الرئيسية / مقالات رأي / هل انتهت مهمّة السوداني وحكومته في العراق؟

هل انتهت مهمّة السوداني وحكومته في العراق؟

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربي
الشرق اليوم– عندما شكّل محمد شياع السوداني حكومته بعد سنة من جدل عقيم أفضى إلى أن يتخلّى الطرف المنتصر في انتخابات عام 2021 عن أصوات ناخبيه لمصلحة الطرف المهزوم، كان واضحاً أنّ الرجل وحكومته يأتمران بأوامر تحالف الإطار التنسيقي، وهو مجموعة الأحزاب والميليشيات التابعة لإيران، ذلك التحالف الذي دعا إليه رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، لكي تتُاح له فرصة الزعامة مرة أخرى، بعد أن تحطّمت صورته على أيدي محتجي تشرين عام 2019. ولم يخف السوداني أنّه لا يتخذ قراراته السيادية إلاّ بعد أن تنال موافقة التحالف، أو هو في الحقيقة ينفّذ ما يُملى عليه من قِبل التحالف.

لذلك، لم يكن مفاجئاً أن تشهد عمليات تهريب الدولار إلى إيران تصاعداً لافتاً في الأشهر الأولى من ولايته، وهو ما دفع وزارة الخزانة الأميركية إلى أن تمارس ضغوطاً لضبط عمليات التحويل الخارجي من البنك المركزي العراقي، من خلال القيام بمراقبة منصّة بيع الدولار، الأمر الذي أدّى إلى حظر التعامل مع عدد من البنوك الأهلية التي حامت حولها شبهات التعامل غير القانوني مع إيران. مارست الولايات المتحدة يومها ضغوطاً لم تمارسها من قبل، كان من نتائجها أنّ الحكومة التي كانت على صلة بعمليات التهريب، وجدت نفسها عاجزة عن التصرّف في ظلّ غياب سياسة نقدية واضحة، من شأنها أن تضبط حركة الدولار في السوق المحلية، بحيث يحافظ الدينار العراقي على سعر صرفه. وما انهيار سعر صرف الدينار العراقي إلاّ دليل على أنّ البنوك الأهلية وشركات الصرافة هي التي تتحكّم بمصير الدينار العراقي ومصائر المستفيدين منه.

خريطة جديدة للعراق
ولكن أزمة الدولار ستكون بمثابة غطاء لأزمات مصيرية، تكفّلت حكومة السوداني بحلّها، وهو ما لم تجرؤ أي حكومة عراقية سابقة على القيام به. ذلك لا يُحسب للسوداني. ذلك لأنّ ترسيم الحدود مع الكويت من خلال التخلّي عن خور عبد الله، وهو جزء تاريخي من العراق، والاعتراف بكردية كركوك بموجب المادة 190 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها بين العراق و”الإقليم الكردي”، هما أزمتان تؤسسان لتاريخ إشكالي في المنطقة. لن يفيد في شيء أن تُلام الكويت في ما ذهبت إليه في أمر ليس ضرورياً بالنسبة إليها، وهي التي تملك ساحلاً كبيراً على الخليج، ولن يُلام الأكراد وهم يحقّقون حلمهم التاريخي في الاستيلاء على كركوك.

السوداني الذي يعرف أنّه اختير رئيساً للوزراء في لحظة خطأ، لا يُمني النفس في البقاء على كرسيه، غير أنّه يتخذ خطواته مستنداً إلى دعم خفي، فالولايات المتحدة التي هزّت مكانته من خلال ضغوطها من أجل إيقاف عمليات تهريب الدولار إلى إيران، هي نفسها التي تدعم خطواته في تمزيق خريطة العراق التاريخية. وإذا ما كان العراقيون قد ودّعوا رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي بعار قتل أكثر من 700 محتج أثناء تظاهرات عام 2019، فإنّهم سيودّعون محمد شياع السوداني بعار خريطة جديدة للعراق، لم تنص عليها خرائط “سايكس بيكو” على الأقل. وكما يبدو، فإنّ الولايات المتحدة التي قدّمت ضمانات لحكومة موالية لإيران، كانت قد خطّطت لقيام تلك الحكومة بتقديم تنازلات تاريخية، تعرف أنّ العراقيين سيقاومونها وقد تكون سبباً لسقوط تلك الحكومة قبل موعد الانتخابات المقبلة.

كل الاحتمالات واردة
رغم الضغوط غير المسبوقة التي مارستها وزارة الخزانة الأميركية على حكومة السوداني من أجل الحدّ من تهريب الدولار إلى إيران، فإنّ الاختراق الإيراني للنظام المالي العراقي لا يزال مستمراً، بل أنّه تحول إلى عبء على الأوضاع المعيشية للمواطنين العاديين، حين لجأت المصارف الأهلية إلى تعويض النقص في ما تحتاجه إيران من الدولار من حصّة السوق المحلية، وهو ما انعكس سلباً على سعر صرف الدينار العراقي. في المقابل، فإنّ البنك المركزي العراقي لم يبادر إلى وضع خطة لوقف حالة الانهيار، بل فعل العكس من ذلك، إذ استمر في ضخ الدولار بسعر منخفض إلى سوق يعرف أنّها كالجيب المثقوب. لا يملك السوداني في ذلك شيئاً، فهو بُنفّذ ما يُملى عليه، تماشياً مع خطة التحالف التنسيقي التي تهدف إلى انجاز المرحلة الأخيرة من عملية إلحاق العراق الضعيف والمستلب بإيران.

وفي ذلك، يمكن النظر إلى الموقف المهادن الذي اتخذه التيار الصدري (المعارض) من مسألتي خور عبد الله وكركوك. فلو لم تكن إيران قد وقفت وراء القرارات التي اتخذها السوداني في ما يتعلق بتخلّي الدولة العراقية عن أجزاء من العراق التاريخي، لكان الصدر قد تصرّف بطريقة مختلفة، رافعاً الشعارات الوطنية التي طالما استعملها ليغطي على نزعته الطائفية. غير أنّ ذلك كله لا يعني أنّ الأمور قد حُسمت لمصلحة إيران بشكل نهائي، فقد تكون الأوضاع المعيشية التي تزداد تدهوراً بسبب أزمة الدولار، سبباً رئيساً لاحتجاجات، سيعبّر الشعب من خلالها عن رفضه المسّ بسيادة العراق على أراضيه، بغض النظر عمّا تتحجج به الحكومة من اضطرارها لتنفيذ قرارات دولية وفقرات من الدستور.
كل الاحتمالات واردة في مقابل شعور التحالف التنسيقي الحاكم أنّ حكومته قد أنهت مهمّتها ولن يكون سقوطها مؤثراً.

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …