الرئيسية / مقالات رأي / “بريكس” وتحديات ما بعد التوسعة

“بريكس” وتحديات ما بعد التوسعة

بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- ليس سراً أن الصين وروسيا كانتا وراء قرار توسعة مجموعة “بريكس” ضمن مداولات القمة الأخيرة للمجموعة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، في حين أن الدول الثلاث الأخرى: الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا كانت تدعو إلى إرجاء مثل هذا القرار لظروف أخرى مواتية. لكن قرار التوسعة صدر أخيراً بالإجماع وضم ست دول أخرى إليها هي السعودية ومصر والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا.

 كيف سيؤثر مثل هذا الموقف الخلافي على أداء المجموعة التي وصلت طموحاتها إلى عنان السماء؟ هل ستكون عتبة الوثوب العالمي نحو نظام التعدد القطبي بعد إسقاط نظام الأحادية القطبية الأمريكي المدعوم من المجموعة الرأسمالية العالمية التي تشكل قاعدة الأساس لهذا النظام، أي مجموعة الدول الصناعية الرأسمالية الكبرى السبع (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا واليابان)، أم أن أقصى طموحاتها لن يتجاوز السعي إلى موازنة ثقل ومكانة مجموعة الدول الصناعية السبع، وهذا يعني الاكتفاء بتحول المجموعة إلى مجرد تكتل اقتصادي دون الطموح إلى تحويلها إلى تكتل استراتيجي عالمي متعدد الأقطاب والحضارات على نحو ما يأمل الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين؟

 سببان للإجابة عن هذا السؤال؛ أولهما خريطة الخلافات الكامنة بين دول المجموعة، ليس فقط بين الدول الخمس المؤسسة (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) ولكن أيضاً بين الدول الست الجديدة، وبين هذه الدول والدول الخمس المؤسسة. ثانيهما رهان الكثير من المراقبين على أن الولايات المتحدة لن تترك مجموعة “بريكس” وحالها، بل ستسعى جادة إلى عرقلة مشروعها وإفشاله وتعميق الخلافات وتحويلها إلى صراعات بين الدول الأعضاء.

 الرئيس الصيني الذي حضر قمة “بريكس” ربما كان واعياً بهذه التحديات، لكنه، كان مثله مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شديد الحرص والدأب على توسعة المجموعة وضم أعضاء جدد للرفع من شأن المجموعة لأخذها إلى الطريق الذي يأملانه بأن تكون “رأس رمح” لقيادة التحول العالمي إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وإسقاط الهيمنة الأمريكية. لذلك كان بينغ حريصاً على تهدئة المخاوف من “خطر الهيمنة الصيني البديل” الذي أخذ الإعلام الغربي يروج له عندما قال إن “الهيمنة ليست في الحمض النووي الصيني” وإن المحادثات في جوهانسبرغ لا ترمي إلى الطلب من بلدان اختيار طرف ضد طرف آخر، أو خلق مواجهة جماعية، بل توسيع نطاق هندسية السلام والتنمية. وزاد على ذلك بالقول “سنقيم ضمن بريكس شراكة استراتيجية أقوى.. وسندفع قدماً نحو توسيع نطاق العضوية” و”المساعدة في جعل النظام العالمى أكثر عدالة وإنصافاً”.

 على العكس من هذا المسعى استبعد مسؤولون غربيون، أمريكيون بالأساس، إمكانية تحول “بريكس” إلى “منافس جيو- سياسي” للولايات المتحدة، واصفين “بريكس” بأنها “مجموعة بلدان شديدة التنوع” فيها أصدقاء وخصوم، مشيرين إلى انقسام المجموعة، على سبيل المثال، على الموقف من الأزمة الأوكرانية، وأن مثل هذا الانقسام “يمكن أن يتكرر في قضايا أخرى” على العكس من حال مجموعة الدول الصناعية السبع.

 على رأس هؤلاء المسؤولين كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، الذي أعلن أن الولايات المتحدة لا ترى أن مجموعة “بريكس” بصدد التحول إلى منافس جيوسياسي للولايات المتحدة. وشدد على أن الولايات المتحدة ستدفع قدماً باتجاه علاقات قوية وإيجابية مع البرازيل والهند وجنوب إفريقيا.

 المتابعون للموقف الأمريكي المتوتر مما يمكن وصفه ب “ظاهرة بريكس” لا يكتفون في تحليلهم للرهان الأمريكي بمجرد ما ورد على لسان سوليفان من النهوض بالعلاقات الأمريكية مع الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، لكنهم يتحدثون عن أمرين آخرين أولهما دور أمريكي متصاعد في تعميق الخلافات بين الهند والصين على وجه الخصوص، وتحويلها إلى صراعات، مشيرين إلى ما يربط الولايات المتحدة بالهند من علاقات استراتيجية، خاصة العضوية المشتركة في ما يعرف ب “مجموعة كواد” التي تستهدف تحجيم النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وثانيهما الشراكات الاستراتيجية التي تجمع الولايات المتحدة بأعضاء جدد في عضوية المجموعة، والخلافات المتجذرة بين هؤلاء الأعضاء وبعضهم البعض.

 هل ستصدق رهانات إفشال “بريكس” أم أن “بريكس” قادرة على تحويل الخلافات إلى إيجابيات.. هذا هو التحدي؟

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …