الرئيسية / مقالات رأي / هواجس توتر بين موسكو وبكين

هواجس توتر بين موسكو وبكين

بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- فور اختتام مشاركته في احتفالات الصين بالعيد العاشر لإطلاق مبادرة “الحزام والطريق”، ضمن الوفد الروسي الذي ترأسه الرئيس، فلاديمير بوتين، غادر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بكين، يوم الأربعاء إلى كوريا الشمالية، والتقى صبيحة اليوم التالي الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون”، في بيونغ يانغ. هذه الزيارة بحيثياتها المشار إليها، أثارت اهتمام المراقبين، وكان السؤال الشاغل بهذا الخصوص، هو: هل لمغادرة سيرغي لافروف بكين إلى بيونغ يانغ، قبل أن يغادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العاصمة الصينية عائداً إلى بلاده، علاقة بما ورد على لسان الرئيس بوتين في كلمته في افتتاح الدورة الثالثة لمنتدى الحزام والطريق أن روسيا والصين “تتشاطران الرغبة في تعاون على قدم المساواة في العالم”؟ هل تلمس بوتين “تحولاً ما”، من جانب الصين، في العلاقة مع روسيا مفاده أن الصين باتت مهتمة بالتعامل مع موسكو “على غير قاعدة المساواة”، أو “غير الندية”، وأن توازن القوى بين الطرفين الذي أخذ يعاني من الاختلال الواضح والمتسارع لصالح الصين منذ دخول روسيا الحرب ضد أوكرانيا، بات يغري الصين بوضع مسافة بينها وبين روسيا، وأنها أضحت مهتمة بأن تكون “قطباً عالمياً” مناوئاً للولايات المتحدة، على قاعدة “الثنائية القطبية”، في بناء النظام العالمي الجديد والمأمول، وليس على قاعدة “التعددية القطبية”، كما تريد موسكو، ما أدى بوزير الخارجية الروسي لتسريع سفره إلى كوريا الشمالية بحثاً عن دعم تريده موسكو لمواجهة تحديات الأوضاع العسكرية في أوكرانيا، وأن روسيا لم تحصل على هذا الدعم من الصين، أو أن الصين كانت لها مطالب، أو شروط لتقديم هذا الدعم؟

السؤال مهم في ضوء خلفيات أخرى مهمة جرت في العلاقات الصينية- الأمريكية، وفي العلاقات الصينية – الروسية في الأشهر القليلة الماضية.

ففي يوم الاثنين (18/9/2023) جرت محادثات في نيويورك بين نائب الرئيس الصيني “هان جينغ” الذي ترأس وفد بلاده إلى دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ووزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن في مقر البعثة الصينية في الأمم المتحدة. وفي هذه المحادثات عبّر وزير الخارجية الأمريكي عن حرص بلاده على “إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وبرهنت أننا ندير، بمسؤولية، العلاقة بين بلدينا”. وكان تعليق نائب الرئيس الصيني على ذلك ما نصه: إن “أكبر قوتين عظميين في العالم تواجهان تحديات كثيرة”. وتابع “العالم بحاجة إلى علاقة سليمة ومستقرة بين الولايات المتحدة والصين”، مشدداً على أن هذا الأمر يصب في مصلحة البلدين “والعالم أجمع”.

المفردات التي استخدمها نائب الرئيس الصيني في حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي تعدّ تحولاً مثيراً في لغة الخطاب السياسي الصيني، خصوصاً عبارة “أكبر قوتين عظميين في العالم” التي تتضمن “تجاهلاً صينياً” لوجود قوة عالمية ثالثة تشارك الصين في جهود إسقاط النظام العالمي أحادي القطبية لمصلحة تأسيس نظام عالمي بديل متعدد الأقطاب، أكثر عدالة، وأكثر ديمقراطية، على نحو ما كان يتحدث الخطاب السياسي الصيني والخطاب السياسي الروسي بهذا الخصوص، هذه القوة العظمى الثالثة هي: روسيا.

هل باتت الصين لا تتعامل مع روسيا باعتبارها “قوة عظمى” ثالثة شريكة للصين في مواجهة الولايات المتحدة، وهل هذا التحول إحدى نتائج اختلال توازن القوة بين بكين وموسكو ضمن تداعيات “الحرب الأوكرانية” التي أجهدت روسيا كثيراً، ويبدو أنها أجبرتها على “مد اليد للصين” للحصول على دعم عسكري أضحى ضرورياً.

يبقى السؤال من دون إجابة، لكن اللقاء الذي جرى في اليوم التالي لتلك المحادثات بين وانغ ييي، وزير الخارجية الصيني بصفته الحزبية أي كعضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، (وهي مكانة أرقى من مكانة وزير الخارجية) مع نيكولاي باثروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي في موسكو (19/9/2023) ربما يكشف بعض الغموض الذي مازال يسيطر على الإجابة عن هذا السؤال.

فوفقاً لبيان صدر عن مجلس الأمن القومي الروسي ناقشت هذه المحادثات مسألة “الأمن الاستراتيجي”. وكان الرجلان أجريا جولة تمهيدية للحوار في نهاية يوليو الماضي في جوهانسبرغ على هامش اجتماع كبار الممثلين المشرفين على القضايا الأمنية لمجموعة “بريكس” على هامش قمة “بريكس” بجنوب إفريقيا.

التركيز على مسألة “الأمن الاستراتيجي” في محادثات على هذا المستوى بين موسكو وبكين تحمل أحد معنيين: إما الحرص المشترك على النهوض بقضايا الأمن الاستراتيجي بين البلدين، وإما وجود خلافات مشتركة حول هذه القضايا، ومن هنا ربما يكون قد جاء التحول الصيني في العلاقة مع روسيا.

ومن الصعب حسم أي من الاحتمالين، لكن تبقى الشكوك قائمة حول مستقبل العلاقة بين الشريكين الكبيرين: الصين وروسيا.

المصدر: الخليج

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …