الرئيسية / مقالات رأي / الطموح السعودي في ذروته… لا وقت للتلاعب بالحلم النووي!

الطموح السعودي في ذروته… لا وقت للتلاعب بالحلم النووي!

بقلم: محمد حسين أبو الحسن- النهار العربي
الشرق اليوم– تلعب السعودية ودول الخليج الدور الأبرز في صنع القرار بالشرق الأوسط؛ بوصفها رمانة ميزان المنطقة ومركز ثقلها. حالياً، يهوى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان النقلات المثيرة على الرقعة الجيوسياسية؛ لإعادة صياغة المشهد الإقليمي وربما الدولي، آخرها إعلان المملكة أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها ستبدأ برنامجها النووي السلمي، بتعاون كامل مع “الوكالة”، فإلى أي حد تنجح تلك المساعي، وإلى أي مدار تصعد بالمنطقة، وما موقف القوى الكبرى وإسرائيل من الزلزال السعودي وارتداداته، خاصة بعد ما جرى في غزة؟!

“فوكس نيوز”
خلال مقابلته مع قناة “فوكس نيوز” مؤخراً، كشف ولي العهد السعودي عن رغبة الرياض في حيازة برنامج نووي سلمي، مؤكداً أنه “إذا طورت إيران قنبلة نووية فسوف تتبعها بلاده في أقرب وقت ممكن”، بينما أوضح الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي في فيينا أن بلاده قررت بدء إجراءات إنشاء أول محطة للطاقة النووية، وكأنه يقول: إن المملكة لا تنتظر إذناً من أحد؛ لتمارس حقها المشروع في امتلاك التكنولوجيا النووية، من أجل التنمية والتقدم.

الحديث عن رغبة السعودية في تدشين برنامج نووي ليس جديداً، تخطط المملكة لبناء 16 مفاعلاً باستثمارات 80 مليار دولار؛ لتحقيق التوازن الاستراتيجي وتحصين نفسها نووياً؛ وخصوصاً أن إيران باتت على أعتاب القنبلة النووية. الجديد حقاً هو توالي الإعلانات السعودية وعلى أعلى مستوى هرم السلطة، ممثلاً في الأمير محمد بن سلمان (الرجل القوي)، وفحوى تصريح وزير الطاقة الذي يظهر رغبة عارمة في امتلاك التكنولوجيا النووية كاملة؛ أي دورة إنتاج الوقود النووي وتخصيبه؛ بحثاً عن “الاستقلال النووي”؛ حتى لا تصبح تحت رحمة أي طرف آخر، مع ما ينطوي عليه ذلك من حساسية؛ نظراً لدوره في صناعة الأسلحة النووية. لم يتضح بعد سقف طموح المملكة. الطموح عادة على قدر الطامح وقوة إرادته، ولا شك في أن نجاح القيادة السعودية في إرساء برنامج نووي سيكون دليلاً قاطعاً على صلابة الإرادة السعودية. هذا الطموح ليس مطلباً تتضرع به إلى دولة أو قوة لكي توافق عليه لها.

ما تحوزه الرياض من أوراق كثيرة يجعل الحلم النووي قابلاً للتحقق؛ تحمل خطة الأمير محمد بن سلمان “رؤية 2030” شوقاً جارفاً للخروج إلى العالم بوجه جديد للمملكة، وهي تمارس ضغوطاً مكثفة على الولايات المتحدة؛ حتى تساعدها في إقامة برنامجها النووي واستغلال مخزوناتها من اليورانيوم من أجل الطاقة والتصدير؛ ما يضرب عدة عصافير بحجر واحد: مصدر دخل جديد للمملكة يمنحها ثقلاً جيوسياسياً أكبر، ووضع أقدامها على الطريق النووي بوصفها قوة إقليمية مركزية ولاعباً دولياً مؤثراً؛ في إطار استراتيجية سعودية لدفع واشنطن كي تعمل مع الرياض بشروطها الخاصة؛ يرى “ولي العهد” أن النظام العالمي البازغ سيكون متعدد الأقطاب، تلعب فيه الولايات المتحدة دوراً أقل سيطرة.

مبارزة شطرنجية
تدور حالياً مبارزة شطرنجية بين السعودية وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تحاولان تخفيض سقف الحلم السعودي في امتلاك النووي؛ يخشى المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون أن تنتهك السعودية نظام حظر الانتشار النووي، وتسريع سباق التسلح مع إيران التي لديها برنامجها النووي، وهذا بحد ذاته كابوس حقيقي للغرب والعالم، وآخر شيء يحتاج إليه في الشرق الأوسط المتخم بالأزمات.

تدرك القيادة السعودية كل تلك المعطيات، وتلوح بجزرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ مقابل التعاون الأميركي في بناء مفاعلات نووية وضمانات أمنية أخرى؛ فلا تزال واشنطن أهم شريك استراتيجي للرياض؛ العلاقة بينهما حيوية لأسباب تتعلق بالأمن والاقتصاد، لكن الرياض ترفض بشدة التجاوب مع شروط أميركية ترى واشنطن أنها كفيلة بمنع الرياض من تطوير أسلحة نووية، بينما يراها السعوديون محاولة لحرمانهم من الانتفاع بمواردهم الهائلة من اليورانيوم؛ أما إسرائيل فهي تريد ضمان تفوقها العسكري على كل دول المنطقة، بسلاحين: الأول احتكار السلاح النووي، وحرمان أي دولة في المنطقة من امتلاكه أو أن تصبح منافساً لها فيه. والآخر هو ضمان الولايات المتحدة لتفوقها العسكري النوعي في الأسلحة التقليدية على كل دول الجوار. وفي هذا السياق تعمل إسرائيل على تطوير قدراتها التقليدية بالحصول على أحدث ما في الترسانة الأميركية، بل والمشاركة في تصنيع هذه الأسلحة، خاصة الطائرات والصواريخ المتطورة بأنواعها.

وإذا كان الحال كذلك في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا سيما العسكرية، فإنه يصعب على السعودية القبول بالشروط الأميركية – الإسرائيلية في أي اتفاق ثنائي أو ثلاثي، معلن أو غير معلن، من شأنه أن ينتقص من سيادة المملكة، أو يقيد إرادتها، أو يعيدها للخضوع للمبدأ القديم “النفط مقابل الدفاع”.

ترسم المملكة مساراً جديداً لتحركاتها وآليات تحقيق أهدافها، على الساحتين الإقليمية والدولية، لذلك حرص وزير الطاقة السعودي على أن يذكّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقرار عام 1995 الخاص بإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. وهو قرار ترفضه إسرائيل؛ هذا معناه أن الرياض ترفض تلقي دروس من آخرين، بشأن الالتزام بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، داعية إلى إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية.

معادلات القوة
لا تتوقف الجهود السعودية عند هذا الحد، بل تسعى بدأب لا يكل إلى استكشاف خيارات للعمل مع دول أخرى، مثل كوريا الجنوبية وفرنسا أو روسيا والصين. يعي السعوديون أن التكنولوجيا النووية الأميركية هي الأفضل، مع ذلك يخطون بثبات صوب التكنولوجيا النووية الصينية وربما الروسية. صحيح أن الصين شريك استراتيجي لإيران، لكن بروزها كقطب عالمي صاعد؛ جعل المملكة تعمل على تعزيز الثقل الخليجي والعربي في دائرة علاقات بكين مع المنطقة، دون أن تنكفئ على العلاقات الاستراتيجية مع طهران فقط، خاصة أنها لعبت دوراً مشهوداً في التهدئة بين البلدين أخيراً، واليوم تساعد الصين السعودية في تطوير ثمانية مواقع للتنقيب عن اليورانيوم.

في حين تعكس الشراكة بين السعودية وروسيا بشأن أسعار النفط توافقاً في المصالح، لا تحالفاً استراتيجياً، لكنه توافق يقوى باستمرار لمصلحة الطرفين، وموسكو جاهزة لإمداد الرياض بما ترغب من مكونات نووية، وإن كانت السعودية ستفكر طويلاً قبل أن تقدم على خطوة كتلك، حتى لا تستفز الولايات المتحدة، في ظل الأزمة الأوكرانية.

يمثل تعزيز العلاقات السعودية مع روسيا قلقاً حقيقياً للغرب، لكن التقارب الشديد بين المملكة والصين، يعد كابوساً له، خاصة مع الخطوات المتسارعة للتعاون بين العملاقين الخليجي والآسيوي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً، وانضمام المملكة في تجمع بريكست، ما قد يقود في النهاية إلى أن تصبح المملكة أول دولة عربية تحوز سلاحاً نووياً، بكل تأثيرات ذلك إقليمياً ودولياً.

رفع الأمير محمد بن سلمان شعار “السعودية أولاً”؛ بمعنى الاعتماد على الذات وامتلاك عناصر القوة الصلبة والناعمة، ومد الجسور مع القوى الكبرى، خارج المظلة الأمنية الأميركية، أقرب ما يكون إلى عدم الانحياز أو الحياد الإيجابي. ولا يختلف اثنان على أن قوة واستقرار الأوضاع في السعودية – وبقية دول الخليج – يرجع إلى ضخامة ثرواتها المالية ووفرة احتياطياتها النفطية وقدرتها الهائلة على النفاذ إلى أسواق المال والأعمال والاستثمار في العالم شرقاً وغرباً بفوائضها المالية الجبارة.

هذا ما يجعل المحركات والروافع السعودية الصاعدة في معادلات القوة بالمنطقة، تحوز الدور الأقوى تاثيراً في دفع السياسة العربية في اتجاه دون غيره؛ تفهم الرياض أن الوضع العربي عموماً يعاني خللاً مزمناً لن ينصلح إلا بتصحيح موازين القوة بالشرق الأوسط، المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة، وخصوصاً أن الطموح السعودي في أوج اكتماله!

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …