الرئيسية / مقالات رأي / حال العرب وسط المذبحة!

حال العرب وسط المذبحة!

بقلم: محمد صلاح- النهار العربي
الشرق اليوم– لا يحتاج الأمر إلى مراجعة تاريخ ووقائع وتفاصيل مؤتمرات القمم العربية السابقة لإدراك حجم التناقضات، وكمّ الأزمات وصعوبة الاتفاق بين العرب على المستويين الرسمي والشعبي. قد يكون الكلام صادماً لكنها الحقيقة التي أوصلت العرب إلى الوضع الذي هم فيه الآن، ويكفيك فقط أن تراجع التراشقات اللفظية بين أبناء البلدان العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائل التحريض والتنمّر وربما الكراهية التي يتبادلها بعضهم للسخرية من هذا البلد أو التهكّم على هذا المسؤول العربي، أو أن تطالع بعض ما يُكتب في مواقع إلكترونية لتقرأ وتشاهد كيف وصل الحال إلى درجة أنّ العرب صاروا لا يجيدون الحديث إلى أنفسهم، فما بالك بالحديث مع الآخرين!

هم لا يقبلون بالاختلاف في الفروع والاتفاق على الأصول، فتسأل نفسك: كيف سيقنعون حكومات وشعوب الدول الأخرى بعدالة قضيتهم؟ وهل هؤلاء لديهم القدرة على تغيير قناعات ترسّخت لدى الغرب لعقود طويلة، وهم لا يدركون أخطاءهم حتى لا يكرّروها؟ يكفيك أيضاً أن تقرأ التاريخ لتعرف أنّ الإسرائيليين، رغم كونهم ذهبوا إلى فلسطين من بقاع الأرض ولا تجمعهم لغة أو موروثات، صبروا على أنفسهم وتخطّوا خلافاتهم واستطاعوا على مدى عقود التغلّب على تناقضاتهم إلى أن أسّسوا دولة تستطيع كل فترة أن تسحق أصحاب الأرض الأصليين من دون أن يردعها العالم… أو العرب، بينما العالم العربي تفرّق وتشرذم وتشتت من دون فارق كبير بين حكومات وشعوب إلا في أمور شكلية.

ربما السؤال المنطقي الذي يطرحه المواطن العربي: لماذا لم يجتمع القادة العرب في قمّة عربية حتى الآن؟ ليس لعلاج أمراض وجراح النظام العربي التي تحتاج إلى عقود لعلاجها وتضميدها، وإنما للبحث في مسألة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟ الإجابة المتوقعة المنطقية ستكون: لأنّ العرب ليس في أيديهم أدوات تمكّنهم من وقف المجازر فوراً وتقديم العون للفلسطينيين وعقاب إسرائيل، خصوصاً بعد فشل المنظمات الأممية والضغوط الشعبية الدولية والمناشدات الرسمية العربية في وقف الحرب ومنع الجزّار من أن يكمل ذبح الضحية.

حال العرب الآن أسوأ من أي وقت مضى، والنظام العربي يعاني تصدّعات لا يمكن انكارها، وحين كانت العلاقات العربية – العربية طيبة وطبيعية كانت القمم العربية تخرج بقرارات وتوصيات، شكلية، لا تجد سبيلاً للتنفيذ، خصوصاً في شأن قضايا تتحكّم قوى أخرى فيها، فما بالك بحرب أخذت الولايات المتحدة على عاتقها أن تتمّ لنهايتها، إلى درجة جعلت دولاً غربية، يفترض حرصها على حيوات الناس وحقوقهم بل ومشاعرهم، هرولت وتنافست في عرض خدماتها العسكرية ومشاعرها التعاطفية مع إسرائيل والرقص أمام البيت الأبيض لتأكيد الولاء ونيل الرضا، وعلى الجانب الآخر، العرب منقسمون بل وقل إنّ دولاً عربية نفسها مقسّمة!

ابتلي العرب بإرهاب تنظيمات تستخدم الدين وتتاجر به، وخدعهم الغرب بأجهزة استخبارات تدعم الإرهابيين لتستنزف أنظمة أو تضغط على دول، ولعبت بأوراق الحرّيات وحقوق الإنسان لتحدّ من قدرة الأنظمة على مواجهة جماعات قُطرية تعمل داخل دولها وتعادي أنظمتها وشعبها، وأقصى طموحها قلب الحكم في دولها، بينما “الإخوان” يتسرطنون بين ثنايا الخلافات، ويخدعون الشعوب العربية بشعارات برّاقة جاذبة متفائلة: “على القدس رايحين شهداء بالملايين”، بينما في الغرف المغلقة ينتظرون المكافآت من أجهزة الاستخبارات.

حال العلاقات بين دول عربية وأخرى ليس خافياً على أحد والتفاصيل كثيرة، ولا يبدو في الأفق نهاية لخلافات تحوّلت إلى صراعات أثّرت بدورها حتى على دول أخرى، وسوريا كانت نموذجاً، ولم يتعظ العرب فجاءت ليبيا لترسّخ القناعة بأنّهم لم يتعلّموا ولم يستوعبوا الدرس فكانت المذبحة ضدّ الفلسطينيين في غزة عقاباً لكل العرب.

على مدى عقود ظلت القمم مناسبات لعقد مصالحات بين الرؤساء والزعماء، لكن قمّة مفترضة عن غزة لا مجال فيها لمصالحات، لأنّ الخلاف ليس شخصياً بين زعيمين، أو مصالحياً بين دولتين، وإنما كارثة مثّلت محصلة لكوارث أخرى سابقة كانت أصغر حجماً وأقل تأثيراً، تجمّعت ككرة ثلج وكأنّها ذروة لمواسم مارست إسرائيل فيها هوايتها في التنكيل بالفلسطينيين والانتقام كلما فشلت في التصدّي لعملية لـ”حماس” أو أي فصيل آخر!

إذا كان هذا هو الحال فما جدوى القمّة؟ النظام العربي لا يعاني فقط تناقضات جوهرية في أهداف عناصره وسياسات أعضائه وعجزاً عن الحركة والتصرف إلا في الحدود التي لا تحلّ قضية أو تنقذ شعباً عربياً من الذبح. ظلّت القضية الفلسطينية بنداً دائماً ثابتاً حتى في القمم الطارئة، وحتى لو كان سبب عقدها أزمة في دولة أخرى، لكن ولسخرية القدر أصبح جدول أعمال القمّة معروفاً ونمطياً ومكرّراً، فبعد بند القضية الفلسطينية هناك العراق واليمن وليبيا، إضافة إلى ملفات أخرى لم يعد للنظام العربي قدرة على حلها، وحلولها ليست في أيدي العرب.

هل تمكنت القمم العربية من أن تحل مشكلة العراق؟ وهل تستطيع من دون ضوء أخضر من إيران؟ هل استطاعت وضع نهاية للمأساة السورية؟ وهل يمكنها من دون موقف لأميركا خصوصاً وروسيا والغرب عموماً إضافة إلى تركيا وإيران؟ ماذا فعلت القمم العربية لحل الأزمة الليبية؟ أليست معضلة لدى القمم العربية أنّ دولاً صارت متّهمة بالتواطؤ مع سرطان الإرهاب بدعمه أو التبرير له، أو صناعة المناخ الذي يساعده، أو التغاضي عن ملاحقة القائمين عليه؟

التناقضات العربية صارت أكبر من أي وقت مضى، ولم تعد أي قمّة قادرة على تجاوزها أو حلّها أو حتى تهدئتها. في زمن سابق كانت الخلافات تتعلق غالباً بالمصالح، أو العلاقات مع القوى الكبرى، أو حتى النزاعات الحدودية، والآن صارت أيضاً إيديولوجية ليس بين المذاهب فقط كالسُنّة والشيعة، كما الحال في العراق واليمن، ولكن أيضاً بين أصحاب المذهب الواحد، و”الإخوان” و”داعش” و”فجر ليبيا” و”أنصار بيت المقدس” نماذج طغت على السطح في دول تحكمها أنظمة وتسكنها شعوب من السنّة، بينما “حزب الله” والحوثي والحشد الشعبي في انتظار التنسيق، أو قل الأوامر، من إيران غير العربية. فهل تستطيع أي قمّة أن تفرض قراراً على حزب أو تنظيم أو جماعة في أي دولة عربية؟ وحتى التحالفات الإقليمية داخل النظام العربي تعرّضت لمؤامرات خارجية، وزرعت بين نسيجها الأسافين والألغام، فأصبحت أيضاً مهدّدة بفعل المواقف المتناقضة والسياسات المتعارضة.

لا تتوقع أن تخرج أي قمّة عربية بحلول لقضايا تتجاوز قدرة العرب على حلّها، وأقصى ما يمكن أن تحقّقه أن يعلن القادة العرب أنّ النظام العربي بخير… و”نحن هنا” لمجرد ان تُرسخ القمّة مواقف أطراف عربية مقتنعة بضرورة بقاء النظام العربي بينما أطراف أخرى، عربية أيضاً، لم تعد ترى في العرب أملاً، أو في النظام العربي فائدة، أو في وجود الجامعة العربية ضرورة.

ربما يحتاج علاج أمراض النظام العربي عقوداً أو سنوات طويلة، لكن من أين البداية؟ وإلى حين أن يعثر العرب على بداية جديدة وتتبدّل الظروف الداخلية والأوضاع الإقليمية والمصالح الدولية، سيبقى النظام العربي على حاله مهدّداً، طالماً بقيت دول بلا حكومات أو رؤساء أو جيوش… أو شعوب!

لدى الإسرائيليين دولة وأرض يسيطرون عليها، وسلطة يمارسونها، وعملة يتداولونها، وبقيت الدماء العربية لديهم رخيصة، أو قل بلا ثمن إلا تخويف العالم وإرهابه، أما التحدّي، فسيظل وسيلتهم في التعامل مع الآخر، والقتل يمارسونه بمنتهى اللذة وتحول ليكون لغتهم في التخاطب مع أعدائهم. لا يعبّر الإسرائيليون عن قلقهم إزاء موقف ما، بل يتحدّون أيّ دولة وأيّ طرف آخر ويسعون إلى عقابه ثم يتفاخرون بإرهابهم، وهم لا يتركون شعوب الدول الأخرى حائرة لمدة طويلة، فهم يغتالون ثم يتبنون الاغتيال بل يشرحون كيف قصفوا أو صوبوا أو قتلوا واختاروا ألا يكون إرهابهم “وسطياً” مخفياً، أو يتستر خلف حديث هادئ أو سلوك رصين، بل أصبح علنياً صريحاً مباشراً فظاً عنيفاً متحدّياً متبجحاً.

نعم، وبكل أسف، بدا حال العرب أثناء الإجهاز على أهل غزة عرضاً لأمراض استعصت وتسرطنت وأوصلتهم الى الدرجة التي تجعل أي تسوية مطروحة، أميركياً واسرائيلياً، بعد انتهاء الحرب لا يُشار فيها إلى أدوار للعرب أو حتى السلطة الفلسطينية وإنما إلى قوى إقليمية أخرى وعلى رأسها إيران.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …