الرئيسية / مقالات رأي / قلق الإصلاحيين في إيران من فشل الحوار مع السّعودية!

قلق الإصلاحيين في إيران من فشل الحوار مع السّعودية!

بقلم: يوسف بدر- النهار العربي
الشرق اليوم– مع الاقتراب من السعودية، اتسعت دائرة رهان التيار الإصلاحي في إيران على عوامل خارجية، تساعد نظام دولته المحافظ (الأصولي) على الخروج من العزلة التي فرضها على بلده منذ ثورة 1979، والتي اشتدت باقترابه من أنظمة سياسية شمولية ومغلقة أمثال روسيا والصين.

وتدور تساؤلات الإصلاحيين حول مدى إمكان أن يستجيب النظام للتغيير، من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة من المصالحة مع السعودية، أم أن هذا النظام سيظل أسيراً لمثالياته الثورية وسيضع إيران في النهاية في موقع التأثر برياح التغيير الآتية من داخل السعودية التي يعكف قادتها على تلبية تطلعات الأجيال الجديدة داخلياً وخارجياً؟!

والسبب الذي يجعل الإصلاحيين منشغلين بمتابعة التحولات داخل السعودية وخارجها، وبنقد السياسة التي يتبعها المحافظون تجاهها؛ هو أن إيران هي التي يجب أن تقرر ماذا ستفعل أمام التحولات التي تطرأ على هذا البلد المجاور، والتي تضع إيران في تحديات جادة معه!

دبلوماسيّة جادّة!
رغم أن النظام الإيراني لم يبرح أدبياته التي يروجها إعلامه بأن ظهور معادلة جديدة في المنطقة قد تشكل كنتيجة حتمية لمبادئ الثورة الإسلامية، وأن تقاربه تجاه الرياض يهدف إلى توجيه ضربة لإسرائيل، وكأن المملكة السعودية استجابت في النهاية للاصطفاف في معسكره؛ لكنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان للعاصمة السعودية ولقاءه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكذلك الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للرياض، وأخرى لولي العهد السعودي لطهران، والتخطيط لاتفاقية تعاون استراتيجي بين البلدين، كل هذا أشعر الإصلاحيين بوجود إرادة قوية لدى الطرفين للحفاظ على استمرار العلاقات وتطويرها، بخاصة أن زيارة عبد اللهيان تزامنت مع أجواء الحادث الإرهابي الذي استهدف مرقد شاه ‌چراغ الشيعي في شيراز، حيث كانت الإدانات العربية والخليجية لهذا الحادث في ظل صمت غربي مشجع للإصلاحيين على الرهان على التقارب مع السعودية، في إطار التأثير على النظام الإيراني والمعادلة الداخلية التي لطالما ارتبطت بالتحولات والمتغيرات الخارجية، بخاصة أن التغيير الاجتماعي داخل السعودية له تأثير كبير على المجتمع الإيراني!

كذلك أيضاً، تبدو السعودية ذكية في عيون الإصلاحيين، فبينما هي تتمتع بنظام سياسي وبوضع مجتمعي وثقافي خاص؛ لكن هذا لا يمثل لها عائقاً في إدارة سياستها الخارجية بالانفتاح على العديد من القوى الشرقية والغربية، بل مع قوى متعارضة أمثال الولايات المتحدة الأميركية والصين وإيران وإسرائيل!

اختبار للسياسة الإيرانية!
يمثل التقارب مع السعودية اختباراً حقيقياً للسياسة الخارجية في ظل حكم المحافظين، بخاصة أنه رغم الإرادة القوية لديهم لاستكمال المصالحة مع السعودية؛ لكنها لم تنتقل إلى المرحلة الثانية بعد، وما زالت تمضي ببطء على طبيعة المحافظين، رغم مرور خمسة أشهر على بدئها في آذار (مارس) الماضي، حتى أنه لم تتم تسمية سفراء البلدين رسمياً بعد، وتم تقديم علي رضا عنايتي الذي رافق عبد اللهيان إلى الرياض بصفته مستشاراً لوزير الخارجية الإيراني، وليس بصفته سفيراً لطهران كما هو مخطط له.

أيضاً، أعين الإصلاحيين على السياسة الخارجية التركية بوصفها سياسة ناجحة، فالزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدول الخليج، ومنها السعودية، في تموز (يوليو) الماضي، تعبر عن سياسة خارجية قادرة على استثمار الفرص من دون التقيد بأزمات الماضي، بخاصة أن أردوغان أفرط في تناوله قضية مقتل جمال خاشقجي؛ لكنه في النهاية كان قادراً على قيادة السياسة الخارجية في خدمة مصالح بلاده الاقتصادية والدفاعية.

وتماماً هذا ما يأمله الإصلاحيون من المحافظين، أن يكونوا قادرين على قيادة العلاقات مع السعودية نحو مرحلة ثانية لا تتوقف عند العلاقات الدبلوماسية، بل تمتد إلى العلاقات الاقتصادية والأمنية والدفاعية، بخاصة أن العلاقات مع السعودية تختلف عن العلاقة مع أي بلد آخر؛ لأن لدى السعودية حساسية بخصوص مكانتها الجيوسياسية وهويتها الخاصة، وهو ما يجعل العلاقات بين الطرفين دائماً في مهب الريح؛ ولذلك لا بد من حل الخلافات أولاً أو تجاوزها، فإن السياسة هي فن الممكن!

تجاوز المعالجة الأمنية!
تدفع تجربة المصالحة وانعكاساتها الإقليمية إلى إعطاء أهمية للعلاقات مع السعودية؛ فالدول العربية الأخرى لم تهتم بالحوار مع إيران، إلا بعد مصالحة الأخيرة مع ذلك البلد، وهذا أيضاً ما يمكن أن يحدث إذا ما قامت السعودية بالتطبيع مع إسرائيل، فإن دولاً إسلامية أخرى، بداية من آسيا حتى أفريقيا، ستتحرك نحو هذا التطبيع أيضاً، وهنا ستكون إيران أكثر عزلة إذا لم تنجح في اختبار سياستها الخارجية تجاه السعودية بما يتجاوز المعالجة الأمنية للقضايا.

هذه العقلية الأمنية التي تحكم النظام الإيراني تجعل سياسته الخارجية خاضعة للمخاوف الأمنية أكثر من الأهداف الاستراتيجية، فهو وافق على اتفاق تبادل السجناء مع واشنطن في توقيت ارتفاع مستوى مخاوفه من عودة الاحتجاجات إلى الشوارع مع ذكرى مقتل فتاة الحجاب مهسا أميني، وكذلك مخاوفه من عزوف الناخبين عن صناديق الانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما أن حوار النظام الإيراني مع الدول الخليجية والعربية يبدو لأهداف أمنية أكثر منها اقتصادية؛ فهو يهدف منه إلى تخفيف خطر اقتراب إسرائيل من مياه الخليج ومن محيط إيران، كما يهدف إلى عزل المعارضة الإيرانية عن الدعم الخارجي في ظل تلقيه ضربات أمنية واضطرابات داخلية يتهم فيها المعارضة.

مثالية الخطاب الشرقي!
أيضاً، ما يقلق الإصلاحيين أن ينظر الفريق الأصولي نظرة مثالية إلى السعودية، ويظن أن إيران ليست في حاجة إلى هذا البلد المؤثر في مجلس التعاون الخليجي، أو يظن هؤلاء المحافظون أن الخلافات بين واشنطن والرياض والتقارب السعودي تجاه روسيا أو الصين تعني أن الخطابات المثالية التي يطلقها الساسة في المعسكر الشرقي، ومنهم إيران، قد أتت أُكلها وأقنعت السعوديين بالاصطفاف في معسكرهم.

ويرى الإصلاحيون أن النظرة الواقعية إلى السياسة الخارجية السعودية تشير إلى أن هذا البلد يرهن سياسته الخارجية، بما يلبي طموحاته نحو رؤية 2030، وعلى ذلك فإنه يتقارب مع قوى دولية عدة لدعم خطته التنموية، وأن على المحافظين فهم هذه السياسة في هذا الإطار الساعي لتهيئة المناخ الأمني الداعم للتنمية، وأن حواره مع إيران يدخل في هذا الإطار.

وهو ما أفصح عنه وزير الخارجية الإيراني، الذي كتب على منصة X عقب اجتماعه مع ولي العهد السعودي: “لدينا اتفاق على أن الأمن والتنمية للجميع في المنطقة”، وما يخشاه الإصلاحيون أن يكون ما ينتظره النظام الإيراني من السعودية، يتلخص في كونها تريد أن تأمن شر إيران في المنطقة، أو تريد التقارب معها في مواجهة الهيمنة الغربية ودعم القوى الشرقية المناوئة!

إن النظرة المعتدلة والواقعية تدرك أن السعودية في ظل وجود ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، تتمتع برؤية أكثر براغماتية وديناميكية قادرة على إدارة السياسة الخارجية، بما يتماشى مع التحولات الداخلية وتطلعات الأجيال الجديدة، بل قادرة على مواكبة المتغيرات السريعة، التي منها احتمالية عودة الجمهوريين بعد الانتخابات الأميركية عام 2024؛ فالسعودية حينئذ يمكن أن تتراجع عن سياسة التوازن بين الشرق والغرب وبين إيران وإسرائيل، واستمرار سياستها تلك مرهون بمدى تلبية الشرق أو إيران طموحاتها، وهذا يعني أن الرياض لن تظل تستمع إلى مثالية الخطاب الشرقي تجاه الغرب من دون أفعال إيجابية تنعكس على خططها الداخلية وطموحاتها المستقبلية!

مركزية الاقتصاد!
منذ مجيء حكومة رئيسي المحافظة في إيران في آب (أغسطس) 2021، وهي ترفع شعار الأولوية لدول الجوار، وذلك بهدف دعم مركزية الاقتصاد في دبلوماسية هذه الحكومة التي كثيراً ما تدّعي قدرتها على تخطي العقوبات الغربية ودعم الاقتصاد بعيداً من المفاوضات النووية وبعيداً أيضاً من الانضمام إلى اتفاقيات دولية، مثل معاهدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف).

لكن واقعياً فشلت هذه الحكومة في تحقيق شيء من ذلك سوى المحاولة، وأقرب دليل إلى ذلك أنها لم تستطع الابتعاد من الدولار الأميركي سوى بنظام المقايضة الذي لم يساعدها إلا في البقاء على قيد الحياة، ولم تنتعش بورصتها أو تتحسن الأسعار تحسناً طفيفاً إلا بعدما توصلت طهران إلى اتفاق موقت غير رسمي مع واشنطن، يقتضي الإفراج عن جزء من أموالها المجمدة في الخارج وتغاضي الولايات المتحدة عن صادرات النفط الإيرانية!

وهذه الصورة الواقعية يبني عليها الإصلاحيون نقدهم لسياسة المحافظين الذين عجزوا عن إدارة سياسة خارجية متوازنة بين الشرق والغرب، قادرة على إنجاح سياسة مركزية الاقتصاد، وهذا الأمر ينسحب كذلك على نظرتهم تجاه مستقبل العلاقات مع السعودية، بخاصة أن ولي العهد السعودي أفصح في خطاب سابق عن طموحاته الإقليمية، بتأسيس اتحاد أوروبي جديد في منطقة الشرق الأوسط، يضمن القدرة على التبادل التجاري بين دول هذا الاتحاد بعيداً من هيمنة الدولار الأميركي فعلياً، ويضمن تلبية تطلعات الأجيال الجديدة التي تنطلق من بناء اقتصاد قوي ضامن لتوفير حياة كريمة لها، وهو ما يعجز نظام إيران المحافظ عن تحقيقه لهذه الأجيال، ولا يملك سوى تقديم الوعود بسيادة الحضارة الإيرانية على العالم تحت لواء ولاية الفقيه والمهدي المنتظر!

لذلك، على غرار النقد الذي يوجهه الإصلاحيون للتيار المحافظ حول مسألة التعامل مع الولايات المتحدة والأوروبيين بضرورة تعديل السلوك والتوازن في العلاقات الخارجية؛ يؤكدون أيضاً أن لا سبيل للحاق بركب السعودية سوى بناء الثقة مع هذا البلد، وذلك بحل الخلافات والقضايا الأمنية، وعلى رأسها الملف اليمني، وكذلك بإجراء تغييرات جوهرية في السياسة الداخلية والخارجية، وإن كان هذا ليس سهلاً ولكنه أمر مصيري؛ لأنه بمثال بسيط، بينما ما زالت السلطة الإيرانية تقدم المعالجات الأمنية في الداخل بفرضها القيود على الإنترنت، فإن التأشيرات الذهبية التي تقدمها دولة خليجية مثل الإمارات لمحترفي التكنولوجيا الرقمية، من أجل أن تصبح عاصمة للاقتصاد الرقمي العالمي بحلول عام 2031، ستدفع العقول التكنولوجية الإيرانية إلى الهجرة والذهاب إلى تلك الدول؛ لتصبح إيران دولة خاوية على عروشها!

شاهد أيضاً

لبنان- إسرائيل: لا عودة الى ما قبل “طوفان الأقصى”

بقلم: علي حمادة- النهار العربيالشرق اليوم– تسربت معلومات دبلوماسية غربية الى مسؤولين لبنانيين كبار تشير …