بقلم: رندة تقي الدين – النهار العربي
الشرق اليوم- ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إسرائيل وعمان ومصر بفكرة تشكيل تحالف دولي ضد “حماس” على نمط التحالف ضد “داعش”. لكن الاقتراح لم يلق تجاوباً من أصدقائه العرب. فالعاهل الأردني عبدالله الثاني المدرك لاتجاهات الرأي العام في بلاده ولما يشعر به العرب من غضب إزاء قتل المئات يومياً من أهالي غزة الذين يعيشون تحت الحصار، يريد أولاً وقبل كل شيء وقف إطلاق نار في غزة ثم التقدم في إطلاق عملية سياسية لحل القضية الفلسطينية. ويعتبر الأردن أن الوقت ليس لتشكيل تحالف يمنع التقدم إلى تجاوز هذه المرحلة الكارثية التي تحصل في غزة.
والأمر مماثل لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي لا يريد تهجير الغزاويين إلى مصر، وتحالف دولي ضد “حماس” يعقد الأمور ولا يحلها. وبحسب صحيفة “لوموند”، فإن أحد مستشاري ماكرون السفير السابق لدى أبو ظبي كزافييه شاتيل هو الذي أوحى بهذه الفكرة.
يقول مصدر دبلوماسي فرنسي لـ”النهار العربي” إن “حماس” قررت حرق أوراقها وأنه لم يعد ممكناً بعد هذه العملية أن يتم التحاور معها. فقد قررت “حماس” الدخول في حرب مع إسرائيل “ولم يعد هناك أي شيء لمناقشته مع هذه الحركة الإرهابية في ذهن القيادة الفرنسية، لأن حماس أساءت إلى كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بإطلاق الحرب على إسرائيل، وهي بهذه الحرب تزيد الصعوبات التي تحيط برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتزيد المخاطر التي يمر بها لبنان والعنف الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، كما أجّجت رد فعل المستوطنين في الضفة الغربية”. وإذا ضرب الإسرئيليون لبنان ودمروه، ومن المتوقع أن يقوموا بذلك في إطار التوقعات الفرنسية، فكل ذلك لأن “حماس” قررت أخذ الجميع إلى تطرف بالغ، يضيف المصدر.
حاول ماكرون خلال زيارته رام الله للقاء محمود عباس دعم موقف الأخير الذي يعاني تراجعاً كبيراً في شعبيته وسط الشعب الفلسطيني وضعفاً في موقفه، فأعلن أن لا شيء يبرر آلام المدنيين في غزة، وأن حياة أي مدني تساوي حياة آخر أياً كان، وأثار موضوع ضرورة إطلاق عملية السلام على قاعدة حل الدولتين. لكن ماكرون لم يثر أمام الإسرائيليين قضية الاستيطان مكتفياً بالقول إن من المهم أن تتحمل إسرائيل مسؤولية معاقبة مرتكبي بعض الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الأبرياء في الضفة الغربية والقدس.
لا شك في أن في موقف ماكرون المنحاز إلى إسرائيل والمدافع بصرامة عن أمنها يعود إلى اعتبارات سياسية داخلية، فمعظم السياسيين الفرنسيين، من أقصى اليمين مع تجمع مارين لوبن إلى أقصى اليسار مع الشيوعي فابيان روسيل، أبدوا تأييدهم الكامل لإسرائيل من دون أي إشارة إلى الاستيطان وتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين، باستثناء جان لوك ميلانشون رئيس حزب الـinsoumis اليساري الذي أصبح أقلية في رفضه وصف هجوم “حماس” بأنه إرهابي. ثم إن الجالية اليهودية في فرنسا تمثل 700 ألف شخص ولكنها تسيطر على الإعلام المرئي والمسموع، ونفوذها الاقتصادي في البلد واسع. كما أن العمليات الإرهابية التي ارتكبت باسم الإسلام وهي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، على أيدي شيشانيين وغيرهم في المدارس وبعض المدن الفرنسية، كنيس وباريس وبعض الكنائس، عززت التخوف الشعبي من المسلمين الذي أدى إلى جو من التوتر الشديد.
في المقابل، فإن انحياز الرئيس الفرنسي إلى إسرائيل من دون إظهار تعاطف حقيقي مع حقوق الشعب الفلسطيني قد يزيد التوتر السائد داخلياً ويؤدي إلى خطر أكبر. فقرار وزير الداخلية جيرالد دارمانان منع التظاهرات الفلسطينية أدى إلى اشتداد التوتر، لكن مجلس الدولة قرر السماح بها. والوضع الداخلي الفرنسي يتطلب سياسة أكثر توازناً والعودة إلى الدور التقليدي المتمايز عن الأدوار الأميركية والبريطانية والألمانية.
رغم الموقف الفرنسي المنحاز إلى إسرائيل، فإن باريس قلقة على لبنان الذي تتوقع ضربة إسرائيلية له بحجة أن “حزب الله” لم يتوقف عن إشعال الوضع في الجنوب، إضافة إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لم يعط أي إشارة لنظيره الفرنسي عندما اتصل به عن نية إيران تهدئة جبهة “حزب الله”. وترى باريس أن عدم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وإنجاز التعيينات في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان تمنع أي مساعدة للبنان في حال ضربه وحاجته إلى مساعدات. لذا يصر ماكرون على الضغط لانتخاب رئيس في أسرع وقت.