل، نووية وكيميائية وبيولوجية تعربد بتواطؤ غربي في طول الشرق الأوسط وعرضه، ما يجعل خطط السلام التي قدمت كحل للقضية الفلسطينية ليست أكثر من قصاصات ورق تتقاذفها الرياح.

ما يجري في غزة من مذابح، لا يمكن عزله عن الإرث الثقيل للعلاقات بين الغرب والشرق الأوسط؛ نتيجة ترسبات تاريخية وثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية، أحداث في أزمنة مضت لكن مفاعيلها تواصل قذف الحمم والنيران. الحدث المفتاحي، في العصر الحديث، هو الاستعمار منذ احتلال فرنسا لمصر ثم الجزائر واحتلال بريطانيا لمصر وبقية العرب، وصولاً إلى الصراع العربي – الإسرائيلي، ثم إعادة غزو أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا، بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الأميركية وما سمّي “الربيع العربي”. أحداث جسام مترابطة هندست المنطقة ورسخت صورة دائمة لحملة ثابتة لقوى الغرب؛ من أجل السيطرة على الشرق الأوسط بكل الوسائل المتاحة، مهما تكن خسائر شعوب المنطقة البشرية والاقتصادية والاستراتيجية الباهظة نتيجة هذه السياسات الغربية، والتي ترفع أحياناً شعارات براقة كالمدنية والديموقراطية أو الحرية للمنطقة.

بالطبع كان لبريطانيا قصب السبق والريادة – ولا تزال العقل المدبر برغم شيخوخة الأسد البريطاني. أرست لندن ركائز الخطة الإمبريالية العظمى، وأبرز سماتها أن المنطقة من وادي النيل عبر الشرق الأدنى والجزيرة العربية إلى إيران وصولاً إلى الهند، لا بد أن تكون حلقات متصلة للامبراطورية البريطانية في غرب ووسط آسيا، لمنع تدخلات الدول الأوروبية الأخرى، خاصة فرنسا، وحاجزاً يقي من التوسع الروسي ويمنع وصوله إلى الهند وأفريقيا، والمحصلة النهائية لهذه الخطة هي ضمان تجزئة العرب ومنع اتحادهم.

غليان حبيس
وقد استهدفت الخطة إحكام ربط الخليج والجزيرة والمشرق العربي ببريطانيا عن طريق ضمان تجزئة بلدان المنطقة بشكل أوسع من سايكس – بيكو، ومنع اتحادها حتى بعد استقلال هذه البلدان وامتلاكها الإرادة الحرة في تقرير مصيرها، وقد ارتبط هذا الوضع بالاعتباطية الرهيبة المحزنة التي اتصفت بها عملية ترسيم الحدود – على حد تعبير الدكتور خلدون النقيب – ما مهد للتبعية والهيمنة، وقاد إلى أزمة هيكلية في أبنية الدولة العربية تتمثل في الركود الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحضاري الملازم لسياساتها ووصولها آلى طريق مسدود في أغلب الأحيان وحالة غليان حبيس.

ثمة قليل من الحقائق التاريخية في شأن نقاط التحول الكبرى التي تهدينا لمعرفة الخلفية التاريخية للواقع الراهن في الشرق الأوسط برياحه وأعاصيره التي لا تهدأ؛ يخرج الغرب من جوف التاريخ خرافياً متخيلاً، تمدينياً متديناً عاطفياً علمانياً امبريالياً، مثل الألوان التي تخرج من منشور زجاجي، أوروبا بذرته التي انبثقت منها فروعه عبر الكوكب. يرى بارسون صمويل بورشاس أن الله أمسك علوم الإبحار عن الفرس والمغول والعرب والصينيين والتتار والمغول، حتى تسطع شمس الحقيقة من غربنا لتضيء الشرق، وبالنسبة للأوروبيين الذين نزلوا على يابسة العالم الجديد لم يكن الغرب نقيضاً للشرق بقدر ما كان خليفته الإلهية. كان فجر التاريخ في الشرق ولكن نضوجه كان في الأراضي المسائية للغرب وتبع التفسخ الشرقي التجدد الغربي.

ظلت بريطانيا الراعي الرئيسي للخطة الإمبريالية العظمى، طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين، قبل أن تمسك الولايات المتحدة بدفة القيادة للهيمنة على المنطقة وحصد ثمارها، وصولاً إلى الزمن الراهن، لعرقلة نفوذ المنافسين ولا سيما الصين وروسيا في المنطقة، ولا تزال فصول الخطة تتوالى، بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب العرب والسعي لتمزيق مجتمعاتهم؛ استناداً إلى الشعور الغربي بالتفوق والجدارة على العرب وبقية شعوب الأرض في كل شيء؛ فالغرب مؤهل للقيادة؛ وعلى العرب أن يخضعوا ويستجيبوا؛ لكي يتحاشوا العقاب!

عرب قادرون
يقرع الغرب اليوم طبول الحرب في فلسطين وغيرها من أرض الله؛ لتوريط الجميع في الحروب ومساندة الإجرام الإسرائيلي الوحشي، ما يفتح أبواب الجحيم على الجميع ويصب في مصلحة التطرف وجماعات العنف والإرهاب الراديكالية البغيضة من كل الأديان بلا استثناء، ويزعزع استقرار بقية دول المنطقة والعالم ويهدد أمنها القومي. الأسوأ أنه يبث الحياة في دعاوى الكراهية والصدام الحضاري المقيتة بين الشرق الملتاع والغرب المتجبر؛ فالبعض يكره الغرب لما يرتكب في حق الشعوب من مظالم، والبعض يكرهه لما يتمتع به من استعلاء مقيت، أو غطرسة وبطش، وبعضهم يكرهه رفضاً لهيمنته على شئون الكوكب واستفراده بتقرير مصيره.

تجسد أحداث الشرق الأوسط الراهنة ما توافق عليه ساسة الغرب خلف الأبواب المغلقة، ضغوط متصاعدة لخنق الدول وتمزيقها، ولا مانع من استحضار شعارات زائفة بل معيبة. عندما سئل ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا عن السر وراء مساندة بلاده لإسرائيل بالمال والسلاح والنفوذ السياسي، أجاب لأنها “الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والمكان الذي يجد فيه مثليو الجنس حريتهم!”.

يخطئ من يظن أن سايكس – بيكو انتهت، “مستر هايد” الشرير يتخفى دوماً في إهاب “دكتور جيكل” الطيب، ظاهرياً. جانب مظلم وجانب مضيء، وهذا ما ينبغي أن يدركه العرب بمعنى استثمار الجانب المضيء في العلاقة مع الغرب. ثمة كثير من التوافقات والمصالح الكبرى مع الغرب، يمكن استثمارها وتنميتها لمصلحة شعوب المنطقة والعالم، كما أنه من المؤكد أنه ليس كل ما تعمل عليه واشنطن وبروكسل ينتصر بالضرورة على الإرادات الوطنية للشعوب الراسخة ذات القدرة والعزم؛ فلا يجوز الاستسلام لإرادة الغرب في ما يمس قضية جوهرية كالقضية الفلسطينية.

وأعتقد أنه ليس من قبيل المبالغة إطلاقاً، القول إن العرب اليوم ليسوا رقماً سهلاً أو ضعيفاً بأي حال، العكس هو الصحيح، بل أظن أن دولاً مثل السعودية والإمارات وقطر بأدوارها الصاعدة بقوة على المسرح الإقليمي والدولي، يمكنها – بمساندة مصر والجزائر والمغرب – قلب الطاولة وإعادة الغرب إلى رشده، حتى ولو بالتلويح بـ”الجزرة”، ليعود دكتور جيكل، ويتوارى مستر هايد بشرّه اللامحدود!

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …