الرئيسية / مقالات رأي / نيويورك والحراك السياسي اليمني

نيويورك والحراك السياسي اليمني

بقلم: خالد اليماني – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- شكلت المشاركة اليمنية في فعاليات الجزء رفيع المستوى من أعمال الدورة الـ 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023، حدثاً مهماً وسابقة حميدة تعكس الرغبة في ترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية، وتمثلت في وفد موسع من مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي، ونائب رئيس المجلس رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.

وتواكب الحراك السياسي اليمني في الأمم المتحدة مع زيارة استثنائية لوفد من قيادات “أنصار الله” الحوثيين للعاصمة السعودية الرياض تكللت بلقاء وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان.

عناوين مهمة صاحبت هذا الحراك السياسي أولها نضوج توجه جاد في مجلس القيادة الرئاسي للحاجة الملحة إلى استيعاب الأجندات الخاصة لبناء القواسم المشتركة بعد عام ونصف العام من مقررات “الرياض 2”.

وخطوة الإنجاز هذه تحسب لرئيس مجلس القيادة الذي تحمل هذه المهمة في ظروف شديدة التعقيد عناوينها المواجهة وتضارب المصالح، وها نحن اليوم نرى “المجلس الانتقالي الجنوبي” يقدم أجندته في الساحة الدولية تحت مظلة الشرعية.

أما العنوان البارز الآخر لهذا المشهد فيتلخص في قيام وفد من قيادات “أنصار الله” الحوثيين بزيارة الرياض، عاصمة القرار في تحالف دعم الشرعية، بما يؤكد قدرة صانع القرار السعودي على مواصلة السير في نهج تفكيك عقدة الصراع اليمني وإنهاء الحرب العدمية، وأخيراً جلب الأطراف اليمنية المتصارعة إلى طاولة واحدة للبحث في أفضل السبل للعيش المشترك وإعادة الإعمار واللحاق بورشة التقدم والتنمية التي تشهدها دول المنطقة حالياً وتقودها السعودية، وكل هذه العناوين كانت حاضرة في اللقاءات الثنائية والمتعددة حول اليمن في نيويورك.

ويدور الحديث حول مساقات متواكبة واستحقاقات تدور داخل بنية قوى الشرعية المنضوية تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي ضمن ما يعرف بمشروع استعادة الدولة، وفي الوقت نفسه داخل سلطات “أنصار الله” الحوثيين في صنعاء، فمن جهة تجتهد قيادة المجلس الرئاسي للاضطلاع بدورها لتنفيذ “مقررات الرياض 2” بهدف رص الصفوف وتماسك المكونات على رغم تمايز أجنداتها، فيما يعيش الحوثيون في خضم تضارب تياراتهم الداخلية بين رافض لخطوات السلام وبين قابل بها ولكن بشروط.

وفيما يتطور الحراك أتطلع شخصياً بتفكير عميق إلى مسار سلام الشجعان وحراكه الدؤوب، من خلال مصافحات الرياض بين وفد “أنصار الله” الحوثيين والأمير خالد بن سلمان، ومصافحات الوفد السعودي برئاسة السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر في صنعاء خلال أبريل الماضي مع قيادات “أنصار الله” الحوثيين، وتلك المصافحة التي تمت بيني بصفتي رئيساً لوفد الحكومة اليمنية ووزير خارجيتها بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ديسمبر 2018 مع رئيس وفد “أنصار الله” الحوثيين عقب الانتهاء من مشاورات ستوكهولم وما تلاها من ردود فعل متفاوتة، ومع هذا مثلث بداية لطريق وعر للبحث المشترك عن السلام المستدام لليمن المكلوم، وكانت إرهاصات ذلك السلام الحقيقية في السويد، إلا أن المجتمع الدولي أدار حينها ظهره لها.

هدم أصنام العقدة اليمنية

في هذه اللحظة التاريخية المفصلية التي تؤشر إلى دخول اليمن مرحلة جديدة من رحلة تفكيك عقدتها الوطنية، ينبغي إبراز الدور الاستثنائي الذي تضطلع به سلطنة عمان بإشراف مباشر من السلطان هيثم بن طارق، وبتوافق وتنسيق تام ومباشر مع ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، في جهد تاريخي سيُكتب في صفحات التاريخ بأحرف من نور لإنقاذ اليمن واليمنيين من كبواتهم المتتالية.

ويدرك القائدان الأكثر قرباً إلى اليمن وأهلها تعقيدات التعامل مع “أنصار الله” الحوثيين، فالحركة ليست تنظيماً وإنما منابر وفرق عدة ومتناقضة، بل ومتصارعة جمعتها السلطة، ولهذا فالمساعي السعودية – العمانية المشتركة تراهن على قوة وقدرة زعيم الحركة عبدالملك الحوثي لإلزام فرقها كافة بالسير في طريق السلام.

ولا تزال فرق الحركة المتصارعة ترسل رسائل متناقضة حيال التزامها بطريق السلام، وهناك من يراهن من داخلها بتحقيق مزيد من المكاسب والابتزاز في حال استمرار تبني مقاربة أمراء الحرب والإبقاء على رايات الحرب مشرعة، وربما تشكل عملية استهداف أبطال قوة دفاع البحرين المرابطة في الحد الجنوبي للسعودية، أو استهداف عرض عسكري احتفالي بمناسبة ثورة الـ 26 من في محور علب في صعدة محاولات ابتزاز ضمن رؤية عقيمة يمكن أن يُطلق عليها وصف “الفوضى المسيطر عليها”.

 وكل هذا يحدث رغم الرسائل الواضحة يمنياً وإقليمياً وعربياً ودولياً بأن حرب اليمن قد وضعت أوزارها، وأن البحث جارٍ اليوم للتوافق حول صورة العيش المشترك داخل الجغرافيا اليمنية، ويدرك العقلاء من قيادات “أنصار الله” الحوثيين أن إقدامهم على اتباع طريق الجهود المشتركة السعودية – العُمانية لن يضعف قوتهم ومكانتهم التي تمكنوا من انتزاعها خلال الأعوام الماضية، بل إنه طريق سيسهم في تعزيز موقعهم وتحولهم إلى قوة سياسية معتبرة عبر التوافق الوطني.

وعلى الجهة المقابلة يقود رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي جهوداً كبيراً لرص صفوف القوى المنضوية ضمن مشروع استعادة الدولة وتوفير التكامل الوظيفي الداخلي بين مكونات مجلس القيادة للعمل وفق رؤية توافقية موحدة، ومحاولة إصلاح التشكيلة المختلة وظيفياً، ولا تزال “مقررات الرياض 2” تنتظر التنفيذ بعد عام ونصف العام، ولا يزال الناس في المناطق المحررة يتطلعون إلى أدوار إنسانية أكبر للحكومة وإصلاحات جذرية في تركيبتها المتضخمة، وتعزيز مبادئ الشفافية والتركيز على حل قضايا المواطنين الذين بات 80 في المئة منهم يواجهون ضنك العيش في وقت انكمش اقتصاد اليمن إلى أكثر من نصف ما كان عليه عام 2015 جراء الحرب.

وربما كان خطاب السلام المسؤول الذي نقله الوفد الرئاسي خلال جميع لقاءاته الثنائية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أوضح دليل على رغبة صادقة للسير في طريق السلام على رغم مطباته ووعورته، ومناشدة العالم رفع صوته من أجل سلام اليمن ووقف الحرب العدمية، وهو خطاب يواجه تحديات من أمراء الحرب المستفيدين من استمرارها والرافضين عودة السلام المجتمعي والحياة المدنية.

ومما قرأته أيضاً من نقاشات نيويورك الثرية والمعمقة حول الموضوع اليمني يمكن ملاحظة زيادة وتيرة المناشدات المطالبة بضرورة أن تواكب قيادة المجلس الرئاسي الحراك الكبير للجهود المشتركة السعودية- العُمانية عبر فتح اتصالات مع “أنصار الله” الحوثيين، وقد تكون مسقط هي المكان المناسب لها.

المجلس الانتقالي الجنوبي

ستسجل الدورة الـ 78 للجمعية العامة كمحطة مفصلية في جهود استعادة الدولة الجنوبية، إذ شكل وجود رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ومشاركاته في الاتصالات الرسمية كافة على هامش أعمال الدورة والتعبير بحرية عن أجندة الجنوب، عن رغبة صادقة وموقف شجاع يحسب لرئيس مجلس القيادة لاستيعاب أجندات القوى المنضوية كافة في مشروع استعادة الدولة، والذي يشكل مشروع استعادة الدولة الجنوبية جزءاً أصيلاً فيه، وربما كان أبرز ما ميز الخطاب الذي كرره عيدروس الزبيدي في لقاءاته النيويوركية كافة هو التزامه بالعمل الجماعي في إطار مجلس القيادة الرئاسي، وانفتاحه على الحوار والتواصل مع القوى اليمنية كافة، أما في الجنوب فالمشهود لقيادة الانتقالي هو عدم تشبثها باعتبار أن الانتقالي هو المنصة الوحيدة لنضال الجنوبيين لاستعادة دولتهم المستقلة، على رغم أن الانتقالي هو الأكثر تنظيماً وجدية من بين جميع مكونات الحراك الجنوبي، بل على العكس فهو يصر على الحوار المتواصل مع القوى الجنوبية كافة بما في ذلك تلك التي تشكلت أخيراً مثل “مجلس حضرموت الوطني” و”المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى”، للتوصل إلى قواسم مشتركة لبناء دولة جنوبية اتحادية.

وخلاصة الانطباعات عن زيارة الوفد الرئاسي اليمني إلى نيويورك أنه يمكن القول إن طريق السلام لا تحفه الزهور عن جانبيه بل هو مزروع بالأشواك، ووحدهم دعاة السلام المتسلحين بالتسامح والقبول بالآخر وبحق الاختلاف وإيمانهم العميق بحق شعبهم في عيش كريم هم من يسيرون فيه، وكيفما كان شكل يمن الغد فمن المهم أن يكون من دون حرب، وحينها سيكون أفضل بكثير من إراقة قطرة دم إضافية في حرب عبثية لا منتصر فيها، حرب راح ضحيتها حتى اليوم قرابة نصف مليون إنسان لقوا حتفهم في جبهات القتال المختلفة بين أبناء اليمن في شماله وجنوبه وشرقة وغربه، أو بسبب الجوائح والأمراض، أو بفعل المجاعة في أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم، فهل يزف لنا قادم الأيام مزيداً من أخبار السلام؟

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …