الرئيسية / مقالات رأي / إيران في “بريكس”.. هل حان وقت اشتعال القوقاز؟!

إيران في “بريكس”.. هل حان وقت اشتعال القوقاز؟!

بقلم: يوسف بدر- النهار العربي
الشرق اليوم– استغل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي فرصة مشاركته في قمة مجموعة بريكس في مدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية، ليؤكد فشل العقوبات الغربية، وأن المجموعة الاقتصادية الجديدة يجب أن تكون قادرة على بناء نظام عالمي جديد!

كانت تصريحات رئيسي التي لازمته حتى عودته إلى طهران الجمعة 25 آب (أغسطس)، تعبيراً عن سياسة المحافظين الذين يمسكون بزمام الأمور في إيران، فقد قال إن “التحالفات العالمية مثل بريكس وشنغهاي هي تحالفات ناشئة ضد الأحادية القطبية ومع احترام استقلال الدول، بينما نظام الهيمنة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية يسعى إلى منع اقتصاد الدول المستقلة من النمو!”.

بالطبع مثل هذه التصريحات محاولة لتبرير تعاطي النظام الإيراني مع الغرب، بخاصة أن طهران ما زالت عالقة في مأزق المفاوضات النووية والعقوبات الغربية، وتمثل أيضاً مصدر إزعاج للغربيين في العديد من مناطق العالم، بخاصة في أوكرانيا التي تمس الأمن الأوروبي.

وهي أيضاً فرصة لتعظيم إنجاز حكومة المحافظين التي تتبنى سياسة الاقتصاد المقاوم وعدم الرهان على رفع العقوبات في حل معضلة إيران الاقتصادية، لا سيما أن التضخم بات يأكل الأخضر واليابس؛ لدرجة أن الطبقة المتوسطة التي تآكلت لمصلحة الطبقة الفقيرة بدأت تنحسر من مراكز المدن إلى هوامشها، وهي تحولات اجتماعية تنذر بأزمات جمة على مستويات سياسية واقتصادية وأمنية!

يبدو أن الرئيس الإيراني، مثل كل خطباء الجمعة الذين تحدثوا عن أهمية بريكس ودوره في هزيمة الاستكبار الأميركي، كان يقدم خطاباً شعبوياً يبرر سياسات حكومته التي لطالما تتحدث عن قدرتها على القضاء على الدولرة من النظام الاقتصادي العالمي؛ بينما المواطنون الإيرانيون واقعياً يحسبون قوة أملاكهم بما لديهم من دولارات وذهب!

مصالح خاصّة!
كذلك بينما يُظهر رئيسي أن دعوة بلاده إلى الانضمام إلى بريكس هي انتصار لإيران على الغرب الذي يفرض عليها عزلة دولية، فإن قرار دعوتها لم يكن من أجل بطولاتها أمام الهيمنة الغربية! بل يتعلق الأمر بأهداف الأعضاء المؤسسين ومصالحهم، حتى أن قرار دعوة الدول الست (مصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات) يتعلق بمصالح خاصة داخل دول المجموعة التي واجهت خلافات حول توسيع عضويتها، فالصين تهدف إلى منافسة الولايات المتحدة الأميركية، بينما الهند لديها هواجس من أن تدخل هذه المجموعة إلى دائرة التنافس الجيوسياسي.

بل حتى الدول المؤسسة بدت وكأنها تمارس ضغوطاً على بعضها بعضاً من أجل القبول بانضمام دول جديدة، ولا نعرف ما هي الآليات المنظمة لعضوية هذه الدول سوى الحديث عن دول الجنوب، فقد بدا الأمر أشبه بقرارات فردية لمصلحة دول مُحددة داخل المجموعة، فلطالما عبرت روسيا والصين عن رغبتهما في ضم إيران إلى بريكس من أجل مصالحهما الاقتصادية! كما أن الرئيس الإيراني قبل سفره إلى جوهانسبرغ، تواصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الخميس 17 آب (أغسطس) ليطمئن بخصوص فرصة انضمام بلاده!

النّفط والممرّات والترانزيت!
بينما كان الترويج الإعلامي يتم بصورة مثالية تتحدث عن مناهضة الأحادية الغربية، بعدما أصبح عدد أعضاء بريكس 11 دولة، يمثلون نصف سكان العالم! كان اختيار الدول الست الجديدة على أساس أهميتها الاقتصادية بالنسبة إلى دول المجموعة وليس من أجل إنقاذها اقتصادياً، فالنفط والممرات والترانزيت والشحن والتمويل عنوان جامع لأهمية الأعضاء الجدد!

وبالنسبة إلى إيران، فإن صادرات النفط الإيراني معظمها تتجه نحو الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، بطاقة وصلت إلى 1.5 مليون برميل يومياً، ونجاح تجربة إيران في تجديد مصافي النفط في فنزويلا، يدفع دولة جنوب أفريقيا إلى التعاون مع إيران من أجل تحديث مصافيها للنفط بعدما طبقت حكومة الدولة الأفريقية سياسة الوقود النظيف.

كما أن انضمام إيران ودول نفطية أخرى يمنح كبار أعضاء بريكس القوة للهيمنة على صناعة النفط والغاز في الشرق الأوسط.

هذا بالنسبة إلى الطاقة التي تساعد دول المجموعة الاقتصادية على الإنتاج، لكن ماذا بالنسبة إلى الجغرافيا السياسية؟ إذ إن الدول المؤسسة لـبريكس تقع على مسافات جغرافياً متباعدة عدا روسيا والصين والهند.

وهنا تكمن أهمية موقع إيران الجغرافي ومشروعها ممر شمال-جنوب الذي يربط بين دول بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى والصين وروسيا مع دول الخليج والمحيط الهندي والبحر الأحمر، فروسيا مثلاً التي اعتمدت على الهند في تسويق نفطها وتجارتها نحو العالم، تصل إليها عن طريق إيران.

كما أن إيران بحاجة إلى استثمارات خارجية لإتمام مشاريع هذا الممر الاستراتيجي، ودخول دول خليجية إلى هذه المجموعة بمثابة فرصة لتعزيز مصالحتها السياسية مع هذه الدول وفرصة أخرى لاجتذاب استثماراتها.

كذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع استراتيجي آخر مثل ميناء تشابهار المطل على مياه بحر عمان والمقرر أن تقوم الهند بالاستثمار فيه، فإن الانضمام إلى بريكس يشجع الهند على الالتزام باتفاقها الاستراتيجي تجاه هذا الميناء الذي يربط ميناء مومباي الهندي بممر شمال-جنوب، كما أنه يمثل نقطة ترانزيت مهمة على مفترق طرق التجارة الأكثر ازدحاماً في العالم.

عقبة العقوبات وفاتف!
أيضاً، ليس صحيحاً ما تروجه إيران من أن انضمامها إلى المنظمات الدولية الجديدة يساعدها على تجاهل العقوبات الدولية، فهي لم تستطع حتى الآن الاستفادة من عضويتها في منظمة شنغهاي الآسيوية للتعاون الاقتصادي! ولا حتى من اتفاقيتها الاستراتيجية مع الصين التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الصينية لتطوير بنيتها النفطية المتآكلة!
ذلك لأن الدول الحليفة تتوجس من التعامل مع إيران التي لم تنضم إلى معاهدة مجموعة العمل الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف)، إذ تخشى طهران من تقييد هذه المعاهدة ومراقبة تمويلها لميليشياتها في المنطقة، بينما تتذرع بقلقها من مراقبة سياسة تخطي العقوبات التي تتبعها.

كذلك بالنسبة إلى عضوية بريكس، سيظل الأمر مجرد بادرة سياسية إن لم تستطع إيران العودة إلى المجتمع الدولي برفع العقوبات والقبول بالاتفاقيات الدولية؛ بخاصة أن دول هذه المجموعة ليست بمعزل عن بقية العالم، حتى يتم الترويج لأن العالم قد انقسم إلى نصفين. فبنك التنمية الجديد الذي تراهن بعض دول المجموعة على الاستفادة منه في دعم مشاريعها التنموية يمتثل للعقوبات الغربية، وبالتالي لا يمكن لإيران أن تستفيد منه بالشكل المأمول.

دفع إيران للحوار النّووي!
الإيجابي في الأمر، هو أن الدولتين الشرقيتين اللتين عطلتا اتفاق إيران النووي مع الغرب، وهما روسيا والصين ضمن مجموعة 5+1 المناطة بها المحادثات النووية تتشجعان الآن لدفع إيران للعودة إلى المحادثات النووية، بعدما استغلتا طهران لسنوات كأداة لخلق المشكلات للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن طهران، وبلسان وزيرها للشؤون الاقتصادية والمالية، إحسان خاندوزي، طالبت مجموعة العمل الدولية بالاستجابة لرغبتها في الانضمام إلى معاهدتها من خلال نهج فني يتناسب معها.

وبالنسبة إلى الصين التي يعد بريكس خطوة نحو مشروعها الاستراتيجي (الحزام والطريق)، فقد رعت المصالحة بين إيران والسعودية، ويمكن أن تدفع طهران أيضاً نحو الحوار مع الغرب، فقد دعا وزير خارجيتها وانغ يي للعودة إلى التطبيق الشامل والفعال للاتفاق النووي. والصين تهدف إلى نزع التوتر من منطقة الخليج والشرق الأوسط لخدمة أهدافها الاقتصادية وتأمين ممرات تجارتها، وهذا يستدعي منها المساعدة في رفع العقوبات عن إيران.

أيضاً من جانب روسيا، قال نائب وزير خارجيتها، سيرغي ريابكوف، إن روسيا تسعى إلى تكثيف الجهود لاستعادة الاتفاق النووي. ويبدو أن موسكو التي حوّلت مسار تجارتها نحو الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا في حاجة الآن إلى عودة إيران إلى المجتمع الدولي، لتوفر لها العبور الآمن نحو هذه المناطق.

ويمثل الاتفاق الموقت بين واشنطن وطهران (السجناء مقابل الأموال) مؤشراً إلى احتمالية العودة للاتفاق النووي، بخاصة مع تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، في تموز (يوليو) بأن واشنطن لا تستبعد العودة إلى المحادثات النووية، وكذلك التصريحات التي أطلقها وزير ير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، بصفة أن بلاده لعبت دور الوساطة في الاتفاق المؤقت، قائلاً إنه يأمل حواراً أوسع بشأن البرنامج النووي الإيراني.

تحدّيات أمنية!
قد يدفع تجمع بريكس الصين والهند إلى حل الخلافات الحدودية بينهما؛ لكن على الضفة الأخرى، فإن الدول الغربية القلقة من تصاعد الدور الآسيوي والهندي قد تدفع تركيا إلى إشعال حرب في منطقة القوقاز التي تمثل نقطة اتصال بين ممر شمال-جنوب ودول آسيا، بخاصة بعدما فرغت الآن من انتخاباتها الرئاسية واستقرت حكومتها ولديها رغبة في فتح طريق نحو منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، من خلال قيام دولة أذربيجان بفتح ممر زنكه زور الذي سيغير من الخريطة الجيوسياسية في منطقة جنوب القوقاز.

ولذلك حذر مستشار المرشد الإيراني، على ولايتي، في مقالة بتاريخ 22 تموز (يوليو)، من حرب محتملة في القوقاز، بعدما بدأت تتشكل علاقات قوية بين الدول المتجاورة، إيران وروسيا والصين والهند. وعملياً فإن تحذيرات ولايتي في محلها؛ فإن اندلاع حرب في تلك المنطقة سيحول مسار الممر الإيراني إلى منطقة شرق بحر قزوين بدلاً من غربها، وهي منطقة لا يمكن الاعتماد عليها وحدها، بخاصة في فصل الشتاء نظراً إلى تساقط الثلوج ومخاطرها.

ولذلك نجد اهتمام الهند بجانب إيران وروسيا في رفع مستوى قدرة أرمينيا العسكرية الدفاعية؛ ليس استعداداً لهذه الحرب بل محاولةً لمنعها!
فإيران التي تجمعها علاقة متوترة مع أذربيجان بسبب خطط حكومة باكو مع أنقرة لفتح الطريق الأوسط (زنكه زور)، تحافظ على عدم الوقوع في فخ هذه الحرب، وتسعى من خلال استمرار الاتصالات الدبلوماسية والحفاظ على التعاون الدفاعي والعسكري، وكذلك مشاريع الطاقة المشتركة مثل نقل الكهرباء وتحالفات الغاز مع روسيا وأذربيجان إلى إبعاد شبح هذا السيناريو!

شاهد أيضاً

الأردن: معركة محور التّطرف!

بقلم: محمد صلاح – النهار العربي الشرق اليوم- ليس سراً أن مصر والأردن خسرا كثيراً …