الرئيسية / مقالات رأي / صعود الهند وتغيير قواعد المنافسة

صعود الهند وتغيير قواعد المنافسة

بقلم: حسام ميرو- الخليج
الشرق اليوم– إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، في قمة العشرين، التي اختتمت منذ نحو شهر، عن مشروع بعنوان «الشراكة»، من شأنه أن يربط الهند بأوروبا، مروراً بدولة الإمارات والسعودية، ومن ثم ميناء حيفا على المتوسط، ليس خبراً جيداً بالنسبة للصين، بل هو ربما من أسوأ الأخبار لها، حول مستقبل دورها في سوق العمل الدولي من جهة، وموقعها في السياسات العالمية، من جهة ثانية، وهو يعني أن القرار ألإمبراطوري الأمريكي بشأن الحدّ من موقع ونفوذ الصين في دورة الإنتاج العالمية قد تمّ اتخاذه، وأصبح يتمتع بمستوى كبير من النضوج والوضوح، على الرغم من أنه ما زال مجرد إعلان، لكنه في العمق هو تصوّر استراتيجي لدى صنّاع القرار المتعدّدين في واشنطن، لدفع المنافس الصيني إلى مرتبة أدنى في مختلف مؤشرات الإنتاج العالمية، وحثّه أيضاً نحو سياسات عالمية أكثر عقلانية، بعيداً عن تقاربه السياسي مع موسكو، أو محاولاته للتمدّد في القارة الإفريقية.
مكانة الصين بالنسبة إلى واشنطن والاتحاد الأوروبي، ودول عدة في العالم، مستمدّة من كونها أرض أكبر مصنع للسلع في العالم، بما فيها السلع التكنولوجية، كما دخلت الصين بقوة في العقد الأخير، كأحد أكبر المنافسين في سوق التجارة الإلكترونية، وأصبح ناتجها القومي الإجمالي في المرتبة الثانية عالمياً، وكلّ عناصر القوة التي امتلكتها الصين، ونالت اعتراف القوى الأكثر تأثيراً في سوق العمل الدولي، دفعتها إلى إحداث تغيير جذري في فلسفة علاقاتها الدولية، وزادت من طموحاتها، وهو ما عبّر عنه مشروع «الحزام والطريق»، والذي حاولت بكين أن تغري به عدداً من الدول، الصغيرة والكبيرة، بما فيها دول داخل الاتحاد الأوروبي، لكن، هذا الطموح بتغيير قواعد اللعبة الإمبراطورية في العالم، وتغيير توقيت ساعته من واشنطن إلى بكين، دفع الولايات المتحدة، ومنذ أكثر من عقد، إلى اعتبار الصين التهديد الاستراتيجي العالمي الأول لأمنها القومي.

زيادة مستوى التقارب بين واشنطن ونيودلهي، بدأت مع زيارة باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق للهند في يناير/ كانون الثاني 2015، ودامت لمدة ثلاثة أيام، واعتبرت آنذاك أنها زيارة في «مستوى استراتيجي»، حيث أبرم الطرفان اتفاقات في مجالات الدفاع والأمن، والصناعات النووية غير العسكرية، وزادت أهمية الهند بالنسبة لأمريكا أكثر خلال السنوات الماضية، حيث قطع البلدان أشواطاً عدة، في مجالات التعاون الدفاعي، والتي توّجت بمعاهدة «كواد»، التي تضمّ أمريكا والهند وأستراليا واليابان، وتستهدف من الناحية العملية «حماية التجارة في المحيط الهندي»، والمقصود بهذه الصيغة تقليل نفوذ الصين في هذا المحيط، في إطار استراتيجي أوسع، يتمثّل في تطويق الصين في محيطها الجيوسياسي.

قد لا تعدّ الهند بموازين القوى الإنتاجية الحالية منافساً للصين، لكن هذا الأمر بالضبط، ما يغري واشنطن ونيودلهي، لمزيد من التعاون طويل الأمد، فالهند تسعى إلى لعب دور أكبر في سوق العمل الدولي، وتجد أنها تمتلك كل الإمكانات التي تؤهلها للعب مثل هذا الدور، فهي قد تخطّت الصين من حيث عدد السكان، كما شهدت تطوراً كبيراً وملحوظاً في قطاع تكنولوجيا المعلومات، وتمتلك إمكانات هائلة في مجالات البرمجة، وهندسة البيانات، وخبراء الذكاء الاصطناعي، وبالشراكة بين نيودلهي وواشنطن، يمكن أن تصبح الهند أحد أكبر المنافسين العالميين في قطاع تكنولوجيا المعلومات، خصوصاً إذا ما تمّت عملية ممنهجة تستهدف ضخ المزيد من الاستثمارات المالية الغربية والآسيوية في هذا القطاع داخل الهند.

وخلال العقدين الأخيرين، عزّزت الصين مكانتها في الاقتصاد العالمي، ليس بوصفها أحد أكبر الأسواق للاستهلاك فقط، بل أيضاً كأحد أهم الدول التي تحتّل مكانة مرموقة في لائحة ترتيب الدول من حيث الإنتاج القومي الإجمالي، فهي تأتي في المرتبة السادسة، وفي الوقت ذاته، لا تظهر الهند أية طموحات سياسية خاصّة، بقدر ما تحاول أن تموضع نفسها، كبديل محتمل للعملاق الاقتصادي الصيني، خصوصاً أنها تتمتّع بنظام سياسي ديمقراطي، ما يجعل منها أكثر جاذبية سياسياً من الصين بالنسبة للدول الغربية، حيث لا يوجد حزب وحيد، يدير دفات السياسة والاقتصاد والجيش في الوقت نفسه، مثل الحزب الشيوعي الصيني.

تمتلك الهند بحكم تاريخها السياسي والحضاري، العديد من الميزات التي تساعدها على الانخراط العولمي من خلال مشروع «الشراكة»، وتؤهلها لأن تصعد بسرعة كقطب مهم في سوق العمل الدولي، على حساب جارتها الصين، ما يسهم في تغيير قواعد المنافسة العالمية، مع توقّع ألا تقف الصين متفرّجة على مشهد إزاحتها من موقعها الحالي.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …