الرئيسية / مقالات رأي / “بريكس”… ومهمّة إزاحة نظام القطب الواحد

“بريكس”… ومهمّة إزاحة نظام القطب الواحد

بقلم: سميح صعب – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع دول مجموعة “بريكس” التي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، هو الرغبة في نشوء عالم متعدد الأقطاب، يسقط هيمنة القطب الواحد للولايات المتحدة مدعومة من الدول الأوروبية.

قد تكون هناك تباينات كثيرة بين الدول الأعضاء، لكنها لا تختلف على الهدف الجيوسياسي الذي أنشئت من أجله هذه المجموعة التي تضم الاقتصادات العالمية الكبرى الناشئة. ومن المؤكد أن الدول الخمس التي تشكل ما نسبته 23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وما نسبته 42 في المئة من سكان العالم، لن تكون قادرة على تحقيق هدفها المنشود من دون أن تحدث توازناً اقتصادياً مع دول مجموعة السبع، التي تضم الاقتصادات الأكثر تطوراً بقيادة الولايات المتحدة.

وأثرت الحرب الروسية – الأوكرانية على “بريكس” إلى حد كبير، بعدما بات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير قادر على الحضور شخصياً قمم المجموعة. وكانت روسيا تعتبر الدولة الأقوى عسكرياً في المجموعة، لكن الحرب تستنزف مواردها بشرياً واقتصادياً إلى حد لا يستهان به.

وعلى رغم الضغوط الأمريكية المتواصلة على الدول الأخرى في “بريكس” كي لا توفر أي فرصة لموسكو للالتفاف على العقوبات الغربية الشاملة، فإن الصين والهند زادتا من حجم تجارتهما مع روسيا منذ الحظر الأوروبي على صادرات الطاقة الروسية، الذي أعقب الحرب. كما أن الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا تدعو إلى وقف فوري للقتال والبدء في عملية حوار سياسي توصل إلى تسوية دائمة للنزاع، الأمر الذي ترفضه الولايات المتحدة وأوروبا اللتان لا تزالان تصران على إلحاق هزيمة كاملة بالقوات الروسية في أوكرانيا.

وتقدمت الصين بمبادرة سلام، شككت بها أمريكا ولم تقبلها كييف ولم ترفضها. كما قاد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مبادرة سلام أفريقية عرضها على موسكو وكييف. وبدوره، دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو “لولا” دا سيلفا إلى ضرورة حل النزاع بالطرق السلمية، وأثار غضب واشنطن وكييف عندما اعتبر أن روسيا ليست وحدها الملامة على نشوب الحرب، وأن أوكرانيا كذلك تتحمل قسطاً من المسؤولية.

لم يسبق العالم أن اهتم بأي قمة من قمم “بريكس” منذ انطلاقها قبل 14 عاماً، كما اهتم بقمة جوهانسبرغ. ذلك عائد في جزء كبير إلى إدراك دولي عام أن العالم على شفير تغيير جيوسياسي كبير، وأن نظام القطب الواحد يوشك على الأفول.

وما يثير قلق الولايات المتحدة هو عزوف المزيد من الدول على اعتماد الدولار الأمريكي في التعاملات التجارية. وقد أشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى هذا التحول الخطير، في معرض تحميله الرئيس جو بايدن المسؤولية عن تدهور موقع أمريكا في العالم.

وليست حرب أوكرانيا هي العامل المؤثر في التبدلات الدولية الحاصلة، إذ هناك الحرب التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تلقي بظلالها على التوازن العالمي، وتضغط على الكثير من الدول، وبينها تلك الأكثر تطوراً كي تحدد في أي جهة يجب أن تكون. وأسطع مثال على ذلك، هو تفاوت رد فعل الدول الأوروبية في التجاوب مع الدعوة الأمريكية، إلى التقليل من الاعتماد في التجارة على الصين.

ومن اللافت، أن مصرف التنمية الجديد الذي أنشأته مجموعة “بريكس” عام 2015 بهدف تقديم خيار آخر غير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قَبِل أعضاء جدد هم: دولة الإمارات العربية المتحدة وبنغلادش ومصر. ويفترض أن تصير أوروغواي قريباً جزءاً منه.

وفي عالم يشهد تغييرات وتحولات كبرى، تسعى بريكس إلى إثبات وزنها الدولي، ليس كخزان بشري واقتصادي فحسب، بل إلى قيادة التحول الجاري، على قدم المساواة مع الدول الغربية.

إن مسار الحوادث يأخذ العالم نحو نظام جديد على أنقاض المخاضات التي يشهدها اليوم من حروب ونزاعات وتنافس اقتصادي لا سابق له.

شاهد أيضاً

لا ترامب ولا بايدن… طهران تسعى لاستكمال مصالحتها مع الخليج والعودة إلى المفاوضات

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم- في الوقت الراهن، ليست المعادلة أيهما أفضل …