الرئيسية / مقالات رأي / بين السعوديّة وإيران… اليمن يبقى الامتحان

بين السعوديّة وإيران… اليمن يبقى الامتحان

بقلم: خيرالله خيرالله – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- في انتظار مجيء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى المملكة العربيّة السعوديّة تلبية للدعوة التي وُجّهت إليه، سيظلّ مطروحاً، هل من أفق سياسي للاتفاق السعودي – الإيراني الذي تمّ التوصّل إليه في بكين في العاشر من آذار (مارس) الماضي برعاية صينيّة؟ هل يلبّي ابراهيم رئيسي، مرشّح “الحرس الثوري” لموقع “المرشد” خلفاً لعلي خامنئي الدعوة، فيأتي إلى الرياض للبحث في ملفات كثيرة عالقة بين البلدين… أم يعتقد أنّ الوقت يعمل لمصلحة إيران من أجل تعزيز مواقعها في المنطقة والإمساك بشكل أقوى بأوراقها، خصوصاً الورقة اليمنيّة؟

سيعتمد الكثير، في حال كان مطلوباً السير في اتجاه تنفيذ بعض ما تضمّنه الاتفاق السعودي – الإيراني، على ما إذا كانت “الجمهوريّة الإسلاميّة” مستعدة لاعتماد سياسة مختلفة في اليمن بدل استخدام هذا البلد لابتزاز دول المنطقة. في مقدّمة هذه الدول تأتي السعوديّة التي لديها حدود طويلة مع الأراضي اليمنيّة التي باتت تشكّل كياناً سياسيّاً مستقلّاً تحت السيطرة الإيرانيّة في شمال البلد. تضمّ هذه المنطقة بين ما تضمّ، العاصمة صنعاء وميناء الحديدة على البحر الأحمر، إضافة إلى محافظات عدّة بينها الجوف وصعدة وحجة وذمار وإب وجزء من تعز في الوسط…

سيكون اليمن الامتحان الأوّل والأخير لإيران وللاتفاق الذي وقّعته مع السعودية، وهو اتفاق سمح بمعاودة العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين. جاء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى الرياض وبرفقته السفير الإيراني الجديد في السعوديّة، كما لو أنّه يريد القول إنّ هناك أمراً تحوّل إلى واقع يتمثل في عودة العلاقات الدبلوماسيّة بين الرياض وطهران.

عبد اللهيان نفسه الذي قابل ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في جدّة، بعد محادثات في الرياض مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الرياض، من المختصين باليمن والمنطقة العربيّة. سبق لوزير الخارجية الحالي، عندما كان نائباً لوزير الخارجية في العام 2015، أن تحدّث عن مصالح أمنيّة لإيران في اليمن. قال وقتذاك: “لن نسمح لآخرين بتعريض أمننا المشترك (بين إيران واليمن) للخطر بمغامرات عسكريّة”.

يصعب حصول تراجع إيراني في اليمن. سعت “الجمهوريّة الإسلاميّة” دائماً إلى أن يكون لديها موطئ قدم في هذا البلد الذي هو جزء لا يتجزّأ من شبه الجزيرة العربيّة، والذي لديه حدود طويلة مع السعوديّة. تحقّق الهدف الإيراني مع وضع الحوثيين يدهم على صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014  بتواطؤ مع جماعة “الإخوان المسلمين” الذين فضّلوا، لأسباب خاصة بهم، سحب مقاتليهم من صنعاء. كذلك حصل تواطؤ مكشوف مع الرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي، الذي رفض التصدّي للحوثيين في محافظة عمران، مستخدماً الجيش الذي كان في تصرّفه. اعتقد عبد ربّه أنّه سيكون في استطاعته التفاهم مع هؤلاء متى صاروا في العاصمة. انتهى به الأمر في الإقامة الجبرية بعد توقيع “اتفاق السلم والشراكة” مع ممثلين لعبد الملك الحوثي… بغطاء من الأمم المتحدة.

يظلّ احتمال تغيير الموقف الإيراني من اليمن احتمالاً ضعيفاً إلى حدّ بعيد. يستدعي ذلك البحث، منذ الآن، في كيفيّة وضع الأمن اليمني في إطار أوسع، بهدف تطويق الحوثيين الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله”. هذا ما حصل في الماضي وما زال يحصل حالياً. جرى تطويق الحوثيين داخلياً عن طريق طردهم من عدن ومن ميناء المخا الذي يسيطر على مضيق باب المندب الاستراتيجي. ليس سرّاً من كان وراء النجاح في ذلك، وفي منع سقوط مدينة مأرب ذات الموقع الاستراتيجي، والتي ما زالت عين “جماعة أنصار الله” عليها إلى يومنا هذا. أكثر من ذلك، ثمة حاجة إلى شبكة أمنية متكاملة في المنطقة المحيطة باليمن، خصوصاً في منطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي. هذا ما يفسّر أهمّية إثيوبيا والتركيز الإماراتي عليها كدولة محوريّة في كلّ ما هو مرتبط بأمن المنطقة، بما في ذلك أمن مياه النيل، أي أمن السودان، بغض النظر عن الحرب العبثية التي غرق فيها، وأمن مصر. هذا ما يفسّر أيضاً الزيارة التي قام بها أخيراً لأديس ابابا رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.

هل من يتذكّر مدى حرص الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي، عندما كان يسيطر على ميناء عدن تحديداً، على إيجاد رابط، بل حلف في العمق، بين اليمن الجنوبي وإثيوبيا؟ كان يحكم إثيوبيا وقتذاك الديكتاتور منغيستو هايلي مريم، فيما كانت “جمهوريّة اليمن الديموقراطيّة الشعبيّة” منحازة إلى إيران في حرب السنوات الثماني مع العراق…

لن تتخلّى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران بسهولة عن مشروعها اليمني الذي صار قلب مشروعها التوسّعي، خصوصاً مع امتلاك الحوثيين أسلحة متطورة تشمل صواريخ ومسيّرات باتت تشكّل قلقاً لكل دول المنطقة.

تعتبر إيران هذا المشروع الذي مكّنها من إقامة كيان تابع لها عاصمته صنعاء، من التفكير في تسوية سياسيّة يمنية، قد ترى النور يوماً، تجعل من هذا الكيان كياناً نهائياً وأمراً واقعاً ستفرضه على دول المنطقة والعالم.

يُخشى، في هذه الحال، الوصول إلى يوم يعلن فيه الكيان التابع للحوثيين عدم اعترافه بما توصل إليه اليمن مع السعوديّة في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، بما في ذلك اتفاق ترسيم الحدود بين البلدين…

بين السعوديّة و”الجمهوريّة الإسلاميّة”، سيظل اليمن هو الامتحان. في غياب تغيير إيراني في العمق، أي “عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، كما نصّ على ذلك بيان بكين والاتفاق الذي تضمّنه، ستظلّ إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران مجرّد تعبير عن اتفاق شكلي ينقصه المضمون! 

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …