الرئيسية / الرئيسية / السعودية المتجددة تتحول إلى مركز قوة سياسية عالمية

السعودية المتجددة تتحول إلى مركز قوة سياسية عالمية

بقلم: عيسى نهاري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– هزت السعودية موسم الانتقالات الكروي هذا العام وأثارت اهتماماً واستقطاباً رياضياً غير مسبوقين في تاريخها، لكن البلاد اليوم ليست مجرد وجهة رياضية جاذبة لنجوم كرة القدم، فبعد سبع سنوات من إطلاق “رؤية 2030″، يبدو واضحاً أن نتائج استراتيجية التحول الوطني لم تنحصر على تنشيط الحراك التنموي والسياحي والرياضي داخلياً، بل بدأت آثارها تتجلى في تحويل “السعودية المتجددة” إلى مركز قوة سياسية عالمية، يرتاح إليها المتنازعون من الغرب والشرق.

في السنوات الماضية تجنبت الرياض معارك المعسكرات، واستطاعت التوفيق بين علاقاتها مع أقوى اقتصادين في العالم على رغم التوتر الشديد بينهما. وفي علامة على نفوذها المتوازن، استضافت السعودية في النصف الثاني من عام 2022 الرئيسين الأميركي والصيني في قمتين متباينتي الأولويات والتوقيت، إذ ركزت القمة العربية – الأميركية في جدة بحسب مراقبين على أمن المنطقة، في حين اهتمت القمة العربية – الصينية في الرياض بالفرص والتحديات الاقتصادية.

وعلى رغم التكهنات حول ميل السعودية إلى الصين التي تزامنت مع توتر العلاقات السعودية – الأميركية في نصف ولاية جو بايدن، فإن الرياض سرعان ما استعادت زخم صلاتها التاريخية مع واشنطن من خلال ثلاث نوافذ، ملف اليمن وأسعار الطاقة، وأخيراً عملية السلام في الشرق الأوسط.

ودفع الدور السياسي المتنامي للسعودية في قضايا العالم صحيفة “تلغراف” إلى القول إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أصبح “مركز العالم الدبلوماسي”، لافتة إلى دوره في إشراك الصين لدعم المصالحة مع طهران، وترحيبه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور القمة العربية في مايو (أيار) الماضي، ودعمه لاستضافة كبار مسؤولي الأمن القومي من 42 دولة لبحث فرص السلام في أوكرانيا، وأخيراً “إشرافه على انضمام السعودية إلى منظمة بريكس”.
معركة الطاقة وتماسك “أوبك”

أدى التباين حول سياسات الطاقة إلى تجاذب شديد بين الرياض وواشنطن، فالسعودية سعت إلى خفض إنتاج النفط لتعزيز استقرار الأسواق، في الوقت الذي أرادت فيه إدارة بايدن زيادة الإنتاج لإرضاء المستهلك الأميركي الغاضب منها بسبب التضخم.

وعلى رغم أن الرئيس بايدن توعد بمعاقبة السعودية بعد قرار “أوبك+” خفض الإنتاج في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن “تصريح العواقب” الذي تلقفته وسائل الإعلام الأميركية بحماس لم يتحقق، واقتصرت خيارات الرد على خطوات رمزية كخفض التمثيل الحكومي في منتدى “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي تقيمه السعودية سنوياً لجذب الاستثمارات الأجنبية والكشف عن مشاريعها الكبرى.

وعلى رغم هجوم الإدارة الأميركية فإن السعودية استطاعت تمرير سياستها النفطية التي تخدم أولوياتها بعيدة المدى من دون أن تهدم علاقاتها مع واشنطن أو تفقد السيطرة على تحالفها النفطي مع روسيا، إذ أعلنت الرياض في يونيو (حزيران) الماضي تخفيضاً طوعياً للإنتاج مقداره مليون برميل يومياً، وذلك تزامناً مع قرار “أوبك+” مواصلة خفض الإنتاج بإجمالي 3.6 مليون برميل يومياً.

حرب اليمن وعودة سوريا

حققت السعودية تقدماً في مساعيها إلى إيجاد حل سلمي لحرب اليمن تجلى في زيارة سفيرها إلى اليمن محمد آل جابر إلى صنعاء، ولقائه قيادات جماعة الحوثي، بهدف “تثبيت الهدنة” وبحث سبل الدفع باتجاه “حل سياسي شامل ومستدام”.

وجاءت الزيارة بعد نحو شهر من توصل السعودية وإيران إلى اتفاق لإعادة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية، في مصالحة رآها محللون فرصة لاستعادة استقرار اليمن الغارق في صراعات الحوثيين المدعومين من إيران مع الحكومة الشرعية.

وفيما يختلف مراقبون غربيون حول جدوى الاتفاق السعودي – الإيراني بين من يراه رمزياً ومن ينظر إليه كخطوة نحو مزيد من الهدوء الإقليمي، إلا أن هناك تأكيداً لجدية الرياض في الإمساك بزمام الأمور، والسعي إلى حل المشكلات لا تجنبها.

وفي سياق تلك التهدئة بدت السعودية حاسمة في مساعيها إلى الدفع من خلال قمة جدة في مايو نحو إجماع عربي على تنشيط عضوية دمشق في الجامعة العربية، بعد أكثر من 11 عاماً على تعليقها. وجاءت تلك الخطوة وسط معارضة أميركية وغربية.

المشاورات الأوكرانية

على رغم الاتهامات الأميركية للسعودية بالوقوف مع روسيا ضد أوكرانيا في أعقاب تخفيضات “أوبك+”، جاءت مشاورات السلام الأوكرانية التي احتضنتها مدينة جدة في أغسطس (آب) الماضي لتؤكد موقف الرياض المحايد من الأزمة.

وأكدت السعودية أنها ستستغل علاقاتها الجيدة مع روسيا وأوكرانيا لدفعهما نحو حل سلمي، إذ أثمر التواصل الشخصي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إقناع الأخير بالإفراج عن 10 أسرى من مواطني المغرب وأميركا وبريطانيا والسويد وكرواتيا في إطار عملية تبادل أسرى بين موسكو وكييف.

وقال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لشبكة “فوكس نيوز” بعيد عملية تبادل الأسرى في سبتمبر (أيلول) الماضي إن “الأمير محمد بن سلمان استطاع إقناع الرئيس بوتين بأن هذه لفتة إنسانية تستحق العناء، وهذه هي الطريقة التي حققنا بها هذه النتيجة”.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي نجحت وساطة سعودية – إماراتية في الإفراج وتبادل مسجونين اثنين بين الولايات المتحدة وروسيا. ورد وزير الخارجية السعودي على رفض الإدارة الأميركية الاعتراف بالدور السعودي، قائلاً إن الأمير محمد بن سلمان توسط بصفة شخصية لتسهيل الإفراج عن لاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غراينر.

العلاقات مع إسرائيل

انتعشت العلاقات السعودية – الأميركية في النصف الأول من هذا العام، بعد سلسلة زيارات لمسؤولين أميركيين، في مقدمتهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي زار السعودية في يونيو الماضي، في زيارة كانت الثانية لمسؤول أميركي رفيع المستوى بعد رحلة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في مايو.

وأخيراً كشفت السعودية على لسان وزير خارجيتها تفضيلها أن يتزود برنامجها النووي المدني بالتكنولوجيا الأميركية. ومع ذلك فإن الرياض تدرس عروضاً بديلة لتطوير منشآت نووية من دول من بينها الصين وروسيا وفرنسا في حال إصرار واشنطن على وضع قيود على استخدام التكنولوجيا.

وطرحت قضية التعاون النووي في إطار المفاوضات الأميركية – السعودية حول إقامة علاقات مع إسرائيل، إذ تسعى الرياض وفق التقارير المتداولة إلى الحصول على معاهدة دفاع ومساعدة نووية من واشنطن، إضافة إلى ضمانات للفلسطينيين بقيام دولتهم المستقلة، مقابل فتح علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.

وفي تأكيد لتنامي التواصل بين الرياض وواشنطن، قال متحدث الخارجية الأميركية ماثيو ميلر الشهر الماضي إن واشنطن أجرت “محادثات مثمرة” مع حكومتي السعودية وإسرائيل لإقامة علاقات سلام بين البلدين. ولم يقدم ميلر جدولاً زمنياً في شأن موعد الإعلان عن اتفاق محتمل، إلا أنه قال إن المحادثات أحرزت تقدماً في عدد من القضايا على رغم أن الطريق لا يزال طويلاً، متوقعاً “حدوث مزيد من تلك المحادثات في الأسابيع المقبلة”.

الهجوم على الرياض

طريق السعودية نحو ترسيخ مركزها السياسي لم يكن معبداً بالورد، فخلال السنوات الماضية استهدف الرجل الثاني في البلاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إعلامياً بوتيرة مكثفة. على سبيل المثال، اتهمت وسائل إعلام غربية الرياض بالضلوع في اختراق هاتف جيف بيزوس، وهو ما ثبت أنه كذبة اختلقها بيزوس للتغطية على صورة إباحية بعثتها إليه صديقته بينما كان متزوجاً.

وتعترف اليوم عدد من وسائل الإعلام الغربية بنجاح ولي العهد السعودي في تحويل بلاده إلى “قوة رئيسة في المسرح العالمي”، وفق وصف الكاتب الأميركي نيد تمكو في مقالة بموقع The Christian Science Monitor، الذي أشار إلى نجاح الأمير محمد بن سلمان في استخدامه ورقة الصين.

من جانبها، قالت صحيفة “تلغراف” إن زعماء العالم اتجهوا إلى “مغازلة” الأمير محمد بن سلمان نتيجة لثلاثة عوامل، أولاً حرب أوكرانيا، إذ احتاج الغرب إلى دول الخليج لتعزيز فعالية العقوبات على روسيا، وثانياً تنامي المنافسة بين واشنطن وبكين، إذ زادت حاجة كل طرف إلى القوى المتوسطة مثل السعودية والهند وإندونيسيا، لافتة إلى أن ولي العهد السعودي نجح في استمالة الولايات المتحدة والصين بذكاء من دون تقديم التزامات لأي منهما، مما منحه القدرة على التحدث مع بايدن وشي جينبينغ، وكذلك بوتين بشروطه الخاصة.

أما العامل الثالث فهو تحول الطاقة، فعلى رغم التوجه نحو الطاقة المتجددة فإن ذلك لن ينهي ربحية الشركات النفطية، إذ إن بعض الشركات المملوكة وطنياً ستسيطر على حصة أكبر، نظراً إلى انخفاض كلفة التنقيب. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن ترتفع الحصة العالمية من النفط الذي يأتي من منتجي “أوبك” من الثلث إلى نحو النصف بحلول عام 2050، في حين تقدر شركة “بريتيش بتروليوم” أن المجموعة يمكن أن تمثل ما يصل إلى ثلثي إمدادات النفط العالمية.

شاهد أيضاً

لبحث فرص التوصل إلى هدنة.. بلينكن يبدأ جولته الجديدة في الشرق الأوسط

الشرق اليوم– وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى السعودية المحطة الأولى له بجولته في …