الرئيسية / مقالات رأي / هل نستضيف إسرائيليين في وسائل الإعلام العربية؟

هل نستضيف إسرائيليين في وسائل الإعلام العربية؟

بقلم: ياسر عبد العزيز- الشرق الأوسط

الشرق اليوم– الهجمات الدامية والمأساوية التي تشنها إسرائيل راهناً على غزة ليست مُربكة على الصعد السياسية والأمنية والإنسانية فقط، لكنها مُربكة أيضاً على الصعيد الإعلامي؛ وهو أمر لا يخص الإعلام العربي وحده، ولكنه يمتد كذلك إلى الإعلام الإسرائيلي والدولي.

أما المقصود بمفهوم الإرباك المذكور هنا فيُمكن إدراكه من خلال عرض بعض الأسئلة التي تجسّده، وتوضح أبعاده؛ وهي أسئلة لا تخص بيئة إعلامية محددة، ولكنها تتسع لتشمل عديد البيئات.

ومن بين تلك الأسئلة ما يتعلق بالحياد والموضوعية والتوازن والدقة، والخط الفاصل بين ما هو سياسي وما هو مهني، وما هو عاطفي وإنساني وما هو مهني، بل إن تعريف «المهنية» ذاته يطرح في تلك الأوقات العصيبة اختلافاً وإرباكاً شديدين.

وفي الأيام القليلة الفائتة، برز سؤال عمره أكثر من ربع قرن، بعدما أعاد البعض طرحه من جديد بصور شتى، ليعمّق حالة الإرباك والتضارب، ويضيف إلى عوامل التشوش والحيرة عاملاً جديداً.

والسؤال المقصود يقول: «هل تستضيف وسائل الإعلام العربية مصادر ومتحدثين إسرائيليين، أم أن ذلك يُعد تطبيعاً، ويقدم هدايا مجانية للعدو الظالم الغاشم، في وقت نحتاج فيه إلى تصليب كل قوة ممكنة لنصرة أهلنا في غزة؟».

لم يكن هذا السؤال جديداً على ساحة البحث والنقد الإعلاميين في العالم العربي، كما أنه سؤال سياسي أيضاً في أحد جوانبه بكل تأكيد، وقد بدأ طرحه منذ بدأت وسائل إعلام عربية هذه الممارسة قبل نحو 27 سنة، ومنذ ذلك الوقت لم يكفّ كثيرون عن طرحه مرات ومرات، بل عُقدت مؤتمرات، ونُظمت منتديات، وأُجريت أبحاث بشأن محاولة الإجابة عنه، وسبر أبعاده، في عديد البلدان.

أما منبع الإرباك في هذا السؤال، وما يحمله من حمولات ودلائل، فله مصادر عدة، لكن أكثر هذه المصادر إثارة للدهشة أن بعض تلك الوسائل بالذات قُدِّمت سنواتٍ طويلةً بوصفها إحدى أدوات «القوة الناعمة» المُتصدية لـ«العدوان الإسرائيلي» والمُدافعة عن «الحق الفلسطيني»، وهي لم تستنكر قط طرح هذا السؤال عبر أثيرها، ولم يتوقف بعض نجومها عن اتخاذ مواقف أكثر راديكالية ومزايدة على نظيراتها في هذا الملف نفسه.

ومن بين تلك المصادر أيضاً أن قطاعات كبيرة بين النخب والجمهور العادي تحتفي احتفاءً واضحاً بعدد من السجالات التي «هُزم» فيها إسرائيليون على أيدي متحدثين عرب أو أجانب «لبقين» و«قادرين على إخزاء السردية الإسرائيلية ومروّجيها».

ورغم أن كثيراً من البحوث التي أُجريت تحت عنوان «المقاطعة» و«معاداة التطبيع»، انطلقت من نهج يركز على ضرورة إدامة المقاطعة، فإن بعضها استثنى تلك اللقاءات التي توجه إلى جمهور غير عربي، على أساس أن إيصال وجهة النظر العربية – ولو في حضور إسرائيليين وعبر السجال معهم – عمل «قومي» وضرورة مُلحة تُبيح المحظور «المُتفق عليه».

إضافة إلى ذلك، فإن تغير البيئة الاتصالية التي تواكب الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهيمنة «الشبكات الاجتماعية» ذات النفاذ والتأثير في قطاع كبير من تلك المواكبة، منحا هذا الإرباك سبباً جديداً، حيث يتابع الجمهور العربي المتحدثين والمسؤولين الإسرائيليين على تلك الوسائط باطراد، وربما ينخرط بعضه في سجالات وملاسنات معهم، ويتباهى آخرون بما قالوه في تلك السجالات، بوصفه من عناصر المناصرة الواجبة للقضية الفلسطينية.

ثمة تفسيرات عدة لهذا الارتباك الكبير الذي يُبقي السؤال مطروحاً على الدوام، بينما تتخبط الإجابات عنه وتتضارب، وتُستغل أيضاً في الضغط على وسائل الإعلام، والدول التي تنطلق منها، والإعلاميين الذين يعملون بها، ولا يجد بعضهم إجابة شافية عنه.

والشاهد أن تفسير هذه الحالة المُرتبكة يكمن في عاملين؛ أولهما الخلط الدائم بين ما هو سياسي وما هو مهني في العمل الإعلامي، وثانيهما غياب القواعد المؤسسية في عدد كبير من وسائل الإعلام العربية.

فالبعض يريد أن يكون مهنياً ومنحازاً للقضية التي يراها «إنسانية وعادلة» في آنٍ واحد، وهو أمر سيكون صعباً على الدوام؛ إذ إن المهنية تقتضي منح الأطراف المنخرطة في قضية أو صراع ما فرصاً متكافئة وعادلة للتعبير عن مواقفها، وذكر الوقائع حتى لو كانت تتحدى المزاج السائد.

ومن جانب آخر، فإن كثيراً من الوسائل الإعلامية المُرتبكة لم تستكمل قواعد بنائها المؤسسي، ومن ضمن تلك القواعد ما يتعلق بضرورة الإفصاح عن «بيان المُهمة» الذي تعتمده لذاتها؛ أي الإجابة عن السؤال: من نحن، وماذا نفعل؟

فإذا كانت الإجابة عن هذا السؤال هي: «نحن وسيلة إعلام تعمل على نصرة القضية الفلسطينية، والدفاع عن حقوق المظلومين»، فيجب أن يُمنع الإسرائيليون من الظهور على أثيرها. أما إذا كانت الإجابة: «نحن وسيلة إعلام تستهدف نقل العالم وشرحه، وإحاطة جمهورنا بأفضل المعلومات والتحليلات لفهم الأحداث التي نتصدى لتغطيتها»، فسيظهر الإسرائيليون على أثيرها.

سينتهي هذا الارتباك عندما تستطيع وسيلة الإعلام العربية الاختيار بين النهج المهني والنهج السياسي في أدائها، أي بين العمل بوصفها وسيلة إعلام أو أداة دعاية. وعندما تُشخص كل وسيلة إعلام دورها على نحو واضح، وتختار مهمتها، وتعلنها للمجال العام، وهو أمر لا يُسوغ غيابه ما يرتكبه الإعلام الإسرائيلي والإعلام الغربي من أخطاء.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …