الرئيسية / مقالات رأي / خريطة سياسيّة جديدة لشبه الجزيرة العربيّة

خريطة سياسيّة جديدة لشبه الجزيرة العربيّة

بقلم: خيرالله خيرالله- النهار العربي
الشرق اليوم– باتت هناك خريطة سياسية جديدة في شبه الجزيرة العربيّة. تكرّست الخريطة، أقلّه موقتاً، بعد تسع سنوات مرّت على قيام الكيان الحوثي في اليمن.

في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، وضعت “جماعة أنصار الله” التي يتزعمها عبد الملك الحوثي يدها على العاصمة اليمنيّة. كان ذلك بتواطؤ مع عبد ربّه منصور هادي، الرئيس الانتقالي وقتذاك. رفض عبد ربّه التصدي للحوثيين وهم في طريقهم إلى صنعاء في تموز (يوليو ) من ذلك العام، بعدما عمل كلّ ما في وسعه لتفكيك الجيش اليمني الذي ورثه عن سلفه علي عبد الله صالح. يذكّر ما قام به عبد ربّه في اليمن بحل الجيش العراقي بعيد دخول القوات الأميركيّة إلى بغداد في نيسان (أبريل) 2003.

فرض الحوثيون أمراً واقعاً في اليمن بما يتجاوز البلد. كرسوا إعادة تقسيم البلد الذي توحّد في عام 1990 على أسس جديدة لا علاقة لها بوجود دولتين مستقلتين، كما كانت عليه الحال في الماضي القريب. ما الذي سيولد من هذا الأمر الواقع الجديد بعدما توجّه وفد حوثي برئاسة محمّد عبد السلام إلى الرياض وأمضى بضعة أيام فيها بصفة كونه “وفد صنعاء”؟

بعد دخولهم صنعاء، ما لبث الحوثيون أن تمددوا في كلّ أنحاء اليمن قبل أن يوجد من يُخرجهم من مناطق حساسة، بينها عدن وميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب. وُجد أيضاً من منعهم من التوسّع أكثر في تعز المدينة الأهمّ في المناطق الوسطى ومن السيطرة على مدينة مأرب. بات الحوثيون محصورين في شمال اليمن، علماً أنّه لا يمكن الاستخفاف بأهمّية المنطقة التي هم فيها، خصوصاً في ضوء امتلاكها حدوداً طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة. كان همّ “جماعة أنصار الله”، قبل 2014، محصوراً بأن يكون لديها ميناء صغير على البحر الأحمر هو ميدي في محافظة حجة. صار لدى الجماعة الآن ميناء الحديدة على البحر الأحمر، وهو أكبر الموانئ اليمنية.

كانت زيارة “وفد صنعاء” الرياض نقطة تحوّل، خصوصاً أنّها ترافقت مع عرض عسكري كبير قام به الحوثيون في العاصمة اليمنية في ذكرى استيلائهم عليها. حصل الحوثيون في الرياض على بعض مطالبهم، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين الحكوميين الموجودين في مناطق سيطرتهم. كذلك، هناك بحث في كيفية إشراكهم في الحصول على حصة من الموارد المالية التي توفرها حقول النفط والغاز اليمنية التي هي حالياً تحت سيطرة “الشرعيّة”. ليس مستبعداً السماح للحوثيين برحلات إلى عواصم ومدن عربيّة انطلاقاً من مطار صنعاء.

يبقى في نهاية المطاف، أنّه صار لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” موقع قدم في شبه الجزيرة العربيّة. ليست “جماعة أنصار الله” سوى جماعة أخرى تابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني.

إذا كان مطلوباً اختصار نتائج زيارة الوفد الحوثي للرياض، يمكن القول إنّ هذا الوفد حصل، بوساطة عُمانيّة، على اعتراف سعودي بالكيان الذي عاصمته صنعاء والذي قام قبل تسع سنوات. قام هذا الكيان في ضوء نجاح الحوثيين، بفضل إيران، في استغلال كل الأخطاء التي ارتكبها أعداء علي عبدالله صالح، من الإخوان المسلمين الذين نفذوا انقلاباً عليه. بدأ الانقلاب في الشارع ابتداءً من شباط (فبراير) 2011 في سياق “الربيع العربي”. مع مرور الوقت، تبيّن أن الحوثيين هم المستفيد الأول، وربّما الوحيد، من هذا الانقلاب الذي شاركت فيه، إلى جانب مجموعات نزلت إلى الشارع، قوات عسكريّة بقيادة اللواء علي محسن صالح الأحمر، قريب الرئيس السابق (علي عبد الله صالح).

مع ذهاب “وفد صنعاء” إلى الرياض، صارت السعودية في موقع الوسيط بين اليمنيين. لا يمكن تجاهل أنّ المملكة حصلت، في مقابل دفع الرواتب وتوفير بعض التسهيلات في مناطق سيطرة “جماعة أنصار الله”، على تمديد للهدنة التي تمّ التوصّل إليها في 22 نيسان – أبريل 2022.

دخل اليمن مرحلة يمكن وصفها بالانتقالية في انتظار بلورة تسوية سياسية ذات طابع واسع يوماً. سيجرّ قيام الكيان الحوثي إلى قيام كيانات أخرى، من بينها كيان في حضرموت، وهذا تطور في غاية الأهمّية بالنسبة إلى المملكة، وآخر في المهرة على حدود سلطنة عُمان. ستكون هناك ترتيبات خاصة في عدن ومحافظات أخرى… في انتظار التسوية السياسيّة. الشيء الأكيد أن الوحدة اليمنيّة انتهت من جهة وأنّ لا عودة من جهة أخرى إلى ما قبل الوحدة، أي إلى خيار الدولتين اللتين كانتا قبل 22 أيّار (مايو) 1990.

إلى متى يستمرّ الكيان الإيراني في اليمن، وهو كيان يقوم على القمع وعلى خلق عصبية مذهبية لم تكن موجودة لدى اليمنيين في الماضي، لا لدى الزيود ولا لدى الشوافع؟ لا بدّ من العودة إلى التاريخ القريب واستعادة ذكرى الوضع في اليمن الجنوبي الذي كان بلداً يسيطر عليه الاتحاد السوفياتي حتّى عام 1990. انهار هذا البلد فعلاً مع بدء انهيار الاتحاد السوفياتي الذي فقد السيطرة على الوضع في عدن ولم يعد قادراً على التحكم بالصراعات فيها. حدث ذلك في 13 كانون الثاني – يناير 1986، عندما وقعت مواجهة دامية بين علي ناصر محمّد، رئيس الدولة وقتذاك، وخصومه.

يصعب التكهن بتغيير كبير في صنعاء ما دام النظام الإيراني الذي يتحكّم به “الحرس الثوري” قائماً. في انتظار تطورات ما في إيران، قد تحصل قريباً وقد لا تحصل، سيجد أهل الخليج، في مقدّمهم السعوديّة، أنفسهم أمام خريطة سياسية جديدة في شبه الجزيرة العربية. ستفرض عليهم هذه الخريطة التعايش مع كيان إيراني لديه مسيّرات وصواريخ وآلاف المقاتلين وكلّ وسائل القمع التي تكفل له السيطرة على الشعب اليمني الذي في مناطقه…

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …